لم يشكل استهداف القوات المسلحة اليمنية لمنطقة «مصفح» الصناعية ومطار العاصمة الإماراتية أبوظبي في عملية «إعصار اليمن الأولى» تهديداً لدويلة الإمارات وأمن منشآتها الحيوية فقط، بل إن للحدث تداعيات اقتصادية أوسع من ذلك بكثير في عملية «إعصار اليمن الثانية» التي نفذتها القوات المسلحة أمس الأثنين -حسب المحللين والخبراء- فالاقتصاد الإماراتي أصبح يعتمد كثيراً على الاستثمارات الأجنبية وحركة السياحة واستضافة الفعاليات الدولية، وهذه القطاعات جميعها تعاني من حساسية مفرطة إزاء أي مخاطر مهما كانت محدودة، وقد تغادر البلاد بصورة سريعة في حال كانت هناك احتمالات ولو ضئيلة بتكرار الهجمات اليمنية لا سيما بعد الإنذار الذي وجهته القوات المسلحة اليمنية على لسان المتحدث الرسمي العميد يحيى سريع بتحذير الشركات والمستثمرين بأن الإمارات لم تعد دولة آمنة.
الثورة / أحمد المالكي
انخفض مؤشر دبي المالي إلى 1.4 % مع تراجع 17 سهماً بعد ساعات من تنفيذ عملية «إعصار اليمن الثانية» التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية أمس الاثنين، وجاء أداء السوق مع تراجع سهم سوق دبي بنسبة 1.16 % فيما هبط مؤشر إعمار العقارية إلى 1.44 % وانخفظ مؤشر دبي الإسلامي بنسبة 4.02 % فيما تراجع مؤشر ديار للتطوير إلى نسبة 1.26 % بينما هبط مؤشر دبي للاستثمار بنسبة 1.39 %، فيما استهلت عقود النفط الآجلة بارتفاع كبير.
وأشارت وكالة بولمبيرغ للأنباء إلى أن سعر خام برنت القياسي ارتفع إلى نحو 89 دولاراً للبرميل مقترباً من حاجز الـ 90 دولاراً لبرميل النفط الواحد.
ويؤكد المهتمون وخبراء الاقتصاد أن استهداف خزانات «أدنوك» ومطار أبوظبي لم يكن «محدود التأثير» بل إن الضربة هي اقتصادية بالمقام الأول، وقالوا إن الكثيرين يعتقدون أن اقتصاد الإمارات قائم على القطاع النفطي فقط، لكنه وبعد مراجعة عوائد الناتج المحلي للإمارات عام 2020م وجد أن الإمارات تعتمد على قرابه17 % من الناتج المحلي على القطاع النفطي في حين تمثل قطاعات السياحة والنقل والمواصلات أكثر من 22 % من الناتج المحلي في حين تمثل التجارة قرابة 28 %.
وأشار الخبراء إلى أن حكومة الإمارات نجحت في التفوق على دول كمصر ذات الموقع المتميز على خطوط النقل والمواقع السياحية لتتفرد بالمركز الأول في المنطقة في مجال النقل والسياحة حيث يزور الإمارات سنويا أكثر من مليوني سائح وتتواجد أكثر من 56 % من الاستثمارات الدولية في مجال النقل بدولة الإمارات.
ولم تصل الإمارات لهذه الأرقام إلا بعد أن تمكنت من تحقيق مستوى أمني في البلاد ونجاحها في نقل صورة للعالم، إذ أن دبي وأبوظبي أكثر أماكن العالم أمناً وأماناً للاستثمار والسياحة وهي الأجدر والأصلح أن تكون مركزاً للتجارة العالمية وقبلة للسياحة ومركزاً للنقل في المنطقة.
ايكاد 3
وأكد الخبراء أن اختيار صهاريج أدنوك في منطقة ايكاد-3 ومطار أبوظبي من قبل القوات المسلحة اليمنية لم يكن اختياراً اعتباطياً أو وليد اللحظة، بل كان بمثابة هزة زلزالية لقطاعات النفط والنقل والسياحة، كون استهداف خزانات وصهاريج أكبر شركات النفط الإماراتية «أدنوك» قد يرفع أسعار الخام بشكل مؤقت ولكنه يهز صورة الاستقرار للقطاع النفطي في الإمارات على المدى البعيد ويجعل المستثمرين يفكرون عدة مرات قبل الاستثمار في هذا المجال مرة أخرى.
ولفت المهتمون وخبراء الاقتصاد إلى أن اختيار مطار أبوظبي يعتبر ضربة لمجال النقل كونه يعتبر ثاني أكبر مطار استقبالا للمسافرين في المنطقة حيث يستقبل سنويا 1.1 مليون مسافر وأن هذا الرقم سيتأثر كثيرا وينخفض لأن شركات النقل ستعيد التفكير في سلامة المسافرين والبحث عن محطات أخرى بديلة عن أبوظبي بعد الضربات.
وقالوا: إن الطيران المسيّر والصواريخ اليمنية أثبتت قدرتها على الوصول لأبوظبي على بعد قرابة 2000 كيلومتر من اليمن واستطاعت إلحاق أضرار اقتصادية كبيرة جدا بها، وإن استمرار التصعيد بين صنعاء وأبوظبي سيجعل قطاع النفط والنقل هدفا مباشرا، وأن هناك احتمالات كبيرة لاستهداف حقول فلاح والفاتح وسهل أبو حصاة النفطية في إمارتي دبي وأبوظبي ومنصات أدنوك والرويس للتصدير وكذلك مطارات أبوظبي ودبي والشارقة.
وقد تصل دائرة الاستهداف نحو القطاع التجاري والى موانئ الشارقة وجبل علي في دبي وبذلك تستطيع أن تلحق ضرراً بالغاً باقتصاد الإمارات ما سيدفع الشركات الاستثمارية إلى العزوف عن الاستثمار في قطاعات النفط والنقل والسياحة والتجارة في الإمارات.
وإذا تطرقنا بإيجاز عن منطقة “مصفح” المستهدفة فهي تقع بالقرب من ضواحي مدينة أبوظبي والبر الرئيسي، وهي المنطقة الصناعية الرئيسية في الإمارة، حيث تضم العديد من الشركات الصناعية وشركات السيارات.
وتوسعت المنطقة تدريجياً، وتم افتتاح العديد من الشركات فيها، وذلك بعد بناء جسر مصفح المكون من 6 خطوط بطول 480 متراً في التسعينيات، وتحتضن المنطقة ثاني أقدم ميناء في دولة الإمارات (ميناء مصفح)، الذي يعد من أشهر المناطق التجارية فيها، كما تعد محط جذب التجار لضمها كبرى مراكز التسوق.
إغلاق
ووفقا للتقارير فإن أولى تداعيات هذا الهجوم على اقتصاد الإمارات تمثل في إغلاق مؤشر سوق أبوظبي للأسهم منخفضاً بعدما تخلى عن مكاسبه الأولية، وكان المؤشر الرئيسي للأسهم في بورصة أبوظبي صعد بما يصل إلى 0.3 % في التعاملات المبكرة، ليغلق على انخفاض وصل إلى 0.1 % بعد الأنباء عن انفجار وحريق من جراء هجمات اليمن.
ووفقا لخبراء الاقتصاد ينتظر الإمارات خسائر هائلة في حال تكرار الهجمات، خاصة على صعيد الاستثمارات الأجنبية؛ فأصحاب رؤوس الأموال عادة ما يبحثون عن المناطق الأكثر أمناً حول العالم لضخ أموالهم فيها ويهربون فور حدوث أي توتر قد يؤثر على استثماراتهم.
وبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في الإمارات، حسب أحدث الإحصائيات الرسمية، نحو 174 مليار دولار، يتركز معظمها في قطاعات النفط والغاز والاقتصاد الرقمي والعقارات والطاقة المتجددة والزراعة والابتكار والتكنولوجيا، وحلت دويلة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً وإقليمياً والـ15 عالمياً من حيث قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، بحسب نتائج تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي للعام 2021م الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد”، متقدمة 9 مراكز عن ترتيبها في تقرير العام 2020م.
وأوضح التقرير أن دولة الإمارات جذبت استثمارات أجنبية مباشرة في العام 2020م تصل قيمتها إلى 19.9 مليار دولار أمريكي بنسبة نمو 11.24 % عن العام 2019م، لتتصدر المرتبة الأولى عربياً مستحوذة على 49 % من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى مجموعة الدول العربية.
كما احتلت الإمارات المرتبة الأولى على مستوى غرب آسيا مستحوذة على ما نسبته 54.4% من إجمالي التدفقات الواردة إلى هذه المنطقة البالغة 36.5 مليار دولار، وحصدت المرتبة الأولى أيضاً على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستحوذة على نحو 40.2 % من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى هذه المنطقة والبالغة 49.4 مليار دولار.
وإضافة إلى التهديد الذي يواجه هذه الأرقام القياسية حال توسع هجمات الجيش اليمني فإن قطاع السياحة كذلك يواجه ذات التهديد.
وتفوقت الإمارات على أبرز 10 وجهات سياحية في العالم خلال النصف الأول من2021م، مسجلة نسبة إشغال في المنشآت الفندقية والسياحية 62 %. وقالت صحيفة البيان المحلية، نهاية العام الماضي، إن الإمارات تفوقت على الصين التي حققت إشغالاً نسبته 54 %، والولايات المتحدة 45 %، والمكسيك 38 % والمملكة المتحدة 37 %، وتركيا التي بلغت نسبة الإشغال الفندقي والسياحي فيها خلال تلك الفترة 36 %. وخلال النصف الأول من العام 2021م، حققت المنشآت الفندقية والسياحية في الإمارات نمواً نسبته 15 %، مستقطبة 8.3 مليون سائح.
ووصلت عائدات المنشآت الفندقية خلال النصف الأول من 2021م إلى 11.3 مليار درهم (ما يزيد على 3 مليارات دولار)، محققة نمواً نسبته 31 %، حسب الصحيفة ذاتها.
دولة الرفاهية
ويقول المحللون الاقتصاديون: إن “الاستهداف اليمني لعاصمة الإمارات فيه الكثير من التداعيات الاقتصادية والأمنية”، وستكون كبيرة إذا ما تبين أن حجم الهجوم كان كبيراً، أو إذا ما تبين أن هناك تقصيراً في رصد الهجوم والتصدي له، أو إذا كانت هناك هجمات إضافية خلال الفترة المقبلة”.
وتابعوا: “صورة دولة الإمارات وسمعتها باعتبارها دولة رفاهية عالية واقتصاد وخدمات رفيعة المستوى ستتضرر بشدة إذا تواصلت هذه الهجمات”.
ويرى المحللون وخبراء الاقتصاد أن التداعيات الاقتصادية لهجوم إعصار اليمن سيكون لها تداعيات معنوية كبيرة خاصة وأن الإمارات معروفة عالمياً بأنها آمنة بنسبة 100 %، وبأنها دولة رفاهية وخدمات رفيعة، إضافة إلى أنها أصبحت في السنوات الأخيرة قبلة للسياحة الترفيهية والفندقية الفارهة.
وأشاروا إلى أنه في حال تكررت الهجمات واستهدفت قطاعات بعينها، مثل الكهرباء أو النفط، أو طالت بعض الفنادق في إمارة دبي مثلاً، فإن التداعيات ستكون حينها كبيرة جداً.
وقالوا: إن “الإمارات ثاني أكبر اقتصاد عربي بعد السعودية وأكثر الدول العربية نشاطاً فيما يتعلق بالتبادل التجاري والعلمي والسياحي والاقتصادي مع دول العالم، وتعمل على إظهار قدرتها بمجال تنويع مصادر دخلها، وبالذات من الاستثمارات الأجنبية”.
مؤكدين أن “هذه القدرات كلها ستصبح بلا فائدة عملية إذا ما تحولت الإمارات إلى ساحة للهجمات اليمنية”، مشيرين إلى أن النمو الاقتصادي الإماراتي الذي بدأ يتعافى من آثار جائحة كورونا ربما يتأثر بفعل الهجمات وتعطل نموه.
وفيما يتعلق بمعرض “إكسبو 2020م” المقام في إمارة دبي، فإنه سيكون أكبر المتضررين إذا تكررت الهجمات وستكون هناك خسائر هائلة تلحق بهذا المعرض، الذي كان يتوقع أن يزوره 25 مليون شخص.
ويرى الخبراء والمحللون أن المقيمين في الإمارات لن يكونوا قادرين على تحمل ضربات إضافية وسيؤدي ذلك لخروج أعداد كبيرة منهم، ومن ثم سيتضرر القطاع العقاري الذي يشكل مدخلاً مهماً للناتج المحلي الإجمالي.
وشدد الخبراء على أن “الاقتصاد الإماراتي حساس جداً تجاه هذا النوع من الأحداث؛ لأنه اقتصاد رفاهية عالية المستوى، وأي خدش في الاستقرار يؤثر مباشرة في أداء الاقتصاد وقدرته على النمو والتطور”.
واعتبروا أن الإمارات أصبحت معرضة لهذا النوع من المخاطر الأمنية بالنظر لحالة الاشتباك الواسع لها مع كثير من الملفات في دول العالم المختلفة مثل اليمن وليبيا والسودان وإثيوبيا وكازاخستان.
ولفتوا إلى أن “هذه الملفات الخلافية ربما يرى البعض أن تدخل الإمارات فيها يشكل استفزازاً ما قد يدفعهم إلى تنفيذ هجمات ضدها”.
ويعتقد أن الإمارات تشكل حالة إيجابية استثنائية في العالم من ناحية الاقتصاد والرفاهية والاستقرار الأمني، لذلك “من الأفضل أن تحاول التقليل من اشتباكها مع الملفات الخلافية بدول العالم والإقليم حتى تحافظ على حالتها”.