كيف أصبحت جغرافية مكشوفة لا يمكنها رد أي تهديد أو استهداف
“إعصار اليمن” يكشف واقع الإمارات ويُدخلها في نفق مظلم
الحسابات الخاطئة للإمارات ومراهنتها على أمريكا وإسرائيل أصابتها في مقتل
الثورة / وديع العبسي
كواحدة من الإجراءات النادرة للجيش الأمريكي، كانت واحدة من المظاهر المخزية التي كشف عنها “إعصار اليمن”، هو الفرار للقوات الأمريكي في قاعدة “الظفرة” ولجوئها للمخابئ من أجل الاحتماء.
حدث هذا فيما تعد هذه القوات ومعها القوات الفرنسية واحدة من مرتكزات الحماية التي راهنت عليها الإمارات، إلى جانب توجهها إلى الكشف عن حقيقة علاقتها مع الكيان الصهيوني.
اليوم، وبعد أن كسرت القوات المسلحة عزلة الإمارات عن الاستهداف ووصلت إلى عمقها بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، تتأزم نفسية الدويلة ويتعاظم شعورها بالعجز بعد السنة الأولى تطبيع، إذ أظهر التقارب مع الكيان الصهيوني أو ما كان يُزعم بأنها أقوى قوة في الشرق الأوسط إسرائيل، عدم فاعليته لجهة خلق رادع نفسي لمن يفكر في شن الهجمات على الإمارات والسعودية، وأنه -التطبيع- لم يضف شيئا إلى منظومة الحماية لهاتين الدولتين اللتين تقودان عدوانا على اليمن منذ سبع سنوات، فنجحت الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة في الوصول إلى عمق الدولتين، بل وضرب عناصر القوة فيهما.
هذا التقارب إذن لم يكن على مستوى طموح الإمارات والسعودية بأن يمثل حماية وعاملاً وقائياً ضد أي هجمات محتملة، لم يحقق الجدوى منه، وقد عزز هذه الحقيقة، مخاوف الكيان الذي لم يخفها من إمكانية وصول السلاح اليمني إلى حيث يتواجد في الأرض العربية المحتلة، خصوصا بعد نجاح القوات المسلحة بقوتها الصاروخية وطيرانها المسيّر في إحراز عنصر المفاجأة.
نجاح القوات المسلحة اليمنية في تنفيذ ثلاث عمليات استراتيجية وعلى أهداف استراتيجية في العمق الإماراتي، من الطبيعي أن تدفع للتأمل في حقيقة القوة الدفاعية لهذه الدولة، والسياسة التي اعتمدتها للدفاع عن أرضها وأجوائها.
الدول بطبيعة الحال تحرص منذ بدء تكوينها على التسلح بأدوات الدفاع عن النفس عند الهجوم، وتضطر في غالب الأحيان على اجتزاء قسم كبير من موازنة الدولة لهذا الغرض ولو على حساب معيشة الناس، على الأقل عند تأسيس اللبنات الأولى لهذه القوة، يتزامن ذلك مع، التأهيل العالي للعنصر البشري الذي سيناط به مهمة استخدام هذه القوة، فكيف ونحن نتحدث عن دولة امتلكت الثروة الهائلة التي تؤهلها لاقتناء أعتى وأحدث وأدق أنوع السلاح؟!
الرهان الخاسر
كانت الإمارات دائما بعيدة عن الدخول في صدامات عسكرية، ونزعتها المدنية واهتمامها بالتجارة والسياحة أظهر أن منهجيتها الدفاعية اعتمدت فقط على الإيحاء النفسي للآخر بأنها تمتلك من السلاح ما يمكن أن يمثل رادعا لأي تفكير بشن هجمات عليها، إلى جانب العلاقة القوية مع أمريكا وإسرائيل، إلا أن هذه الحسبة الخاطئة جلبت ما هو نقيض ذلك، فكان التأثير النفسي لوصول الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية إلى صحنها أكثر عمقا لدى الإماراتيين من التأثير العسكري، ومعلوم ان الإمارات هي أول عميل دولي يشتري منظومة “ثاد” الدفاعية، إذ كانت أبرمت مع شركة “لوكهيد مارتن” عقدًا لبناء ثاد في عام 2011م، وقد اشترت هذه المنظومة الدفاعية بعديد المليارات، مع ذلك فشلت في رد الهجمات عليها.
وبالنظر إلى أن منظومة الحماية ومنظومة الدفاع المعتمدة في منهجية الإمارات العسكرية قامت إلى جانب منظومة (ثاد)، الكرت الأول الذي احترق، على:
– الترحيب بتواجد قوات أمريكية وفرنسية على أرضها، اتخذت من قاعدة (الظفرة) العسكرية مقرا لها فكانت ضمن أهداف “إعصار اليمن” الثانية، سنجد هنا كيف أن القيادة المركزية الأمريكية قد أجبرت عناصر الخدمة الأمريكية في الظفرة على دخول مخابئهم في “حالة تأهب قصوى” كما أوضحت ذلك القيادة المركزية.
كما سنجد أيضا -لاحقا- أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت أن الإمارات تعد بلداً غير آمن، بعد الهجمات التي تعرضت لها البلاد من قبل اليمن بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
وأعلن مكتب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية في بيان رسمي حينها، تحذيراً للمواطنين الأمريكيين في الداخل والخارج من السفر إلى الإمارات، بسبب ما وصفه البيان بـ”خطر الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار”.
واعتبر مراقبون التحذير العلني لواشنطن، تأكيداً على عدم ثقة الولايات المتحدة في الإمارات ودفاعاتها الجوية الأمريكية، ومثّل هذا الأمر كشفُ لحقيقة تأثير التواجد العسكري الأمريكي، وحرق لأحد الكروت التي راهنت عليها الإمارات.
– الأمر الثاني، هو التعاون العسكري مع الكيان الصهيوني في سياق عملية التطبيع، إلا أننا شهدنا في السياق، التحركات النشطة والمتوترة للدفاع الصهيوني إثر وصول المقذوفات اليمنية إلى أبو ظبي ودبي، للاستفادة من أخطاء حليفته الإمارات في رد الهجمات خصوصا وأنهما يتشاركان تقريبا في نفس النوعيات من المنظومات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية.
وحسب موقع “المونيتور” الأمريكي، لفت جنرالٌ رفيعٌ في جيش الاحتلال إلى أنّه نتيجة للتقليص في الجيش والميزانيات، فإنّ السواد الأكبر من هذا الجيش غير مؤهل للحرب بسبب نقص التدريب وسوء صيانة الأسلحة في مخازن الطوارئ وإقالة الآلاف من جنود الخدمة الدائمة وفقدان القدرة المهنية للجنود والقادة، خاصة في منظومة الاحتياط.
ونوّه بأنّ صواريخ (حيتس) التابعة للجيش الإسرائيليّ، والقادرة على اعتراض الصواريخ المعادية، مخزونها صغير جدًا ولا تكفي إلّا لأيّامٍ معدودةٍ من القتال، وأوضح أنّ تكلفة الصاروخ الواحد 3 ملايين دولار، معتبرًا أنّ الكيان الإسرائيلي لا يملك القدرة الاقتصاديّة لحيازة مخزونٍ كبيرٍ، وينطبق الأمر ذاته على صواريخ (القبة الحديديّة) التي يكلف كل صاروخ منها حوالي مائة ألف دولارٍ.. من هنا يحترق كرت آخر كانت تعول عليه الإمارات في صنع الهيبة الرادعة.
– استسلام الإمارات إلى حقيقة عجزها عن فعل شيء إزاء الهجمات، وقد ترجمتها بإعلانها تأجيل فعاليات معرض اكسبو دبي التي كان مقرراً إقامتها خلال الفترة المقبلة لظروف غير متوقعة، وفقا لما جاء في الإعلان عبر صفحة المعرض الرسمية، فيما يجيء هذا الإجراء عقب تلميح لمتحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع بإمكانية استهداف المعرض بتوجيهه النصيحة بالابتعاد عنه.
– وإذا أضفنا إلى ذلك، وعلى نحو مستقل، هذه التلميحات لقيادات عسكرية وسياسية بإمكانية استهداف مناطق حساسة جدا في الإمارات مثل برج خليفة، ومعرض إكسبو، وكذا تحذيرات العميد يحيى سريع للشركات والمستثمرين الأجانب بـ “أنّ الإمارات لم تعد أرضا آمنة”، وهي مسألة تنم عن الثقة من واقع علم بقدرات العدو، تصير الإمارات بكل ما سلف، أضعف من أي وقت مضى، وجغرافية مكشوفة لا يمكنها رد أي تهديد أو استهداف، وقد أدرجت القوات المسلحة العشرات من الأهداف العسكرية والاقتصادية الإماراتية الجديدة ضمن بنك أهدافها.
حقيقة متواترة
قبل عامين خلص خبراء أمريكيون وهم (إيان ويليامز وشان شيخ) إلى تمكّن اليمنيين من نشر ترسانة متنوعة من الصواريخ الباليستية والصواريخ كروز والطائرات بدون طيار على الرغم من افتقارهم إلى قاعدة سياسية مستقرة أو قدرة صناعية كبيرة. واعتبر المحللون في تقريرهم أن اليمنيين “نجحوا في استخدام القوة الصاروخية كأداة دعائية قيّمة وكجزء من استراتيجية متكاملة لزيادة التكاليف وإرهاق القدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية للعدو.”
وهذه الحقيقة المتواترة باتت تدركها الإمارات ولذلك فإنها على قناعة بأنها باتت اليوم أمام خيارات مؤلمة:
– الخيار الأول، أن تفعل من ترسانتها الدفاعية وتفجر الطاقات النارية في تصادمها مع المقذوفات الغازية في سماء البلاد قبل أن تحط على أرضها، الأمر الذي سيراه ويشعر به الجميع.
– الخيار الثاني، أن تخضع لهذه المقذوفات حتى لا يشعر بها أحد ثم لملمة آثار الانفجارات إن استطاعت، والإيعاز لأدواتها الإعلامية بتبني صيغة مفبركة معينة تخفف عنها الحرج.
وفي كلا الخيارين السابقين، ستتعرض الإمارات للخسارة الأكيدة، فرؤوس الأموال ستكون أمام حقيقة أكيدة، بأنها باتت في بلد غير مؤهل للاستثمار، وبالتالي لن تغامر بمستقبلها في بلد لم يعد آمنا لتنمية ثرواتهم وتجارتهم.
– أما الخيار الثالث، أن تنسحب فعليا من ورطتها في الحرب على اليمن، وفي هذه الحالة عليها تحمل تبعات موقفها على علاقتها مع السعودية، لكنها ستستفيد من ذلك:
* ضمان توقف الهجمات عليها.
* استعادة بيئة الاستثمار لرؤوس الأموال الأجنبية.
* التأكيد على تطبيع العلاقة مع إيران التي بدأتها مؤخرا، وإيران هي رأس حربة محور المقاومة التي يعد اليمن أحد مكوناتها.
اعتبر مركز «ستراتفور» الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية، أن الهجمات على الإمارات قد تؤدي إلى سلسلة من الضربات التي ستقوّض سمعة البلاد كمركز تجاري آمن، لافتاً إلى أن الإماراتيين يخشون من إثارة مواجهة عسكرية قد تخيف السائحين والشركات والمستثمرين، وهي ركائز أساسية لاستراتيجية الدولة للتنمية الاقتصادية.
تقول “فايننشال تايمز” في تقرير “كشف الهجوم ضعف الأمة (الإمارات)، التي تدافع عن نفسها على أنها واحة للاستقرار في منطقة مضطربة، أمام هجوم الحوثيين، بالرغم من أنظمتها الدفاعية الحديثة التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات”.
وقال جاك إيه. كنيدي رئيس قسم مخاطر دول الشرق الأوسط لدى آي.إتش.إس ماركت عقب عملية “إعصار اليمن” الأولى، إن “هجمات الحوثيين التي تستهدف الإمارات والسعودية ستستمر على الأرجح خلال عام 2022م، إذ أن من المرجح أن يزداد القتال حدة… في مارب باليمن”.
فيما أكدت وكالة “فرانس برس” في تقرير لها أن الطائرات المسيرة باتت تهديدا للإمارات التي استهدفها الحوثيون مرتين خلال الأسبوعين الماضيين، “حسب تعبيرها”.
وقال الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد، جيمس روجرز: “يجد الإماراتيون والسعوديون صعوبة في صد هذه الهجمات.. من المعروف أنه من الصعب التصدي لهجمات طائرات دون طيار وصواريخ، خصوصا عندما يجرى استخدامها في إطار تكتيك السرب، إذ يجرى إطلاق العديد من الأسلحة في الوقت ذاته لمحاولة الإفلات من الدفاعات الموجودة”.
وحسب روجرز، فإن هجمات بالطائرات المسيرة وصواريخ متوسطة المدى “على ارتفاع منخفض وسرعة منخفضة، ولهذا من الصعب على الرادار التقليدي اكتشافها”.
من هذه الخلاصات لمنصات محايدة، يتأكد الوضع المنكشف الذي باتت عليه الإمارات، كما تؤكد أن العمل وفق حسابات خاطئة، من الطبيعي أن يقود إلى مثل هكذا نتائج، ويصير على الإمارات الخاسرة في كل الأحوال أن تختار الأخف ضررا.