موقف الشريعة الإسلامية من التأمينات الاجتماعية(الحلقة الأولى)

أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين*

المبحث الأول: ماهية التأمينات الاجتماعية:
التأمينات الاجتماعية من نظم الحماية الاجتماعية التى تتولاها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بموجب قانون التأمينات الاجتماعية وتعديلاته ولوائحه عن طريق فرض وتحصيل اشتراكات محددة على العمال وأصحاب الأعمال وتعويضهم في صورة معاش تقاعدي شهري حينما يحالون إلى التعاقد أو يصيبهم عجز عن العمل أو الصرف لذويهم بعد وفاتهم.
ولكى نبيِّن الموقف الشرعي من نظام التأمينات الاجتماعية فإنه يلزم أولا التعريف بالتأمينات الاجتماعية وخصائصها ومزاياها، لأن الحكم الشرعي على الشيء فرع عن تصوره، ولذلك سنشير في هذا المبحث إلى مفهوم التأمينات الاجتماعية وخصائصها ومزاياها ، وذلك على النحو الآتي :

أولا: تعريف التأمينات الاجتماعية:
توجد تعاريف عدة للتأمينات الاجتماعية نختار منها تعريف أن: “التأمينات الاجتماعية نظام إجباري يلتزم من خلاله الأفراد العاملون وأصحاب الأعمال بدفع أقساط دورية للجهة الحكومية التي تدير المال المتجمع من هذه الأقساط باستثماره ودفع دخل شهري حينما يتوقف العامل عن العمل إما لعجزه أو بلوغه سن التقاعد أو دفع تكاليف علاجه أو الدفع لمن يعولهم بعد وفاته، كما تلتزم الدولة بمقتضى هذا النظام بتقديم الإعانات اللازمة لمؤسسة التأمينات لتغطية العجز الذي قد يحدث إذا لم تف الأقساط المدفوعة من العامل وصاحب العمل بالمستحقات المقررة في القانون ، ومن المعلوم أن الجهة الحكومية المختصة قانونا في اليمن بنظام التأمينات الاجتماعية هي المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.

ثانيا: خصائص التأمينات الاجتماعية:
من خلال إمعان النظر في التعريف السابق للتأمينات الاجتماعية نجد أن لهذا النظام خصائص كثيرة، من أهمها الآتي :
1 – التأمينات الاجتماعية وفقا للقانون نظام إجباري ملزم للعمال وأصحاب الأعمال بالاشتراك فيه وسداد الأقساط المحددة في قانون التأمينات الاجتماعية حسبما هو مقرر في المادة(9 ) من قانون التأمينات الاجتماعية التي نصت على أن(يكون التأمين في المؤسسة إلزاميا بالنسبة لأصحاب الأعمال والعمال الذين تسري عليهم أحكام هذا القانون )، ومع أن الأصل أن نظام التأمينات الاجتماعية نظام إجباري حسبما سبق بيانه، إلا أنه بالنسبة لبعض الفئات اختياريا كما هو الحال بالنسبة للعاملين لحساب أنفسهم والبحارة والصيادين في شركات الصيد والعاملين المؤقتين في الزراعة والرعي حسبما هو مبين في المادة(6 )من قانون التأمينات الاجتماعية.
2 -أساس نظام التأمينات الاجتماعية هو قانون التأمينات الاجتماعية الذي يفرضه على أصحاب العمل والعمال على سبيل الوجوب والاجبار، في حين أن التأمين التجاري لدى شركات التأمين يكون أساسه عقد التأمين المبرم في ما بين المؤمن وشركة التأمين، وهنا يظهر الفرق بين التأمينات الاجتماعية والتأمين التجاري.
3 – التأمينات الاجتماعية نظام تعاوني تكافلي اجتماعي، حيث يظهر ذلك في أن العمال وأصحاب العمل يشتركون في دفع الأقساط التأمينية، كما أن الدولة تساهم في هذا النظام في صورة الإعانات التي تدفعها لصناديق التأمينات الاجتماعية لمواجهة الزيادات التي تتقرر في المعاشات لمواجهة التضخم وزيادة أعباء الحياة على مستحقي التأمين، فالعمال وأصحاب الأعمال والدولة يتعاونون ويتكافلون جميعا في سبيل تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية.
4 – يفرض قانون التأمينات الاجتماعية على العامل المؤمن عليه دفع جزء من قسط التأمين وبذلك يختلف نظام التأمينات الاجتماعية عن نظام الضمان الاجتماعي الذي لا يوجب على المواطن الذى يحصل على الضمان دفع أي اشتراك للحصول على الضمان الاجتماعي.
5 – نظام التأمينات الاجتماعية يشمل جميع العاملين وأصحاب الأعمال وفقا للأحكام والضوابط المقررة في القانون ،ولذلك فإن نظام التأمينات الاجتماعية يختلف عن التأمين التجاري الذي يقتصر نطاقه على الشركة المؤمنة والمتعاقد معها المؤمن عليه أو المستفيد من عقد التأمين.
6 -الفائض التأميني وعائد استثمار متحصلات التأمينات الاجتماعية يكون لصالح المؤمن عليهم العمال ولا يشاركهم فيه غيرهم، بخلاف التأمين لدى شركات التأمين التجارية حيث يكون هذا الفائض ربحا لشركة التأمين وحدها، وهنا يظهر فرق آخر بين التأمينات الاجتماعية والتأمين التجاري .
7 – الجهة الحكومية المختصة قانونا( المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية )هي التي تتولى إدارة التأمينات الاجتماعية نيابة عن الدولة، فالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هي الجهة التي أناط بها القانون متابعة أصحاب العمل المتخلفين عن تطبيق القانون ، كما أن هذه المؤسسة هي المعنية بتحصيل الاشتراكات واستثمارها وصرف المعاشات والتعويضات للمستحقين، والخلاصة ان المؤسسة هي المختصة والمسؤولة عن تنفيذ وتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية جملة وتفصيلا، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية باعتبارها جهة حكومية فإنها لا تستهدف الربح بخلاف شركات التأمين التي يكون هدفها أساسا تحقيق الربح، فهدف المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هو تحقيق أهداف قانون التأمينات الاجتماعية المذكورة في المادة(4 ) التي نصت على أن هذا القانون يهدف إلى تحقيق ما يلي:
1 -تقديم الخدمات التأمينية والمنافع المناسبة وتسهيل إجراءات الحصول عليها وتنظيم صرفها وإيصالها إلى المستحقين.
2 -المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتحقيق النفع العام الذي يركز على الاهتمام بالإنسان كونه أداة التنمية وأساسها.
3 -توفير الحماية الاجتماعية للفئات المشمولة بأحكام هذا القانون.
4 -المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال التوجيه السليم للفوائض المالية في مجال الاستثمار، بما يحقق الحفاظ على القيمة الحقيقية للأموال المستثمرة وتنميتها باستمرار، بما يخدم المؤمن عليهم ويساعد على تحسين مستوى معيشتهم)، وعلى هذا الأساس يظهر الفرق جليا بين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وبين شركات التأمين التجارية وذلك من حيث اختلاف أهدافهما.

ثالثا: مزايا التأمينات الاجتماعية:
للتأمينات الاجتماعية مزايا كثيرة من أهمها ما يلي :
1 – ضمان استمرار الدخل للمشترك في التأمين عندما يقل الدخل أو ينقطع للعجز أو الشيخوخة أو الوفاة وتوفير تكاليف العلاج أثناء المرض مما يؤدي إلى توفير الأمن الاقتصادي للإنسان في مستقبل حياته أو لذويه بعد وفاته مما يجعله مطمئنا وينصرف إلى عمله بجدية وكفاءة.
2 – تحقيق التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع باعتبار ذلك قيمة عالية تعمل على تماسك المجتمع واستقراره.
3 – إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع، لأن المشترك يدفع مبالغ قليلة ويحصل على مزايا متعددة.
4 – توفير المدخرات اللازمة للاستثمار في المجتمع، إذ لو ترك الأمر بدون تأمينات اجتماعية إجبارية فسوف تقل مدخرات الأفراد.
5 – تدعيم قدرة الدولة اقتصاديا عن طريق استثمار الفائض التأميني في المشروعات المختلفة.
6 – الإسهام في سد عجز الموازنة العامة للدولة من خلال اقتراضها لبعض أموال التأمينات الاجتماعية.
7 – استمرار الدخل للمواطنين بعد التقاعد يوفر لهم قوة شرائية تساهم في تنشيط حركة السوق ومواجهة الركود.
* الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء – نائب العميد للشؤون الأكاديمية.

قد يعجبك ايضا