أمين رزق
تنتشر ظاهرة احتراف التسول في بلادنا ويتعاطف كثير من الناس مع المتسولين ويقدمون إليهم زكواتهم وصدقاتهم من دون التأكد من مدى حاجتهم وكانت أجهزة الأمن في فترة من الفترات قد قامت بحملة على المتسولين الذين انتشروا في الشوارع وعلى أبواب الجامعات والمساجد وضبطت عدداً كبيراً من الذين يحترفون التسول من دون حاجة لذلك، وقد تبين امتلاك عدد من المتسولين عقارات وأموالاً تضعهم في فئة القادرين الذين يتوجب عليهم إخراج الزكاة والصدقة.
وقد طُرح هذا الأمر على عدد من العلماء فأكدوا أن الإسلام يرفض ظاهرة التسول ويدين سلوك المتسولين ويلزم الفقير والمحتاج بأن يكون عفيفا عزيز النفس لا يهين نفسه ولا يهدر كرامته، وكثير من المحتاجين الحقيقيين في بلادنا يتصفون بعزة النفس ولا يهينون أنفسهم من أجل المال رغم حاجتهم الشديدة إليه. وهؤلاء الفقراء المحتاجون هم الأولى بالزكاة والصدقة.
وللعلم أن المتسول آثم ويجلب لنفسه غضب الله وعقابه فضلا عن المهانة بين الناس، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم.
ولذلك قال العلماء: إن الأصل في سؤال الناس -أي طلب مساعدتهم- هو الحرمة لما في ذلك من تعريض النفس للهوان والمذلة، فلا يحل للمسلم أن يلجأ للسؤال إلا لحاجة شديدة تقهره على السؤال، فإن سأل وعنده ما يغنيه كانت مسألته خموشا في وجهه يوم القيامة. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث الصحيح: «من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خمش أو خدوش في وجهه، فقيل: يا رسول الله وما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها ذهباً».
ومن هذا الحديث يتضح أن من سأل الناس وعنده ما يكفي يومه فهو آثم ويستحق غضب الله وعقابه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار. فقيل يا رسول الله: وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه .
ويرى الكثير من أهل العلم أن التعاطف مع المتسولين خاصة المحترفين منهم هو الذي يؤدي إلى انتشار ظاهرة التسول في بلادنا، فكثير من المتسولين يفضلون سؤال الناس وامتهان كرامتهم على العمل؛ لأن التسول يدر عليهم دخلاً مجزياً، وهؤلاء الذين تخلوا عن عزة النفس ورضوا بحياة الهوان لا ينبغي أن نتعاطف معهم أو نشجعهم على ذلك، وكل الصالحين ومن في قلبه إيمان وتوكل على الله الذي قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “والله لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً”، ولهذا يدين سلوك المتسولين غير المحتاجين، ويحذر من تنامي ظاهرة احتراف التسول الكثير من أهل العلم.. وعلينا فهم أن موارد الزكاة تكفي لحل كل مشكلات الفقراء والعاطلين في بلادنا ولو أخرج الناس زكواتهم ما بقي متسول واحد ولا فقير ولا محتاج، بل لتوافرت أموال طائلة تزيد على حاجة الفقراء.. لكن للأسف ظاهرة التسول أصبحت مشكلة اجتماعية ودينية فكثير من المتسولين ليسوا في حاجة إلى المال ولديهم ما يكفيهم وبعضهم قادر على العمل والإنتاج والحياة الكريمة، لكن هؤلاء للأسف رضوا أن يكونوا اليد السفلى وقبلوا بحياة الذل والهوان واختفت من حياتهم كل معاني العفة وعزة النفس، ولذلك لابد من علاج نفسي ديني لهؤلاء حتى نعالج هذه المشكلة من جذورها.
فلا بد أن يقوم المرشدون والخطباء ورجال الإعلام بواجبهم في مواجهة هذه الظاهرة التي يرفضها الإسلام أيضاً لابد أن تقوم أجهزة الأمن المسؤولة عن مكافحة ظاهرة التسول بواجباتها، لأن التسول في الغالب تحركه عصابات إجرامية تستغل الأطفال المشردين من أطفال الشوارع وتلحق بهم الأذى النفسي والبدني إذا لم يستجيبوا لهم، وهذه ظواهر إجرامية لا بد أن تواجه أمنياً بكل حسم.. ونشكر اليوم توجه القيادة الثورية والسياسية باتجاه محاصرة الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة لها.