الثورة / إداراة التحقيقات
مرة أخرى، وبينما مجلس الأمن الدولي الراعي الدولي- غير الموثوق به- للأمن والسلم الدوليين كان يعقد جلسة لطباخة بيان جديد يوثق فيه الانحدار القيمي في الانتصار للحقوق وضبط بوصلة العلاقات بين الدول، كانت النساء والأطفال وعامة المدنيين يمرون بلحظات عصيبة من الخوف والقلق في انتظار قدوم الزائر الليلي اليومي منذ سبعة أعوام من اتجاه الجارة السعودية لترمي مقذوفاتها على رؤوسهم.
ترقب الناس الحذر، يأتي إثر إعلان تحالف العدوان الواضح بضرب المؤسسات المدنية، والتي كثير منها تجاورها كثير من المباني السكينية.
وطوال سبعة أعوام لم يكن للأمم المتحدة ومجلسها أن تقف بأمانة وبدافع من الكينونة الإنسانية التي ينتمون إليها إزاء حرب الإبادة التي تمارس ضد اليمنيين.
أسمعت صرخات الأطفال والثكالى كل شوارع العالم وخرج الأحرار في غير مكان في مسيرات ووقفات ترفض هذا التجاهل والتعامي الذي يمارسه مجلس الأمن تجاه الأزمة اليمنية.
وطوال سبعة أعوام مثّل مجلس الأمن مظلة حامية ومشرِّعة لكل ممارسات تحالف العدوان ضد بلد عضو في الأمم المتحدة، فمع الانطلاقة للعدوان «لم يكن على مجلس الأمن سوى توفير غطاء سياسي وأخلاقي، وهو ما فعله في أبريل/نيسان 2015 عبر إصدار قرار شديد اللهجة افترض أن كل شيء سيسير وفقاً للخطة السعودية.» حسب الباحثان (وليد الحريري) و(نيكولاس أسك).
وأكد الباحثان في بحث لهما منشور في ابريل ٢٠٢٠ ان «هناك مصالح سياسية واقتصادية وأمنية مشتركة بين أقوى الدول في مجلس الأمن والسعودية، ما منح الأخيرة التي تقود أحد أطراف الصراع كلمة عليا في تقرير مسار الجهود الدبلوماسية الدولية لحل النزاع.»
يشير البحث إلى أن كل القرارات المتعلقة باليمن في السنوات الخمس الماضية، جرى تدارسها في مجلس طغى عليه نفوذ السعودية واستعدادها للإنفاق الاستراتيجي للأموال، على مر العقدين الماضيين كسب السعوديون دعماً سياسيا من الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين في الشؤون الإقليمية، عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية وعمليات التدريب العسكري المشتركة وصرف مليارات الدولارات على صفقات الأسلحة والنفط والاستثمار في اقتصادات الدول الثلاثة ووسائل إعلامها، تُعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أكبر موردي السلاح إلى السعودية.
ويذكر البحث أن أعضاء تحالف العدوان والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن عملوا على إحباط العديد من المبادرات المحايدة التي أطلقها غيرهم من الأعضاء المتناوبين والذين لديهم الحد الأدنى من العلاقات مع السعودية ويعتبرون حقوق الإنسان في صلب السياسة الخارجية لبلدانهم، وقد اقترحت هذه الدول نصوصاً تتناول العديد من القضايا اليمنية، فمثلاً حاولت نيوزيلندا عام 2016 تعميم نقاط يمكن تضمينها في قرار يحل محل القرار 2216. وجه أعضاء المجلس المتحالفين مع السعودية نقداً عنيفاً لهذه المبادرة ورفضوها بشدة، وحصل الأمر نفسه في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حين دعت البيرو وألمانيا وبلجيكا مجموعة الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين، التي كلفتهم الأمم المتحدة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، لإطلاع مجلس الأمن على ملخص أعمالها ولكن حلفاء السعودية في المجلس منعوها من تقديم إحاطتها، وتشمل المبادرات الأخرى التي اقترحها الأعضاء المتناوبون ورفضها حلفاء السعودية: دعوة مشتركة من قبل بولندا وهولندا والبيرو عام 2018 لوقف تقدم القوات المدعومة من السعودية والإمارات نحو ميناء الحديدة، دعوة بوليفيا وهولندا وبولندا والسويد عام 2018 إدانة الغارات الجوية السعودية التي استهدفت المدنيين، ودعوة هولندا والسويد وبولندا والبيرو عام 2018 لدفع رواتب عمال القطاع العام وفتح مطار صنعاء الدولي للاستخدام الإنساني والتجاري، كما أعرب هؤلاء الأعضاء غير الدائمين عن قلقهم بشأن عدم إحراز تقدم في جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ونددوا بشدة بانتهاكات حقوق الإنسان.
ويؤكد البحث أن السعودية نجحت بشكل عام من ضمان رؤية مجلس الأمن للملف اليمني وفقاً لمصالحها، ما حد من القرارات والمبادرات التي يمكن أن يوافق الأعضاء الخمسة الدائمون عليها دون المساس بمصالح كل منهم مع الرياض.
قرارات تأزيم
هكذا كانت الأصوات تتعالى فاضحة مجلس الأمن عندما ظهر تخليه عن القيم الذي أنشأ لأجله وحينما وجدوا أنه يرسخ لثقافة جديدة تمعن في إغراق العلاقات الدولية بالفوضى.
وامس الاثنين، تسلمت وزارة الخارجية من المركز اليمني لحقوق الإنسان ملخص الدراسات والتحليلات التي أعدها فريقه الحقوقي بشأن المخالفات التي ارتكبها مجلس الأمن بشأن الملف اليمني.
وأكد وزير الخارجية المهندس هشام شرف أنه لا بد من إيصال مظلومية الشعب اليمني لكل العالم وشرح معاناته ومأساته بمختلف الطرق والوسائل وهذا ما سنعمل عليه مع المنظمات المدنية المحلية والخارجية.
وتندرج ضمن المخالفات، جميع قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن خلال الفترة الماضية، والتي ساهمت في مضاعفة المعاناة على الشعب اليمني، في ظل مساندتها بشكل مباشر إستمرار الحرب والحصار.
وأكد نائب وزير خارجية صنعاء، حسين العزي، أنه سيأتي اليوم الذي»نلاحق فيه دول مجلس الأمن أمام المحاكم لتورطها في مواقف سلبية في اليمن».
وأوضح العزي في تغريدة على حسابه الشخصي بتويتر أن مواقف مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، خدمت التنظيمات الإرهابية « القاعدة وداعش «.
وأشار إلى أن تلك المواقف ساهمت إلى حد كبير في تشجيع دول التحالف على ممارسة الجريمة المنظمة والممنهجة بحق اليمنيين.
روتيناً تقليدياً
في رسالة لرئيس وأعضاء مجلس الأمن لشهر فبراير 2022م، السفير فاسيلي نيبينزيا، أمس الأول، ذكر وزير الخارجية المهندس هشام شرف أن الإحاطات التي تعقد عادة بشأن اليمن، صارت روتيناً تقليدياً وشكلياً يبرر تواجد الأمم المتحدة ومنظماتها وعملها في اليمن، مع إعطاء الفرصة الكاملة للدول الداعمة للدول المعتدية على اليمن ومن يواليها لتقديم المزيد من الادعاءات غير الصحيحة ضد السلطات في صنعاء.
ولفت إلى أن الأمم المتحدة بهذا النمط من الجلسات والإحاطات تحوّلت إلى منصة شكاوى وتبنٍ لادعاءات المعتدين على اليمن، دونما أي اعتبار أو نظر في ما تريد طرحه سلطات الجمهورية اليمنية في صنعاء من توضيحات أو مواقف يمكن للمجلس بحثها كمجلس محايد للأمن الدولي والحفاظ على أمن واستقرار مختلف المناطق في العالم.
وأكد الوزير شرف أنه في ظل الإحاطات المقدمة من المبعوث الأممي الحالي، ومن سبقوه يجد المجتمع الدولي أنه لم يطرأ أي تحول إيجابي أو تحسن في الوضع الإنساني والمعيشي في اليمن، أو خطوات فعلية لإنهاء الحرب، بل إن معظم الإحاطات تعطي مزيداً من المبررات للدول المعتدية على اليمن في استمرار عدوانها بشكل أكبر، وتدخلاتها لاستمرار النزاع.
وشدد على اعتماد وتنفيذ خطوات وإجراءات بناء الثقة التي طالما نادت بها صنعاء، التي يمكن أن تقود إلى انفراجة حقيقية في الملف السياسي، والإعداد للمفاوضات والتسوية السياسية، وذلك عوضاً عن المزيد من الاحاطات التي تؤدي إلى مواقف أحادية تخدم استمرار العمليات العسكرية للدول المعتدية على اليمن.
ولفت إلى أن تلك الخطوات تتمثل بوقف إطلاق النار والعمليات العسكرية، وفتح مطار صنعاء للرحلات المدنية والتجارية، ورفع الحصار عن ميناء الحديدة، والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية والغاز المنزلي والبضائع التجارية والمواد الأساسية والأدوية، لما من شأنه تطبيع الأوضاع في الداخل اليمني، وتهيئة الأجواء لمناخات التسوية السياسية والسلام.
وطالب وزير الخارجية، في الرسالة، مجلس الأمن الدولي بممارسة مهامه بحيادية كاملة لخلق أجواء ملائمة لأي خطوات سلام، وأن يكون منصفاً بالاستماع إلى مواقف أطراف النزاع، ومنها موقف سلطات صنعاء، وألاّ يكون مجرد منصة تروج وتبرر ادعاءات من يفتعلون الحروب العبثية، ويعملون على استمرارها.
واختتم وزير الخارجية رسالته بالقول: «إن السلطات في صنعاء على أتم الاستعداد لإرسال مبعوثي حكومة الإنقاذ الوطني للتحدث أمام مجلس الأمن، وتأكيد موقف صنعاء الواضح والمبدئي للتوجه نحو السلام والخروج باليمن وشعبه من هذه الحرب الظالمة، نحو الأمن والاستقرار المنشود».
جادة القانون
وطالبت وزارة حقوق الإنسان قبل أيام مجلس الأمن بالعودة إلى جادة القانون الدولي، والنأي بنفسه عن التجاهل المستمر، والصمت المخزي، تجاه ما يحدث من انتهاكات جسيمة وجرائم شديدة الخطورة في حق اليمن أرضا وإنسانا.
وحمّلت وزارة حقوق الإنسان، مجلس الأمن وهيئاته المسؤولية القانونية والأخلاقية إزاء ما ترتكبه دول العدوان من جرائم في مختلف مناطق اليمن.
وقالت الوزارة في بيان” إن مجلس الأمن هو من أعطى دول تحالف العدوان الغطاء الدولي لشن الغارات وقتل المدنيين وحرق ممتلكاتهم، إلى جانب ما تقوم به تلك الدول حالياً من تدريب مقاتلين مرتزقة على أيدي المارينز الأمريكي في محافظة حضرموت، وجلبها مجموعة من التكفيريين إلى محافظة مارب واعتقال العديد من المواطنين والزج بهم في السجون وإهانتهم”.
ودعت، مجلس الأمن إلى وقفة جادة ومسؤولة أمام مواقفه المتخاذلة تجاه ما يعانيه الشعب اليمني من عدوان وقتل للمدنيين وحصار شامل ومعاناة اقتصادية شديدة، ووضع صحي مؤلم، وقصف مستمر تمارسه دول العدوان منذ سبع سنوات، دون إنصاف من المجلس، وغياب تام للعدالة.