وجدي الأهدل.
وُجه لي سؤال: «لماذا الرواية في اليمن ليست متطورة كباقي بلدان العالم؟»؟
الجواب باختصار: إن الإبداع بحاجة إلى بيئة مستقرة. وإذا نحن نظرنا إلى تاريخ اليمن الحديث، وهو سلسلة متتابعة من الحروب الخارجية والداخلية والاضطرابات العنيفة والضعف المزمن للنظام السياسي، فسوف ندرك أن هذه البقعة الجغرافية من العالم ليست مكانا ملائما لنمو الاهتمامات الأدبية والفنية والفكرية، وليست بيئة نشطة في التلقي، ولا تمتلك الحد الأدنى من الأدوات لمساعدة المبدعين في مختلف المجالات على إبراز قدراتهم وتطويرها.
عندما يقوم المبدع بإنجاز إبداع ما، فهو قد قام بالخطوة الأولى، وعلى المجتمع الذي يعيش فيه أن يقوم بالخطوة التالية المتمثلة في «تلقي» هذا العمل الإبداعي.
المبدع يبادر بخلق العمل الفني، والمجتمع مُتأهب ويُبدي شغفاً بكل جديد في الفن والأدب والفكر.
بالنسبة للشخص الذي وجه لي السؤال أعلاه، فقد أجبته بإجابة صدمته: «أنت السبب!». فعبس في وجهي، وتركني دون كلمة واحدة.
بالطبع لم أكن أقصده بصفة شخصية، ولكنني أقصد المتلقي بصفة عامة، وهذا المتلقي يبلغ عدده في اليمن حوالي ثلاثين مليوناً. إن هذا العدد الهائل من السكان يوحي بأن بالإمكان للروايات المحلية الجيدة أن تحقق مبيعات تتجاوز سقف المئة ألف نسخة بسهولة، ولكن واقع الحال أن متوسط ما يُطبع من أية رواية جديدة هو ألف نسخة، وحتى مع هذا الرقم الهزيل فإن النسخ لن تُبارح رفوف المكتبات إلا بشق الأنفس.
قد يبدو الأمر وكأنني أُحابي الروائيين وأُسقط عنهم تهمة الفشل، وأُلقي باللوم على كاهل المجتمع، لكن هناك ترابط وثيق لا يمكن إنكاره بين الطرفين، أيّ المرسل والمتلقي، وتفاعل ينبغي أن يحدث، بحيث ينعكس على الطرف الأول – المرسل- في شكل مردود مادي جيد وتقدير معنوي يتناسب مع قيمة الإنجاز الإبداعي.
إن هذا الشخص الذي قصد الاستفزاز بسؤاله ذاك، كان يُضمر في نفسه حكماً متحاملاً ينص بأنكم – أيّ معشر الروائيين- لستم في مستوى أقرانكم في الدول الأخرى، ولذلك أنتم فاشلون.
لم يفكر هذا الشخص مطلقاً في أنه هو أحد أسباب الفشل – إذا وافقنا على وجهة نظره بأن كل الروائيين في اليمن فاشلون- وأنه يتحمل جزءاً من المسؤولية.. فلا يمكن أن يظل المرسل يتفانى في تجويد رسائله ويُكابد في بعثها الواحدة تلو الأخرى، بينما الطرف الآخر المتلقي مُعرض عنها، ويتجاهلها بكل برود، وبغرور أيضاً.
هذا النظام الفاشل من التراسل بين الطرفين، سيؤدي في نهاية المطاف إلى كبح أيّ تطور حقيقي في مضمون الرسائل، وغالباً سيكف المرسل عن كتابة الرسائل ويلوذ بالصمت.. وهو نوعان: الصمت بمعنى التوقف عن الكتابة؛ والصمت بمعنى التوقف عن مخاطبة الآخرين والاكتفاء بمخاطبة الذات، وهذا اتجاه نكوصي، وغالباً سيتجه المبدع إلى تكرار أعماله السابقة ولن يتمكن من الارتقاء بمشروعه الإبداعي.
إذن هناك علاقة تفاعلية بين الإبداع والمجتمع، وكل منهما يساهم في تطوير الآخر والرقي به. وبدون هذا الاتحاد الكلي بين الطرفين، فإن النتيجة هي أن يفشلا معاً.