جسر من الوعود ينهار بعد متاجرة بالمأساة.. منظمة الصحة تلغي وعودها بالجسر الطبي لنقل المرضى المحتاجين للسفر
الثورة /تقرير/ عبدالقادر عثمان
قد يكون الحكم بالإعدام على شخص ما في مكان ما من العالم أمراً صعباً، لكنه يتحول إلى كارثة وجريمة حربٍ حينما يشمل ملايين من الأنفس في بلد حوّلته نيران العدوان وحصاره إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
في فبراير من العام الماضي أعلنت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بدء رحلات الجسر الطبي الجوي من مطار صنعاء الدولي إلى الخارج، غير أن الإعلان كان أكبر من الحقيقة؛ فقد أرسلت المنظمة طائرة صغيرة لا تتسع سوى لعشرة مرضى مع مرافقيهم.
انتهت المرحلة الأولى من الجسر الدولي بنقل 32 مريضاً من أصل 220 ألف مريض مُنِعُوا من السفر لتلقي العلاج في الخارج لعدم حصولهم على جوازات صادرة من مناطق العدوان ومرتزقته وإغلاق مطار صنعاء امام الرحلات المدنية ولانعدام وجود دفاتر الجوازات في مناطق المرتزقة بين الفترة من 2017 – 2020.
وفي تصريح لقناة المسيرة الفضائية، قال رئيس اللجنة الطبية العليا، مسؤول الجسر الطبي الدكتور مطهر الدرويش، إن المنظمة أبلغت اللجنة أمس الأول بإلغاء الجسر الطبي الجوي على مطار صنعاء الدولي بعد عام على إعلان تعليقه وتسجيل آلاف الحالات المرضية المستعصية.. لافتاً إلى أن ذلك جاء نتيجة لظروف مادية تمر بها المنظمة الأممية.
وبحسب الدرويش فإن ما يقارب «عشرة آلاف حالة مرضية تعرضت للوفاة من ضمن 35 ألف حالة تم تسجيلها لدى الجسر الطبي المتوقف للأمم المتحدة»، رغم أن المنظمة الدولية كانت قد جمعت 4.9 مليون دولار وخصصتها لمواجهة نفقات الجسر الجوي الطبي الإنساني لعلاج المرضى اليمنيين المصابين بالأمراض المستعصية.
باب موصود
تسبب إغلاق مطار صنعاء الدولي من قبل تحالف العدوان في أغسطس من العام 2016، برفع معاناة المرضى اليمنيين نتيجة عدم تمكّنهم من السفر لتلقي العلاج في الخارج، خاصة بعد انهيار المنظومة الصحية للبلد من جراء الاستهداف المباشر وغير المباشر من قبل التحالف، ومع استمرار رفض التعامل بالجوازات الصادرة من المناطق التي يديرها المجلس السياسي الأعلى في المنافذ الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان على اليمن بموجب قرار نائب رئيس مجلس وزراء حكومة المرتزقة وزير الداخلية رقم (91/12/و.د) الصادر في ديسمبر من العام 2018، الذي جاء بعد تعميم لمصلحة الهجرة والجوازات في مناطق الاحتلال عام 2017 يقضي برفض التعامل بجواز صنعاء.
أغلق القرار – بحسب تصريحات المجلس النرويجي للاجئين – الباب أما سبعة آلاف يمني كانوا يسافرون كل عام لتلقي العلاج الطبي في الخارج من خلال المطار الدولي، وهو عدد ازداد بشكل كبير بعد 2015، نتيجة الحرب.
إلى ذلك، انعكس إغلاق المطارات اليمنية بشكل كارثي على الجانب الصحي والإنساني إذ أن هناك نحو 27 صنفاً من الأدوية التي تحتاج إلى عملية نقل سريعة وتخزين خاصة غير متوفرة في مخازن وزارة الصحة نتيجة ذلك، على رأسها مشتقات الدم والمحاليل الخاصة بالفحوصات التي لديها درجات حرارة خاصة وكذا أدوية السكري، كما أن 120 صنفاً من الأدوية غير متوفرة في السوق التجارية لأن التاجر عاجز عن الإتيان بها عن طريق المطارات بشكل سريع وتحت ظروف خاصة، إضافة إلى انقطاع 263 اسما تجاريا من الاحتياجات الدوائية والطبية، وانعدام 50% من الأدوية المطلوبة لمرضى الأورام، بحسب تصريحات سابقة للوزارة.
أرقام مفزعة
الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة العامة والسكان، الدكتور نجيب القباطي، قال في تصريحات متكررة لوسائل الإعلام: إن هناك طفلاً يمنياً يموت كل 5 دقائق، وما يربو على 2.6 مليون طفل يعانون من سوء التغذية، إضافة إلى 8000 امرأة تموت سنويا جراء العدوان والحصار، وبين الدكتور أن القصف المتواصل أدى إلى تدمير 527 مرفقا صحيا بشكل كلي وجزئي وخروج 50 % عن العمل.
ولفت إلى أن نحو 5000 مريض بالفشل الكلوي يحتاجون لزراعة الكلى، كما أن نحو 3000 طفل مصابون بتشوهات قلبية خلقية، بينما 500 حالة فشل كبدي نهائي يحتاجون زراعة كبد، و2000 حالة تستدعي زراعة القرنية، وجميعهم يحتاجون للسفر لتلقي العلاج وقد تم تسجيلهم في الجسر الجوي لكنهم لم يتمكنوا من السفر.
وبحسب القباطي فإن «نحو 1.5 مليون يمني يعانون من أمراض مزمنة منها السرطان والثلاسيميا (فقر الدم الأبيض المتوسط) والفشل الكلوي»، كما أن اليمن خلال فترة العدوان ونتيجة للحصار وانهيار المنظومة الصحية شهد اجتياحات لأمراض وأوبئة فتّاكة، كالكوليرا والدفتيريا وإنفلونزا H1N1 والحصبة والملاريا وحمى الضنك والحميات النزفية والالتهابات الرئوية الحادة والتهاب السحايا الدماغية وجدري الماء والسعال الديكي، إلى جانب النكاف والليشمانيا وداء الكلب والتهابات الكبد.
وتسجل تقارير منظمة الصحة العالمية، أن إجمالي عدد المصابين بمرض السرطان في اليمن بلغ 35 ألف شخص، بينهم أكثر من ألف طفل، فيما المصابون بالفشل الكلوي نحو 5200 مريض، وهم معرضون للوفاة في أي وقت، ونحو 1.2 مليون مصاب بالسكري، و1300 مصاب بالثلاسيميا، علاوة على 25 ألف مصاب بالأنيميا المنجلية، ويحتاج نحو 19 مليون يمني إلى الرعاية الصحية.
وبلغت الزيادة في نسبة مرضى الأورام أكثر من 72 ألفا مسجلين لدى المركز الوطني للأورام الذي يفتقر للأدوية والتجهيزات الحديثة لمعالجتهم، بحسب ناطق الصحة.
بدائل قاتلة
إغلاق مطار صنعاء دفع اليمنيين للجوء إلى خيارات بديلة، فلم يجدوا غير السفر عن طريق المناطق الخاضعة للاحتلال، وهي رحلة تنطوي على الكثير من المخاطر الأمنية وتعرض المرضى والمرافقين للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال ومرتزقتها، فضلا عن المعاناة التي تتسبب بوفاة البعض خلال الطريق الذي يستغرق أياماً.
وفي 16 سبتمبر من العام 2018، وقع هشام شرف عبد الله، وزير الخارجية اليمنية، والمنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في اليمن ليز جراندي، اتفاقية إنشاء “جسر جوي طبي” للسماح للمرضى بالسفر عبر مطار صنعاء إلا في العام 2020.
مثل الجسر بارقة أمل لعشرات الآلاف من المرضى اليمنيين، لكنه سرعان ما تحوّل إلى كابوس يؤرق حياتهم وهم ينتظرون رحلاته المعلّقة يوما بعد آخر، حتى جاء الإشعار من قبل المنظمة إلى اللجنة الطبية العليا بتوقف الجسر نهائياً ولأسباب مادية.
خلال تلك السنوات كان مطار صنعاء بوابة عبور لموظفي الأمم المتحدة وكلاب الحراسة الخاصة بها والمنظمات التابعة لها، والمبعوث الأممي، بشكل مستفز لمشاعر اليمنيين الذين يموتون نتيجة إغلاقه في وجوههم.
مدير المطار خالد الشايف، قال: إن أكثر من 5000 رحلة أممية حطت على المطار منذ إغلاقه قبل خمسة أعوام، لافتاً إلى أن معظم تلك الرحلات أتت لأغراض خاصة بالموظفين الأمميين وأهاليهم.
وفي الوقت الذي كانت فيه معظم الرحلات الأممية الواصلة إلى المطار لا يتجاوز ركابها عدد أصابع اليد، فيما تتسع طائراتها لعشرات المسافرين وتأتي الطائرات شبه فارغة، لم تسمح أي منظمة أممية بترحيل أي حالة مرضية ضمن رحلاتها المتوالية، بل إن إحدى المنظمات هددت بإيقاف نشاطها في حال إصرار وزارة الصحة على ترحيل أي حالة مرضية مستعصية، كما قال الشايف.
ويبقى المرضى يصارعون آلاماً فاقم العدوان والحصار مرارتها في ظل استثمار منظمات الأمم بأرواحهم وعجز الداخل عن إيجاد حل لمعاناتهم، ويجد الكثير منهم الموت سبيلا للخلاص.