يوم الصمود اليماني

 

يكتبها اليوم / عبد الرحمن مراد


صمد اليمن أعواما سبعة أمام أعتى قوة عالمية تمتلك ترسانة عسكرية حديثة،وتمتلك تقنيات استخبارية عالية،وقدرات ومهارات فنية وعسكرية، وأجهزة وآليات حديثة، وشكّل الصمود اليمني فتحاً كبيراً لكل التداعيات التي حدثت في بنية النظام الدولي الذي تقوده أمريكا والمنظومة الرأسمالية العالمية، التي تعارف الخطاب الإعلامي على تسميتها بالدول الصناعية الست .
لم يدر في بال أمريكا – وهي تأمر ربيبتها السعودية على إعلان العدوان على اليمن من واشنطن صبيحة 26 مارس من عام 2015م – أن كيد الضعيف سوف يغير من بناء المعادلة التفاعلية للنظام العالمي, أو سوف يحدث شرخا في جداره حتى يتداعى فينهار المعبد على الكهنة .
كانت الإشارات واضحة وقد بدأت من فلسطين في معركة سيف القدس، فظهر أثر الصمود اليماني على مسار التفاعل, ثم جاءت من أفغانستان وها هي تستقر في روسيا وغدا ستكون في تايوان وفي الكوريتين حتى ينفرط عقد النظام الدولي وتنهار حركة توازنه الدولية الذي عمل طوال عقود على تمتين عراها .
وقديما كان يقول الحكماء “لا تستهينوا بكيد الضعيف فربما أدمى البعوض مقلة الأسد”, ولكن كهنة النظام الدولي غرهم بالله الغرور فوقعوا في شراك شر أعمالهم , وها هم اليوم يجنون ثمرة ما زرعوه في اليمن من ظلم ومن حصار ومن قصف وتدمير لكل مقومات الحياة .
ظنت أمريكا – وفق قراءة استخبارية ومعلومات ميدانية تحركت فيها سفارتها في العقد الأول والثاني من الألفية – أن العملية العسكرية في اليمن لن تستغرق زمنا طويلا وسوف يتم حسم المعركة في غضون أيامٍ قلائل, وها هو الزمن يجتاز عتبة العام السابع ليلج إلى عامه الثامن, في حين تشهد اليمن تبدلا, وتتغير المعادلة من الضعف إلى القوة, ومن الشتات إلى الوحدة, ومن التضليل إلى الوعي, من الدفاع إلى الهجوم, وهو أمر ما كان له أن يحدث لولا الإيمان بعدالة القضية والثقة بنصر الله للمؤمنين في كتابه العزيز .
كانت اليمن تبحث عن السلام وفق شروط العدو, اليوم العدو يبحث عن السلام وفق شروط أهل اليمن , وتلك من آيات الله لقوم يؤمنون, وكل التفاعلات الدولية والأحداث تصب في مسار ومصلحة اليمن, إذ اتسع الخرق على الراقع فضاعت عليه مفردات اللعبة وأصبح عاجزا كل العجز عن التحكم بها , أو السيطرة على مساراتها, وكل الخيارات التي حاول من خلالها استعادة السيطرة تركت أثراً مدمراً عليه وعلى بناه العامة .
الملف النووي الإيراني الذي كانت أمريكا تتخذ منه شماعة في حركة توازنها فتقره ثم تخرج من اتفاقه, ها هي اليوم تقبل به وفق شروط الواقع الجديد وشروط إيران نفسها, كما أنها عجزت عن الانتصار لأوكرانيا مما ترك أثرا نفسيا على ربائبها في الخليج، فخرجت الإمارات عن الطوع, ومالت السعودية إلى روسيا خوف التداعيات وخذلان أمريكا، ولم تجد أمريكا سوى قطر وهي غير ذات أهمية، فقطر لن تستطيع سد حاجة السوق العالمية من الغاز والنفط فضلا عن هوانها في المسار العام وفي الأثر وربما أجبر قطر على المسار مونديال 2022م الذي عملت من أجله طوال عقد من الزمان وأنفقت عليه الأموال والطاقات, وهي اليوم تبحث عن عشرين ألف متطوع كي يتفاعلوا مع مجريات الحدث الكروي الذي تعد له العدة منذ أمد طويل وتخاف أن يفشل .
كل التداعيات الدولية اليوم حشرت أمريكا في زاوية أخلاقية حرجة، فقد حاولت أن تسير في وهم السيطرة على النظام الدولي, فوقفت لها روسيا والصين بالمرصاد فعجزت, فبرز سؤال تحديث أسس ومبادئ النظام الدولي وهو سؤال ظلت أمريكا تهرب من استحقاقه منذ زمن, أسس الاستغلال الذي مارسته أمريكا على شعوب وأنظمة العالم كشفت روسيا أسراره اليوم عن طريق الأدلة الدامغة التي حصلت عليها من المعامل البيولوجية في أوكرانيا , كل فرص الاستغلال أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والتداعي والسقوط وبها ومن خلالها سوف يتداعى النظام الدولي القديم الذي تقوده أمريكا حتى يصبح أثرا بعد عين .
من الصعب أن تبني نظاماً عاماً وطبيعياً في العالم ولكن من السهل أن تهدمه, وكما عملت أمريكا على هدمه في دول الربيع العربي حتى يسهل عليها فرض السيطرة على الحكومات والهيمنة على الشعوب ها هي تتجرع وباله سماً ناقعاً من روسيا اليوم , وغدا تتجرعه في الصين وكوريا وفي كثير من بقاع العالم التي كانت ترى أنها تحكم السيطرة على مقاليدها وبالتالي تحدث من خلالها لعبة التوازنات والضغوط حتى تمارس غواية الاستغلال .
قد لا يرى الكثير الأثر المباشر ليوم الصمود اليمني في وجه جبروت أمريكا، لكن قيادة أمريكا للعدوان على اليمن واستخدامها لكل تقنيات الأسلحة في اليمن جعل منها كتابا مفتوحا ومقروءا, فالذي كان يتصورها حالة غير قابلة للقهر وجد فرصته ليغير من هذا التصور, والموضوع يمتد ليشمل محور المقاومة كله , فالقراءة التحليلية قادرة على سبر الغور للوصول إلى قرار كالذي حدث مع روسيا التي دخلت إلى الخيار العسكري في أوكرانيا، وهي على إدراك كامل بقدرات العدو من خلال التدخل المباشر في سوريا .
نخلص إلى القول، إن محور المقاومة الإسلامية صنع واقعا جديدا وخدش وجع أمريكا القبيح, والسؤال: هل سيكون لمحور المقاومة حضور فاعل في صناعة نظام دولي جديد يحترم حقوق الشعوب في العيش الكريم ؟ .

قد يعجبك ايضا