د.إبراهيم طلحة

المُتَعالِمُون!!

 

لا يزال أصحابُنا المُتعالِمُون – تعالَمَ: ادَّعى العِلم – مُهْطعين مُقْنعي رؤوسهمْ لا يرتُد إليهم طرفُهُمْ وأفئدتُهُمْ هواء لا يزال بُنيانُهُمُ الذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلا أن تَقَطَّعَ قلوبُهم.. ارتابتْ قلوبُهُمْ فهم في ريبهم يترددون، وفي سكرتهم وغيهم يعمهون.. عن التذكرة معرضون، وعن الصراط ناكبون.. لهم قلوبٌ لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها،، أولئك كالأنعام بل هم أضلّ.. أولئك هم الغافلون!!
يتفاصحون،، يتعالمون،، يتشاعرون،، يتناقدون..يتمعجمون،، يتمصحفون،، يتمثقفون،، يتفلسفون.. فلا هم علماء ولا هم شعراء، ولا هم نقاد ولا هم أدباء، ولا هم معجميون، ولا هم صحفيون، ولا هم مثقفون، ولا هم فلاسفة، ولا هم يحزنون!!..
لو نشاء لمسخناهم على مكانتهم، ولو نشاء لطمسنا على أعينهم وأغشيناهم فهم لا يبصرون.. أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم؛ يحسبون أنهم على شيءٍ، ويظنُّون أن الشمس إنما تشرق لتضيء انتصارات أفكارهم البالية، والتراب إنما يوجد ليخفي أخطاءهم ومصائبهم القاضية على النفوس والقلوب السالية،، ألا إنهم هم الكاذبون!!..
أبصرهم فسوف يبصرون، وقل لهم: عسى أن يكون ردِفَ لكم بعضُ الذي تستعجلون؛؛ لأنه ما يبدئ الباطل وما يعيد؛ فكيف قلَّبوا لك الأمور ثم عموا وصموا كثيرٌ منهم؟!! ألأنهم ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون؟!.. أم لأنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون؟!!..
متعالمون من «طق طق» إلى «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»!!.. متعاظمون تعاظم «بطرة بنت بوقة»، تعاظم من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا،، وما علموا أننا لِنَدْنُوَ من العظمة فيجب أن نكون عظماء في بساطتنا وتواضعنا، ولا نتكبر على أبناء جِلدتنا، جلدوا ظهورهم!!
وإذا كان بعض الناس عظماء لأن المحيطين بهم على استعدادٍ تام لأن يكونوا أذلة صاغرين، فإن (مكسيم غوركي) يربأ بنا عن التعاظم والتصاغر معًا، قائلاً: «من العظماء من يشعرُ المرء في حضرتهم بأنه صغير، ولكنَّ العظيم بحقِ، هو الذي يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء»!!..
(يا سلام عليك يا (غوركي)!!.. أين أصحابُنا المتعاظمون المتعالمون من هذه المقولة العظيمة وما بلغوا معشار ما بلغت، ولا بذلوا مُدَّ ما بذَلْتَ ولا نصيفه؟!!
ومهما يكن من أمر؛ فلن يصح إلا الصحيح، وسيطمر النسيان ما لا داعي له ولا حاجة إليه من الأسماء الدخيلة والأعمال الهزيلة.. إنه لا محيص ولا مناص ولا نجاة ولا خلاص من حظك من التاريخ، قَلَّ أو كثر،، نصيباً مفروضاً!!.. وإذا كان الحظ قد يجعل من الإنسان شيئاً مذكوراً؛ كأنْ يجعله ثرياً غنياً أو يجعله جميلاً وسيماً،، فإنه لا يمكن أن يجعله عليماً حكيماً، أو مفكراً عظيماً!!.. إن العلم والحكمة والفكر والثقافة لا تأتي محض حظ أو مصادفة.
ما أجدر المتعالمين بالتقليل من شؤون أنفسهم، والتكثير من شؤون الآخرين، وما أروع ما قاله (غوته) في شأن بعض المتصدرين للكتابة والتأليف والدرس والمحاضرة، من المثقفين المتثاقفين، ومن المتعلمين المتعالِمين، حينما ألمع إلى تهافتهم على شهوة الشهرة،، فقال: «يبدو أن بعض الكُتُب قد كتبها أصحابها لا ليتعلَّم الناس منها شيئاً، بل ليعرفوا أن أصحابها كانوا يعرفون شيئاً»!!.. يالِ(غوته) ويا لأفكار (غوته)!!.. والمتعالمون خاصتنا، على درجةٍ من الإبداعات الوهمية، لا يحفلون بِ(غوته)، ولا يحفلون بِ(غوركي)، ولا يحفلون بمن جاء، ولا يحفلون بمن راح.. يالطيف والهنجمة، بالورق والمرسمة!!
قفلة: «فكِّر كرجُل حكيم، ولكن تكلم كإنسان عادي»!! (أرسطو).

قد يعجبك ايضا