لا تستغربوا من عنوان المقال فهذه العبارة ليست تعبيراً إنشائياً لعنوان مقال لشد الانتباه، أو مجرد كلمات عابرة، بل هي أمنية حقيقية قالتها بحرقة وحزن وأسى إحدى أمهات الأسرى وهي تواسي أمّ شهيد في استشهاد ولدها .
ما إن سمعنا عبارتها “يا ليتني أمّ شهيد” حتى التفتنا جميعاً نحوها، وهي تتنهد الآهات وتتابع كلماتها قائلة: “يا ريت أعرف مصيره، وأضم جثمانه وأزور قبره ويطمئن قلبي بعيداً عن الكوابيس التي أعيشها وأنا اتخيل السجان في سجون العدوان كيف يعذب ابني بوحشية ويمتهن كرامته، فمن يوم أُسر ولدي لدى مرتزقة العدوان وأنا لا أنام الليل غير ساعتين، ثم أفزع من نومي أستغيث الله وأدعوه أن يخفف عنه سجنه وعذابه، وأن يربط على قلبي، أما أنتِ يا أم الشهيد فلا تحزني بل افرحي واستبشري فولدك عند ضيافة الرحمن مع الشهداء والأنبياء حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.
هذه الكلمات أدمت قلوبنا وأدمعت أعيننا ، لأنها خرجت من قلب مكلوم على ولدها، الذي يظهر عمق جرحها بعمق تجاعيد وجهها وعلامات الحزن البادي كحزن نبي الله شعيب على ابنه يوسف- عليه السلام- ، فكل يوم تنتظر عودة أسيرها بلوعة وحزن وألم ، لأنها تعلم بوحشية السجان الخبيث الذي امتسخت آدميته وتشيطنت، فكلما سمعت قصة تعذيب أسير يُدّمى قلبها ويحزن فؤادها وتكاد عيناها تبيضّ من الكمد والحزن والأسى، ولا تجد غير المناجات والدعاء لله لها متنفساً .
هذه رسالة لكِ يا أم الشهيد بأن لا تحزني ولا تأسى فقلبك مطمئن على ولدك، أمّا عن الفراق فماهي إلا أيام وسنوات قليلة ويأتي اليوم الذي يفرح قلبك ويمسك ابنك بيدك وتدخلان الجنة بفرح وسرور فاطمئني واستبشري ، وتبقى رسالتنا لكِ يا أمّ الأسير: بأن لا تحزني ولا تأسي فولدكِ مجاهد بطل بحجم هذا الوطن، وكل سنين أسره في قبضة السجان ستكون- بإذن الله -برداً وسلاماً، وسيأتي اليوم الذي تقر به عينكِ بعودتهِ وهو رافع رأسه شامخاً عزيزاً ، وكل عملية تحرير لكل شبر في هذا الوطن هي تحمل صبَر وجهادَ ولدكِ على السجان، واعلمي أننا لم ننسه وكلنا يحمل همّه ويعمل جهده لتحريره خاصة رفقائه المجاهدين في الجبهات من يواجهون هذا العدوان ويقدمون التضحيات الجسيمة لتحريره هو وكل أسرانا الأبطال ،واعلمي أيضاً بأنكِ عندما تحتسبين وتصبرين فأنتِ بمنزلة أم الشهيد، لكِ نفس أجرها وثوابها وعند الله يكون الجزاء الأوفى، وكم أنتِ عظيمة أنتِ وأم الشهيد، منكنّ نستمد الصبر والعنفوان، ولأبنائكنّ ننحني إجلالاً وإعظاماً وإكباراً لتضحياتهم وصبرهم ومعاناتهم وجهادهم، وتذكّري يا أمّ الأسير بأن السجن خير من حياة المذلة والمهانة فاصبري وصابري فإبنكِ في عرين الأسود رابض وبين الجبال شامخ ، وماهي إلا أيام وسنوات تقضيها في هذه الدنيا بصبر وجهاد ثم يكون الجزاء الأكبر واللقاء في الجنة فلا تجزعي ولاتحزني فإبنكِ نال مرتبة الأنبياء الشرفاء الذين حال لسانهم يقول” ربّ السجن أحب إليّ” فصبراً أمهات الأسرى فموعدكنّ وأبناؤكن الجنة بإذن الله.
وفاء الكبسي
اللجنة الوطنية للمرأة