لا ينبغي لأصحاب العقول والضمائر الحية أن يمر على أذهانهم هذا الحضور البهي للاحتفاء بميلاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مروراً عابراً وقد أحال شعبا تعداده حوالي خمسة وعشرين مليونا من البشر إلى بحرٍ تهتف أمواجه باسمه في شوارع العاصمة وأغلب محافظات اليمن ، فالطبيعي أن يدرس هذا المشهد منقطع النظير بعناية وبعقلية واعية محايدة إن وجدت في هذا العالم المأسور بآلات التضليل الإعلامي متعدد الأشكال والأهواء والجنسيات لأعتى قوة باتت تحتل العقول والأرواح منذ غادرت الشكل الاستعماري التقليدي المباشر للأرض واستبدلته بالاستعمار الاقتصادي والثقافي والإعلامي والمعلوماتي وتفننت في هذا الشكل الجديد الذي يلعب فيه بعض المحسوبين على بلدانهم وخاصة البلدان التي كانت واقعة تحت سوط المستعمر القديم دوراً واضحاً في قبول أساليبه الجديدة المتلونة والترويج لها من خلال عدة قنوات وبشتى الوسائل.
والسؤال الذي يطرح نفسه على كل ذي عقل : ألا يستحق هذا الشعب الذي لم يتحول إلى تسونامي بشري كما وصفه البعض لأن التسونامي جلب الموت للآلاف من البشر وهذه طبيعة قوته القاهرة ، ولكننا أمام شعب بدت حركته كأمواج من الضوء تملأ عواصم المحافظات وشوارعها لتنشر البهجة والفرح لشعب يصارع الموت بكل معانيه ويتحداه ليبعث رسائل ناطقة وصامته مملوءة بمعاني الحياة لجميع الأطراف علها تجد من لا يزال له قلب ينبض بعد سبع سنوات من القصف الذي لا مثيل لهمجيته والحصار الذي أذاق اليمنيين كل الويلات وتسبب في أقسى معاناة إنسانية حسبما يصرح موظفو الأمم المتحدة الذين لم يعد لتصريحاتهم المتكررة أي معنى أو أثر فهي مجرد أصوات وظيفية بلا صدى يؤديها موظفون كل همهم استلام مقابل ما يقولون وما يفعلون بغض النظر عن طبيعة الوظيفة وآثارها اللا إنسانية ورغم علاقتهم رسمياً بحقوق الإنسان.
نعم ليس أمراً طبيعياً أن يتحول شعبٌ بأكمله إلى كتلة من الضوء مبتهجة بذكرى مولد رسول مضى على ميلاد رسالته أربعة عشر قرناً ولا تزال في أوج حيويتها ، والأغرب أن دول الاستكبار التي تقود العدوان والحصار على هذا الشعب هي نفسها التي حاصرت المناسبة إعلامياً في محاولة فاشلة لمنع الرسالة من الوصول إلى المرسل إليه أصحاب الضمائر الحية في هذا العالم المحكوم بالتشويش والتضليل أو لتوظيفها توظيفاً يظهر إرادة الشعب كما لو أنها مستلبة غير واعية أو أنه تحت التنويم المغناطيسي أو خاضع لحالة من حالات غسل أدمغة جماعية كما يقال ، أو التشكيك في نوايا قيادة ثورته الشابة التي أثبتت قدرة ملموسة على التأثير وعلى حشد الطاقات الشعبية التواقة إلى الحرية والاستقلال والسيادة والعمل على استغلالها لمصالح غير وطنية ، وستثبت الأيام أن هذا التضليل مكشوف ومدفوع الأجر وأن قيادة الثورة تربطها بالشعب روابط المعاناة والتضحيات في سبيل تحقيق الأحلام المشتركة بغد مشرق بالخير والعدالة والحرية تأبى كل قوى الظلام والاستبداد أن ترى حقيقته وأن تصدق أن هذا الشعب لديه كل هذه القدرة على الصمود والإصرار على كسر قيود وأغلال الحصار والعدوان المتوحش والسير في طريق الدفاع عن الحقوق الوطنية بالاستناد إلى المبادئ الدينية والقانونية والأخلاقية وبإرادة صلبة وعزم لا يلين ، وما على المشككين والمضللين من قادة العدوان وأتباعهم لاختبار المصداقية سوى وقف عدوانهم ورفع حصارهم وسيتبين الخيط الأبيض من الأسود وهو عند من لديه ذرة من عقل وبصيرة أوضح من الشمس في رابعة النهار وأي مكر في التوظيف يخالف الدين وأي تغافل عن حسن الفهم للرسالة يزيد الهوة بين السلطة والشعب ويعبر عن شكل من أشكال انعدام المسؤولية.
إن هذا الحضور الشعبي الذي أذهل كل من شاهده بعينيه وعقله ، يرتب مسؤوليات ضخمة بحجم ضخامة الحضور على من نظم وعلى من يأبى أن يرى المشهد بعين المحايد وإن لم يكن محايداً لأن حاجة الإنسان السوي لرؤية الحقيقة تساوي حاجته إلى الماء والهواء، إنه حضور لا يتوقف عند اللحظة فجدواه في ثماره القائمة أو المنتظرة ، والتجارب الإقليمية والعالمية توضح أن أي إساءة في فهم وتوظيف الرسائل الشعبية خارج المصلحة العامة وبما يغلب مصالح المتسابقين على السلطة لا تخدم الاستقرار والسلام في أي بلد لأن حاجة أي شعب إلى الوفاء تساوي حاجته إلى البقاء، ومقابلة الوفاء بالوفاء هو الأساس المتين الذي يقوم عليه أي نظام ويبقى وهذا ما تؤمن به أي قيادة لديها الحكمة والإحساس بالمسؤولية .
قصة الماء مع الحياة تعرفها الشطآن والسماء
كل جسمٍ اكتمل بناؤه تصونه حيوية الروح
تجلو عنه الغبار وتتلو عليه آية الكرسي
وكل الدروب إليه تبحث عن دروبها
وعن ضياء في فيافي النفس وفي القفار