العدوان على اليمن.. أبعاد وتداعيات

 يكتبها اليوم / طه العامري

 

تدرك دول العدوان – ونحن على عتبات العام الثامن من بداية جرائمها – أنهم يواجهون أبعادا استراتيجية وتداعيات إقليمية ودولية، ناهيكم عن تداعيات وتبعات داخلية ستطال دول العدوان وتحديدا دول الجوار وخاصة دولتي الإمارات والسعودية اللتين ستواجهان ضربات مؤلمة على خلفية هذا العدوان الذي يعد أكبر خطأ استراتيجي قامت به هاتان الدولتان بمعزل عن الأسباب والدوافع والتبريرات لهذا العدوان الإجرامي الذي سيكون – مع خفوت مدافعه وتوقف أزيز رصاصه وهدير طائراته – محل بحث وتأمل واستقراء من المجتمع الدولي الذي يقف اليوم مشجعا أو متغاضيا عن جرائم دول العدوان، لكن في الغد القريب سيصبح هذا العدوان بكل جرائمه ورقة ضغط وابتزاز لمن قاموا به وكرت مساومة لمزيد من الاستلاب، فيما سيبقى في الذاكرة الجمعية اليمنية جرحا مؤلما يصعب نسيانه .
وعليه.. فإنه أيا كانت نتائج هذه الحرب العدوانية فإن جرحها الغائر سيبقى منحوتا في وجدان وذاكرة الشعب اليمني ويؤسس في الذاكرة الجمعية اليمنية كل المبررات الذاتية والموضوعية لمنازلة أخرى قد تأتي في قادم الزمن على قاعدة (لا تموت العرب إلا متوافية )، فالشعب اليمني الذي يواجه هذا العدوان منذ سبع سنوات لن ينسى معاناته وما لحق بوطنه من دمار وخراب ولحق الشعب من قتل وتشرد ونزوح وحصار وتجويع؛ معاناة يستحيل نسيانها وسوف توثق هذه الملحمة للأجيال القادمة ليكونوا على علم ودراية بمن استباح دماءهم وسيادتهم وكرامتهم ودمّر وطنهم بذرائع ومبررات زائفة ليس لها صلة بكل ما يقال عبر أبواق العدوان ومرتزقته .
فالشعب اليمني لن يغفر ولن ينسى جرائم أسرة آل سعود ونظامها بحقه وحق سيادته وحق رموزه الوطنية الذين دفعوا ثمنا باهظا خلال المسيرة الوطنية اليمنية والسبب جارة السوء وإصرارها على تركيع وتطويع إرادة الشعب اليمني، فهذه الجارة وبعدما كانت تتسول من الشعب اليمني قوتها اليومي وكانت اليمن بخيراتها وكرمها مصدرا لحياة بدو وقبائل الجزيرة، وبعد أن مَنَّ الله عليهم بالخيرات وجادة بطون الصحراء لهم بالرزق الذي لم يتعاملوا معه كخير يستحق منهم التعقل والتعامل بقيم وأخلاقيات مع جيرانهم وأمتهم؛ فقد دفعهم إحساسهم بالنقص والدونية إلى التعالي والغطرسة والغرور حد المجون بحق جيرانهم وفي المقدمة اليمن وبحق كل أمتهم، مستندين بكل هذا على رعاية ودعم أعداء الأمة الذين ينهبون خيرات هذه الدول ويتحكمون بكل مساراتها وحياتها ليس السياسية وحسب بل والاجتماعية؛ لدرجة أن لجنة بريطانية _ أمريكية تتجدد كل أربع سنوات ومكونة من 12 شخصا ينتمون لجهازي المخابرات البريطانية والأمريكية يرابطون في العاصمة (الرياض) مهمتهم حل خلافات الأسرة الحاكمة والتحكم بحياتهم ؛ فيما دولة مثل البحرين يتواجد في كل إدارة مدنية أو أمنية وعسكرية (مستشار بريطاني) مهمته التحكم في كل صغيرة وكبيرة تدار داخل هذه المرافق، والأمر لا يختلف عن بقية المحميات الخليجية المرتهنة بالمطلق لإرادة أعداء الأمة ولهذا تمارس هذه الأنظمة منذ نشأتها أعمالا عدائية بحق الأمة الأمر الذي أكسبها الكثير من المقت والكراهية من قبل الشعوب العربية وفي المقدمة الشعب اليمني الذي لن يغفر جرائم أسرة آل سعود التي ارتكبت بحقه أبشع الجرائم.
لقد اتخذ نظام آل سعود من الثروة وسيلة لتركيع الشعوب العربية وخاصة الشعب اليمني وعمل على شراء الذمم واستقطاب الوجهاء وشيوخ القبائل ليكونوا له بمثابة حصان طروادة ويمكن التوقف والتأمل في الدعم الذي قدمه النظام السعودي لليمن منذ رزقهم الله بالنفط والثروة، فسنجد أن ما قدمه هذا النظام للشعب اليمني بصفة رسمية لا يتجاوز ما نسبته 5% من الدعم الذي قدمه لرموز ووجهاء وشيوخ وشخصيات يمنية عبر اللجنة الخاصة سيئة الصيت .
لقد قتل هذا النظام الآلاف من أبناء اليمن منذ 1962م وحتى اليوم وفي زمن الثورة والتشطير كان هذا النظام وراء كل الجرائم التي ارتكبت بحق رموزنا الوطنية ووراء كل الحروب التي قامت بين أبناء الشعب في زمن التشطير وهو الذي أفسد الحياة السياسية اليمنية والتعليم والحياة الاجتماعية ودمر الكثير من القيم والأخلاقيات اليمنية لدرجة أن بعض المحسوبين على هذا الوطن والشعب هرولوا لحضنه والاستغاثة به وكأن التاريخ يعيد نفسه ؛ إذ وعند قيام الثورة اليمنية في شطري الوطن هرول إليه البعض من مرتزقته من الشمال والجنوب؛ وسقط خلال تلك الأحداث مئات الآلاف من أبناء الشعب اليمني؛ ومع تطور الحياة والتحولات الحضارية حدث اليوم ما يشبه ما حدث البارحة ولكن بصورة عكسية والسبب هو المال القذر الذي سخره النظام السعودي لتدمير الأمة؛ بدليل ما يحدث في لبنان، وسوريا وفلسطين المحتلة وفي ليبيا وحتى في مصر والمغرب وموريتانيا، ناهيكم عما يحدث في بعض الدول الإسلامية التي وصلها المال السعودي وارتهنت له.
إن النظام السعودي تحديدا هو (لعنة على الأمة) ونقمة على استقرارها وتطورها ووحدتها وعلى كل قيمها وأخلاقياتها الدينية والحضارية وبالتالي ليس هناك ما يردع هكذا أنظمة وظيفية سوى التعامل الندي والردع والقوة، ودون هذا لن يكون من السهل التعايش مع هذا النظام الذي حين تعالت الأصوات اليمنية قبل قيام الوحدة بضرورة توحيد التعليم وإلغاء المعاهد العلمية التي فُرضت من قبله، طالب -وبكل وقاحة- بإلغاء خدمة الدفاع الوطني التي كان معمولا بها مقابل إلغاء المعاهد وتسليم مرتبات الجيش.. كما فرضت من خلال مبادرتها الخليجية هيكلة الجيش وتجريده من الأسلحة الهجومية وتأسيس جيش يمني يكون بمثابة (سيكوريتي)، أي مجرد حُراس منشأة وحُراس حدود يحمون الحدود السعودية وحسب .
لكل ما سلف فإن أكبر غلطة غير محسوبة ارتكبها نظام آل سعود ومن تحالف معه، هو العدوان على اليمن الذي لا يمكن أن يُمحى من ذاكرة شعب وسيرة وطن، فيما حُراس هذه الأنظمة من الصهاينة والأمريكان لن يفيدوا هذا النظام ولن يتمكنوا من البقاء حُراسا له مدى الدهر.. فأمريكا ذاتها تتجه إلى التقهقر والتراجع ولم تعد اليوم هي سيدة العالم بل هناك أسياد جدد للعالم يتحلون بقدر من القيم التي افتقدتها أمريكا وكانت سبب تقهقرها وتراجعها، فيما الصهاينة حتما زائلين فقد زالت وتراجعت أعتى الإمبراطوريات الاستعمارية ولن يكون الكيان الصهيوني استثناء عن هذه الإمبراطوريات .
إن الأنظمة الحضارية المتسلحة بقوة القيم -لا بقوة السلاح- هي الوحيدة القابلة للديمومة ومن كان على شاكلة النظام السعودي فهو حتما زائل مهما توهم قدرته على البقاء والمناورة وشراء الذمم والمواقف والإنفاق بسخاء على مرتزقته وأتباعه.

قد يعجبك ايضا