تقرير/ يحيى الربيعي
مثّل ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أخطر المراحل في حلقات مسلسل المؤامرة الأمريكية- الإسرائيلية للسيطرة الشاملة على المنطقة العربية وفق خطوات منظمة ومدروسة، فقط توجَّهت أمريكا بكل ثقلها وقدراتها وإمكاناتها على نحوٍ غير مسبوق، وتحركت في كل الاتجاهات لاحتلال المنطقة العربية تحت غطاء ما أسمته الإرهاب، ذلك المصطلح المطاطي الذي فصَّلته أمريكاً ثوباً لمؤامراتها على المنطقة.
بدأت خيوط المؤامرة بتشكيل التحالف الغربي العالمي لمكافحة الإرهاب بقيادة أمريكا، وتسخير الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية لخدمة ذلك التوجه، كما تم فرض معاهدات واتفاقيات دولية وإقليمية وصدرت قرارات دولية وسنت تشريعات لتجريم ومكافحة الإرهاب كما تم حشد الرأي العام العالمي لخدمة ذلك المشروع الـتآمري، وتم تجريم الإرهاب والأعمال الإرهابية بلا تحديد لمعنى ومفهوم للإرهاب أو الاتفاق على تعريفه بين دول العالم.
سعت أمريكا وراء ذلك، فقد صنعت الذرائع والمبررات لتنفيذ مخططاتها، واتخذت إجراءات عملية، حيث قامت بتدمير أفغانستان واحتلال العراق وتصفية القضية الفلسطينية، وتخريب باكستان، وبسط نفوذها على العديد من الدول ومنها اليمن، وكان الغرب قد قام بزرع كيانات وإنشاء جماعات متطرفة داخل العالم الإسلامي ، كانت هذه الكيانات هي وسيلة التواجد الأمريكي وذريعته لتنفيذ مخططاته، تمثل ذلك في الكيان الإسرائيلي الصهيوني والكيان السعودي، وما نشأ عنهما من جماعات متطرفة.
لم تغب اليمن عن ذاكرة المؤامرة الأمريكية، فهي من خطط لبسط نفوذها في اليمن منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما تم استقطاب وتجنيد الشباب اليمني (للجهاد) في أفغانستان بذريعة مواجهة المد الشيوعي الروسي وإقناعهم أن ما يقومون به جهاد في سبيل الله، حيث تم تشكيل أفكارهم وتعبئتهم بتعاليم وثقافات متطرفة ومتشددة، بعيدة عن تعاليم الدين الإسلامي الصحيح، وبعد انتهاء الحرب، بدء تنفيذ المؤامرة وأعيد بعضهم إلى اليمن والبعض تم توزيعهم في عدد من الدول، واقتيد بعضهم وزج بهم في سجن غوتنامو، لاستكمال تنفيذ المخطط الأمريكي. فقد كونت المخابرات الأمريكية من هؤلاء جماعات متطرفة أطلقت عليهم ما يسمى بالقاعدة ثم فيما بعد تغير المسمى إلى داعش.
تسارعت الأحداث بالذات بعد تنفيذ المخابرات الأمريكية لأحداث سبتمبر، ووجهت الاتهام (للمجاهدين) العائدين من أفغانستان ووصفتهم بالإرهابيين، واستمرت أمريكا في صنع الذرائع لاستهداف اليمن ومن ذلك تفجير السفينة كول في عدن والاعتداء على ناقلة النفط الفرنسية ليمبرج في حضرموت والاعتداء على السياح والسفارات.
المشروع الأمريكي خضع له العالم بأسره، فالذين أدركوا مغازيه أركعتهم مصالحهم مع أمريكا إلا المضي في دربها، أما من في سرب أمريكا، فقد سارعوا إلى إعلان التأييد وجندوا أنفسهم في صفوف ما اسمته أطلقته أمريكا بحرب الإرهاب.. لقد اختفى الدور المقاوم لمآرب الأمريكان والصهاينة، وظهر النفاق العالمي لإرادة القطب الأمريكي المتحكم في مسارات السياسة والاقتصادي العالميين.
لكن عناية الله بهذه الأمة لم تغفل، فبينما كان العالم يسارع إلى الظفر برضاء الإدارة الأمريكية، صدع في جنوب الجزيرة العربية.. صوت من مكان بعيد.. صوت من بين ركام الانحطاط العربي.. صوت أذهل العالم بصرخة مدوية فيها “الموت لأمريكا”، صرخة لفتت إليها عنفوان وغطرسة أكبر امبراطورية في العالم الحديث هي أمريكا.
آنذاك، ومن قاعة مدرسة الإمام الهادي في مران صعدة بتاريخ 17/ 1/ 2002م ، دوى شعار (الموت لأمريكا) وسط مجموعة قليلة من الناس والمواطنين ، لقد أراد الشهيد أن تكون الصرخة تلك ، سلاحاً وموقفاً، وهو شعار المشروع وعنوان التحرك، وعلى هذا النحو قدم الشهيد القائد المشروع القرآني وبطريقة سلمية وحضارية، وبما يعبر عن غضب الشعوب تجاه جرائم أمريكا وإسرائيل في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من بقاع العالم، وبما يخرجها من حالة اللاموقف إلى الموقف والتعاطي بمسؤولية تجاه المخاطر التي تحيط بها، دعا الشهيد إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كواجب ديني وأخلاقي يترجم حالة السخط إلى مواقف عملية، وقد رأى أن لذلك تأثير بالغ الأثر، خاصة عندما ينطلق المجتمع المسلم في مقاطعة اقتصادية شاملة جماعية.
حينها، سارعت أمريكا بكل ثقلها السياسي، فاستدعت السلطات اليمنية ووجهت إليها الملائمة والتحذيرات من السماح لصدى هذه الصرخة أن ينتشر ويتسع أفقها، واستنفرت الأخيرة كل قواها الاجتماعية والسياسية والقبلية حتى أن السفير الأمريكي ذهب بشخصه إلى صعدة، واجتمع بالمحافظ الذي بدوره أخرج السلطة المحلية حينها بكل ما لديها من إمكانيات أمنية واستخباراتية في حملة شاملة يقوده بنفسه لمسح الشعار من أرجاء صعدة، وقادت السلطة حملة اعتقالات واسعة اعتقل فيها ما يزيد عن 800 مجاهد من أنصار السيد حسين بدرالدين الحوثي، فلم يزد ذلك السيد القائد حسين بدرالدين الحوثي ومن معه من المجاهدين إلا عزيمة وبصيرة.. ما اضطر أمريكا إلى استدعاء الرئيس اليمني “علي صالح”، إلى البيت الأبيض. ومنها أعلنت أمريكا حربها على المشروع القرآني.
وفي 18 يونيو 2004م قرر رأس نظام الخنوع في اليمن” علي عبدالله صالح” شن حرب غاشمة وشعواء على الشهيد القائد ، استخدمت السلطة الظالمة كل ثقلها العسكري وحشدت القوة إلى مران على بعد 30 كيلو متراً مربعاً جنوب غرب مدينة صعدة حيث كان الشهيد القائد ومن معه، وأحاطت بالمنطقة قوات كثيفة حشدتها السلطة وإلى جانبها من حشدتهم من القبائل، ظن النظام أن العملية لن تستغرق سوى ساعات أو أيام قليلة إلا أن قواته سارت ببطء وسط مقاومة صلبة وضعت السلطة الظالمة آنذاك في موضع حرج أمام الرأي العام في الداخل اليمني وخارجه ، رغم أن الشهيد القائد ومن حوله لم يكن يملكون أي سلاح ثقيل أو متوسط.
لقد أدرك الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي خطورة ماذا يعني أن يكون لأمريكا صوت معارض لمصالحها في المنطقة؟ وأن ثمة مخاطر جسيمة وتحديات عظيمة تنتظر هذه المسيرة، لم يزده ذلك سوى إصرارا ويقينا بعادلة القضية، فأعد لها أمة مؤمنة بعادلة مظلوميتها، لا ترهبها تهديدات أمريكا ولا قوتها وجبروتها، لأن سلاحها هو الإيمان بالله.
سارع الشهيد القائد في تقديم المشروع القرآني للأمَّة حيث كانت المرحلة تقتضي وجود مثل هذا الدور، فجاء المشروع نتاج استشعار المسؤولية والانتماء الإيماني للأمة، الذي لا يسمح بالسكوت تجاه الخطر الكبير والشر المحدق بالأمة والفساد والمنكر الذي يجعلها تخسر كل شيء، حريتها، واستقلالها وأمنها.
الشهيد القائد وقف في وجه أمريكا في زمن الخنوع، وقف مقدما المشروع القرآني بوصفه مشروعاً ثقافياً فكرياً حضارياً قدّم من خلاله قراءة شاملةً للخطاب القرآني، ليعيد تقديمه في الواقع كمنهج للحياة ينهض بالأمة ويعيد بنائها ويحصّنها ضد الأخطار المحدقة بها ويستعيد رؤيتها لذاتها وللآخر ويستنهضها لمسؤولياتها ـ ليس في مواجهة عدوها وحسب ـ بل ولأداء دورها الرسالي والحضاري الحقيقي والمُغيَّب في هذه الحياة.
وفي ذلك، يوضح قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي” أن المشروع القرآني جاء في إطار حملة وهجمة واستهداف شامل للأمة من قبل أعدائها، وأن السيد حسين بدر الدين الحوثي تحرك في وقتٍ مبكر، قبل أن يستفحل الخطر ويتعاظم جداً، وقبل أن تصل الأمور إلى مستوى الانهيار”.
وأكد قائد الثورة أن “الشهيد القائد كان ممن دفعهم انتمائهم الإيماني للتحرك والشعور بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، وممن امتلكوا الوعي بمتطلبات المرحلة، فالمشروع القرآني لم يكن عبثياً، ولم يكن مجرد افتعال مشكلة، المشكلة موجودة كبيرة جداً، مشكلة أمريكا وإسرائيل”.
من هنا، كانت ولادة المشروع القرآني حاجة ومسؤولية انطلقت من الوعي بالواقع ومشكلاته ومتطلباته وعلى نحوٍ واقعي وتدريجي وفاعل له كل المميزات التي يمكن أن تنشدها الأمة تجاه مشروع بناء عظيم فعّال مفيد، يمكن أن تعتمد عليه وأن يُشكّل مخرجا لها ومُعالجاً لكل إشكالاتها.