بين يديّ العملية البحرية النوعية الأخيرة..
المياه الإقليمية اليمنية محرمة على السفن والبوارج إلا بتصريح
تقرير/ عبدالجليل الموشكي
نهاية فبراير 2020م خلال افتتاح “معرض الشهيد عبد العزيز المهرم لصواريخ منظومة الدفاع الجوي”، أكّد وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي أن عام 2020م سيكون عام الدفاع الجوي بامتياز، قائلاً: “سيأتي اليوم الذي تصبح فيه سماء اليمن محرّمة على طيران العدوان”، وكان كذلك فعلاً.
وكان العام 2021م حافلاً بالإنجازات العسكرية على الجو والبر معاً، حيث حررت القوات المسلحة ما يعادل 12.250 كم2 من الجغرافيا المحتلة في البيضاء ومارب والجوف وشبوة، في عمليات خاطفة، منها عمليات النصر المبين بمراحلها الثلاث وربيع النصر بمرحلتيها وفجر الحرية وفجر الانتصار، والبأس الشديد التي جرى الإعلان عنها في ذات العام، واختتمت بعملية فجر الصحراء النوعية.
للبحرية حضور
خلال ست سنوات نفّذت القوات البحرية والدفاع الساحلي أكثر من 34 عملية عسكرية نوعية استهدفت سفن وبوارج وفرقاطات وزوارق العدو، إضافة إلى أرصفة موانئ ومنشآت تابعة للعدو، كما أفشلت عمليات إنزال وإبرار لقوات العدو، و”الأبرار” هنا يعني إنزال قوات من البحر إلى البر.
وقبل يومين ضبطت القوات المسلحة سفينة شحن عسكرية إماراتية على متنها معدات عسكرية دخلت المياه اليمنية بدون ترخيص، ممارسةً أعمالا عدائية تستهدف أمن واستقرار الشعب اليمني، في سابقة نوعية هي الأولى تشير برمّتها إلى اندلاع شرارة معركة الاستقلال على البحر هذه المرة، دون استهداف يؤدي إلى تفجير أو إحراق السفينة، إنما الاستيلاء عليها بطريقة خاطفة.
وحدات البحرية ضبطت سفينة الشحن العسكرية الإماراتية “روابي” المحملة بالأسلحة والمعدات قبالة سواحل الحديدة، تحديداً بين جزر الزبير والطير وجزيرة كمران قبالة رأس عيسى، واقتادتها إلى ميناء الصليف، بعد أن كانت تحت الرقابة لأسابيع، وقد نفذت أنشطة عدائية في المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، وتولت نقل كميات كبيرة من الأسلحة، ما جعل الوحدات المتخصصة ترصد تحركاتها وتتعامل معها وفقاً لقوانين الملاحة البحرية الدولية.
رسائل عديدة ودلالات جاءت في طيات هذه العملية العسكرية النوعية، فبالإضافة إلى أنها إشارة إلى بدء معركة البحر، تشير أيضاً إلى تعاظم الإمكانيات لدى القوات البحرية اليمنية التي استطاعت الاستيلاء على سفينة الشحن العسكرية وإجبارها على الوقوف خلال فترة قياسية، كما تعكس وجود الإرادة القوية في تحصين المياه الإقليمية من العبث، وتجسد مصاديق وعود القيادة في تحرير اليمن كل اليمن بره وبحره وجزره، وهو الطبيعي في حين يخوض البلد معركة تحرر مع دول تحالف العدوان منذ قرابة سبع سنوات.
تحالف أحمق
تحالف العدوان بعد ضبط السفينة مباشرة أعلن استيلاء من وصفهم بـ”الحوثيين” على سفينة تحمل معدات طبية تابعة لما يسمى بالمستشفى الميداني السعودي الذي قال أن السفينة كانت تقوم بنقله بعد انتهاء إنشاء المستشفى في الجزيرة، وهنا ليس غريبا على التحالف أن يكذب، ولم تمر سوى ساعات على تصريح القوات المسلحة عن ضبط السفينة، ومن ثم بعدها المؤتمر الصحفي لمتحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع.
القوات المسلحة كشفت بالمشاهد الحية عن طبيعة حمولة السفينة التي ادّعى تحالف العدوان أنها تحمل معدات طبية، وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو المدرعات والزوارق الحربية وكذلك المعدات العسكرية ومخازن الأسلحة وعليها شارة القوات البرية السعودية والإماراتية، بعد أن كان التخبط قد بدا جلياً على أبواق التحالف العدواني، وظهرت منصاته الإعلامية عاجزة عن تفسير الحدث وتبريره، كما سعت الأبواق إلى تبرير تواجد السفينة وتنقلها في المياه الإقليمية اليمنية.
أيّاً كانت تصريحات التحالف، فالكذب ليس جديداً عليه، والحقيقة الثابتة التي لا يمكن لذي عقل تجاهلها، هي أن التواجد السعودي والإماراتي احتلال بكل ما تعنيه الكلمة سواءً في سقطرى أو في غيرها، وعليه فإن الملاحقة والاستهداف لقواتهما تعتبر حقا شرعيا لقواتنا المسلحة في أي شبر على الجغرافيا اليمنية في البر أو البحر أو الجو، وفي الأفق لاحت بشائر المطاردة ومعركة المياه الإقليمية.
المؤتمر الصحفي لمتحدث القوات المسلحة جاء بمثابة العصا التي التقفت كل ما رماه تحالف الشر عبر قنواته ومنصاته الإعلامية، وقبل المؤتمر كان الغليان هو السائد لدى التحالف، أما بعده فكانت الصدمة، واللافت أن ما أظهرته القوات المسلحة ليس سوى القليل مما تحويه السفينة، وفي السياق فإن أي سفينة لديها ما يسمى بـ “packing list “وهي قائمة بكل ما على متن السفينة، وهنا ما يثبت قطعاً بالإضافة إلى المشاهد الموثقة أن التحالف يكذب، فلو كان الأمر كما يقول، لما توانى عن إظهار أي نسخة منها.
قناة الجزيرة بثت أمس مشاهد توثق وصول معدات وقوات عسكرية إماراتية حديثة من قاعدتها في أريتيريا إلى المخا على متن سفينة تجارية تابعة لشركات إماراتية، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الملاحة البحرية والقانون الدولي معاً، وهو ما يؤكد شرعية العملية التي قامت بها الوحدات البحرية المتخصصة، وبطلان ادعاءات التحالف، فالإمارات والسعودية لا مبرر لوجودهما على أي رقعة من الجغرافيا والمياه الإقليمية اليمنية.
بحر أحمر
حنكة القيادة اليمنية تتجلى في هذه العملية، ووفقاً لمتحدث القوات المسلحة جرت عملية الرصد الدقيق لنشاط هذه السفينة ووجهتها وحمولتها، ومن ثم صدرت التوجيهات العليا بالاستيلاء عليها ضمن الدفاع المشروع عن البلد والشعب، مع الإبقاء على طاقم السفينة بداخلها وهو من عدة جنسيات، وهنا جاء في تصريح المتحدث ” نحذر تحالف العدوان من أي حماقة يقوم بها ضد سفينة الشحن العسكرية الإماراتية والتي يتواجد بداخلها طاقم السفينة من جنسيات دولية مختلفة”، ما جعل العدو يقف عاجزاً رغم تهديده باستخدام القوة.
العميد يحيى سريع أكّد في مؤتمره الصحفي أن القوات المسلحة وتحديداً القوات البحرية في إطار مهامها الدفاعية عن المياه الإقليمية اليمنية كانت ولا زالت ترصد جميع الأنشطة العدائية التابعة للسفن الحربية للعدوان، وأن هذه العملية تأتي في سياق العمليات والمهام والواجبات المندرجة ضمن مسؤوليات القوات المسلحة، التي منها حماية المياه الإقليمية اليمنية والرد على العدوان بما في ذلك الضبط والاستيلاء على سفن الأسلحة التي سوف تستخدم ضد الشعب اليمني.
خط أحمر
في رسالة واضحة أطلق المتحدث الرسمي للقوات المسلحة تحذيراً حيث قال بالنص: “نقول للعدو الإماراتي تحديداً، نحن نملك الخيارات المناسبة، القوات المسلحة بتشكيلاتها المتعددة تملك من القوة والإرادة ما يجعلها حاضرة للرد على أي تصعيد عدواني”، وأضاف “نقول للسعودي كذلك، خياراتنا المناسبة في طريقها لتصبح واقعاً وكل ما ستتخذه القوات المسلحة في إطار الدفاع المشروع عن شعب الإيمان والحكمة”، وكان الأهم هو قول وإشارة العميد سريع “إلا أن القوات المسلحة اليمنية نفذّت عملياتها في المياه الإقليمية اليمنية لا الإقليمية السعودية ولا الإقليمية الإماراتية”.
في سياق آخر يعتبر هو الأهم، جاء التحذير الأشد لهجة على لسان الناطق العسكري حين قال “على تحالف العدوان التوقف عن حماقاته وليدرك أن التمادي في عدوانه سيدفع بالقوات البحرية للدفاع إلى مكانٍ أبعد وسيفاجئ العدو بعمليات عسكرية دفاعية نوعية في البر والبحر”، وهنا ما يجعل العدو يقلق أكثر ويستعد لاستقبال هجمات بحرية شرسة تدك موانئه وسواحله؛ إن استمر في العدوان، على غرار الهجمات البرية والجوية، والقوات المسلحة تعلم متى تطلق تهديداتها، ومعركة النفس الطويل أثبتت أن القوات اليمنية لا تهدد إلا بعد أن تدخل إمكانياتها ساحة المواجهة بتجارب عملية ناجحة.
علاوة على أن العملية جاءت كتدشين للعام الجديد، الذي قد يكون عام الدفاع الساحلي والقوات البحرية بامتياز، إلا أنها أيضاً رفدت القوات المسلحة بعدد من المدرعات الحديثة ومنها خاص بالاتصالات، بالإضافة إلى السلاح، وما لم تتطرق له العدسات من مخازن وأسلحة، كما أنها جاءت لتشكل صفعة قوية للإمارات التي ما تورعت عن العربدة والعبث بالجغرافيا اليمنية، رغم التحذيرات المتكررة التي أطلقتها القوات المسلحة، فيا ترى أين ومتى ستكون العملية البحرية القادمة والقاصمة لظهر التحالف الأرعن.