لكي تستطيع أن تحكم العالم لا بد لها من أن تفكر بطريقة الشيطان، هكذا هي الصهيونية العالمية، لكي تسيطر على البشر لا بد لها أن تمسخهم، وأن تغيِّر المفاهيم وتزيَّف الحقائق وتقلب الفكر وتمسخ طريقة التفكير، لا بد من تغيير النظرات والتوجهات والأهداف لدى البشر الأسوياء إلى الأهداف التي تريدها الصهيونية، لا بد أن تسود النظرة الحيوانية على النظرة الإنسانية، وأن تتغلب التوجهات المادية على التوجهات الدينية والقيمية، وأن تتغلب الشهوات والأهواء على القيم والمبادئ، والأمراض والأوبئة على الصحة والعافية، والأزمات على الرخاء، والشر على الخير، والفرقة على الوحدة، والفقر على الغنى والموت على الحياة، والمشاكل المقلقة للسكينة على الطمأنينة والاستقرار خاصة في الشعوب التي تعد هدفاً للصهيونية سواءً كانت شعوباً لديها ثروات، أو شعوباً لديها قيم ومبادئ تشكل عائقاً أمام مشاريعها الاستعمارية، تفكير الصهيونية هو فعلاً تفكير الشيطان، فهي لا تريد الناس الأسوياء على الفطرة التي خلقهم الله عليها؛ لأنهم لن يقبلوا بالانحرافات ولا بالاستعباد؛ لذا تعمل على مسخ الفطرة والقيم والأخلاق، وتعمل على إخراج الإنسان من الحرية الإنسانية الإلهية إلى حرية مزعومة حيوانية لا تلتزم بضوابط دينية أو أخلاقية أو بشرية، وبذلك جرَّت الشقاء والبؤس والحرمان على بني البشر في الأرض جميعاً، وعلى المسلمين والعرب خاصةً.
فمن الناحية الاقتصادية، تنهب عبر شركاتها وبنوكها العالمية ثروات شعوب بأكملها، وتخترق الأسواق الداخلية للدول المستضعفة وتغرقها بالسلع والمنتجات الخارجية وتدمر الإنتاج الداخلي، وكذا عبر احتكار وتملُك الإنتاج والصناعات الحيوية للدول المستهدفة، واحتكار التصدير والاستيراد، والسيطرة على الموانئ والمطارات، وإشعال الحروب بين الدول المستهدفة للاستفادة من بيع الأسلحة لها ونهب ثرواتها الطبيعية، وإغراق الدول المستهدفة بالديون والفوائد الربوية حتى تفقد القدرة على السداد ثم ترضخ لخياراتها، وكذا فرض العقوبات الاقتصادية- كما تفعل ذراعها الكبرى أمريكا اليوم بكوريا وكوبا وإيران واليمن، وبيئياً، عملوا على استخدام الفايروسات والبكتيريا والجراثيم كوسيلة حرب لقتل البشر كما فعلوا بسكان أمريكا الأصليين بواسطة الجدري، وكما فعلوا بأوبئة كثيرة استغلوها لصالح سياستهم الاستعمارية، واستخدموا أسمدة ومبيدات خاصة وبذوراً معدلة وراثياً لتدمير المحاصيل الزراعية وتدمير التربة وإفسادها لتصبح غير صالحة للزراعة، ومن أجل الربح صنعوا المنتجات التي أضرت بالبيئة ولوثتها وأفسدت سلامتها وجمالها، ولو كان لهم وازع أو قيم أو ضمائر حية وارتباط بالله لعدلوا إلى الأشياء التي لا تؤثر على البيئة، وانتشرت ملوثات البيئة من مصانعهم ومعاملهم حتى أثرت على الهواء الجوي، وأثرت على طبقة الأوزون التي خلقها الله تعالى لحماية الأرض من الإشعاعات الضارة القادمة من الفضاء؛ فظهرت ما يعرف بالأمطار الحمضية التي تؤثر على التربة والنباتات، وتلوثت المياه العذبة حتى أصبحت ثلث الأنهار والبحيرات على الأرض اليوم لا تصلح للشرب والسباحة، ولوثوا البحار بالمخلفات الصناعية غير القابلة للتحلل، وبالنفايات والمخلفات الإشعاعية التي أضرت حتى بالأسماك في عمق البحار، واستخدموا الجرف في صيدها ودمروا مراعيها، وعلى مستوى البر دمروا ملايين الهكتارات من أراضي الغابات وحولوها إلى صحارى قاحلة، وتحقق ما قاله الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} وتحقق قول الله تعالى عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} وصحياً نشروا المنتجات والأطعمة التي تضر بالإنسان في جسده وتؤثر على صحته وقدموا بعضها كمساعدات عبر المنظمات، واجتماعياً نشروا الفساد الأخلاقي بكل صوره وبمختلف وسائل الحرب الناعمة، وعملوا على فصل الناس عن الدين وعن القيم والأخلاق وحتى الأعراف التي تساعد على الحشمة والعفة، وعملوا على تعرية البشر وخاصة النساء كما فعل الشيطان بآدم وحواء: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا}، وشجعوا على التحرر من الضوابط والالتزامات الدينية والأخلاقية، ونشروا الخمور والمخدرات، وشجعوا على الابتذال والسقوط، وزينوا الحرية البهيمية، وقوضوا مكارم الأخلاق والعفة والطهارة والشرف؛ فانتشر الزنا والفاحشة حتى أصبحت جرائمها تحسب في بعض المجتمعات بعشرات الجرائم في الساعة الواحدة؛ فضربوا بذلك زكاء النفوس وطهارتها، فأصبحت قابلة للدنس والرذيلة، وضربوا عزة النفوس وإبائها؛ فأصبحت قابلة للإهانة والاحتلال والاستعباد، واستهدفوا اللبنة الأساسية لبناء المجتمع وهي الأسرة؛ فعملوا- وخاصة عبر المنظمات- على تفكيكها إلى كيان للرجل وكيان للمرأة وكيان للشباب وغيرها، ثم يذكون الصراع والمواجهة بين هذه الكيانات، وعسكرياً، عملت الصهيونية العالمية على إذكاء الكثير من الحروب لتمكين نفوذها، وعملوا على تكوين نظريتين عالميتين متناقضتين هما الرأسمالية والشيوعية الاشتراكية، وأذكوا الصراع بينهما ليتمكنوا من قتل أكبر عدد من البشر لتستحكم ـ كما قالوا ـ قبضتهم على الأرض- ولا أدل على ذلك من إشعالهم للحربين العالميتين الأولى والثانية التي راح ضحيتهما أكثر من سبعين مليون إنسان، وفي فيتنام مثلاً وصل الحال بأمريكا أن تستخدم الرش الكيماوي لتدمير البشر والحقول والقرى، ونتج عن حربها تلك ما يقارب أربعة ملايين قتيل، وفي اليابان استخدموا القنابل الذرية فقتلوا عشرات الآلاف من البشر، ودمروا التربة فأصبحت غير صالحة للزراعة، وأوجدوا آلاف الإعاقات وتشوهات الأجنة حتى اليوم، وفي أفغانستان قتلت أمريكا عشرات الآلاف من الأفغانيين، وفي العراق وصل عدد ضحايا الاحتلال الأمريكي إلى أكثر من مليون قتيل حتى الآن، وعشرات الآلاف من جرائم اغتصاب النساء والرجال، وفي سجن أبو غريب ظهرت أسوأ جرائم أمريكا وإسرائيل، ومنذ احتلال اليهود لفلسطين قتلوا أكثر من مائة ألف فلسطيني، وتم إخراج الملايين منهم من قراهم ومدنهم ليصبحوا نازحين مشردين في بلدان أخرى، ويقبع اليوم ما يقارب خمسة آلاف فلسطيني في سجون العدو الصهيوني بينهم نساء وأطفال، وفي سوريا واليمن قتلت الصهيونية الأمريكية بشكل مباشر أو عبر أدواتهما، الآلاف، وخلَّفت الآلاف من المعاقين، وصنعت المعاناة المستمرة حتى الآن، وهكذا نجد العالم اليوم يُرسم بريشة الصهيونية العالمية، ومشروعنا القرآني هو مشروع عالمي يريد إعادة رسم العالم بريشة القرآن الكريم، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).