كان لثقافة الإمام الحسين بن علي -عليهما السلام- في مواجهة الطغاة والمستكبرين دورُها الكبيرُ في تعزيز خيار المواجهة والصمود في أعماق الشرفاء من أبناء الشعب اليمني ضد تحالف العدوان، وكانت أولى ثمارها أنها أفشلت مؤامرة الإرهاب النفسي التي استهدف بها النظام الأمريكي الشعب اليمني، والتي تجلت من خلال إعلان العدوان من واشنطن وشكّل تحالفاً عدوانياً ضم أغنى وأقوى دول العالم، إقليمياً وعالميًّا، وجهّز بأكبر وأحدث ترسانة أسلحة في العالم، وسخّر له أحدث تكنولوجيا الرصد الاستخباراتي والدعم اللوجستي واستعانوا بكبريات شركات القتل والإجرام العالمية كشركة بلاك ووتر وشركة داين كورب.
وحشدوا مرتزِقة الداخل من جناح الإخوان والجناح العفاشي وغيرهم، وفتحوا معسكرات كبرى عديدة لتدريبهم بالقرن الإفريقي وفي جنوب السعوديّة وفي بعض مناطق اليمن، وحشد جماعات الإرهاب من القاعدة وداعش إلى صفوف التحالف، إضافة إلى تسخير أكبر ترسانة إعلامية بمختلف أشكالها لخدمة تحالف العدوان مارست أُسلُـوب التضليل والتزوير والتهويل الكاذب ووجهتها على مدار الساعة لضرب نفسيات شرفاء الشعب اليمني المناهضين للعدوان إلى غير ذلك من البرامج الاستخباراتية الكثيرة والموجهة لاستقطابهم لصف العدوان وتجنيدهم بالإغراءات المادية والوعود الجوفاء ليعملوا لصالح تحالف العدوان.
كل هذه الإمْكَانيات والأساليب مارسها النظام الأمريكي على شرفاء شعبنا من البداية، وهي في الحقيقة كافية لجعل أي شعب في العالم غير الشعب اليمني يعلنُ استسلامَه ويرفعُ الراية البيضاء في غضون أَيَّـام وبدون تحالف عسكري دولي، إلا أن هذه المؤامرة الشاملة والمتكاملة مع القوات العسكرية فشلت وتبخرت أمام شرفاء الشعب اليمني ويرجع ذلك إلى أن شرفاء اليمن كانوا محصنين مسبقًا بالثقافة الحسينية “ثقافة كربلاء” والتي تمثل الوجه الآخر لمشروع الثقافة القرآنية ذلك المشروع العظيم الذي أحياه في النفوس حسين العصر والزمان السيد الشهيد القائد رضوان الله عليه.
وهي ما جعلت وعي الشرفاء من أبناء الشعب اليمني صخرة صماء تحطمت عليها كُـلّ مؤامرات المستكبرين وصارت هباء منثورا.
فكيف تخافُ نفوسٌ تعلمت من الحسين أن الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما؟!
وكيف ترتعب نفوسٌ عشقت الشهادة كما عشقها الحسين وتسعى لنيلها، كما سعى عليه السلام وتؤمن إيمانَ يقين بأنها كرامة لا ينالها من الله إلا مقرب عظيم منه؟!
وكيف ترجف قلوبٌ تدعو الله بدعوة الحسين عليه السلام “فخذ منا حتى ترضى”؟!
وكيف لرجال أن تخشى من يزيد تجسد بتحالف عدواني خيرها دعي ابن دعي فيه بين السلة والذلة وأسمعته ردها مراراً وتكراراً بعبارة الحسين “هيهات منا الذلة” يأبى لنا الله ذلك ويأبى لنا رسوله ويأبى لنا المؤمنون؟!
وكيف لشعب يقف موقف الإمام الحسين عليه السلام أن يرضخ لأمم مستكبرة تقف موقف يزيد وهو يحب التضحية كما يحب أعداؤهم الحياة.
وكيف لقوم يحتزمون العزة ويتتوجون الكرامة ويقسمون قَسَمَ الإمام الحسين عليه السلام لجيش يزيد “واللهِ لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد” أن يخنعوا لجيوش العالم أجمع.
وكيف لقوم يؤمنون بأن الموتَ خير من العار والعار أولى من دخول النار أن يستكينوا للمستكبرين في الأرض؟
وكيف لقوم يؤمنون أن الموت في عز خيرٌ من الحياة في ذل أن يهنوا؟
وكيف لقوم يأبون حياة الذل وشعارهم في الحياة “من أحب الحياة عاش ذليلاً” أن يقبلوا بعيش العبيد تحت أقدام الجبابرة والمستكبرين؟
تلك هي ثقافة الإمام الحسين التي صقلت الهُــوِيَّة اليمانية للشرفاء الأحرار، وزكت نفوسهم وطهرت أفئدتهم، وأعادتهم إلى صفتهم ووصفهم أنصار الله في القرن الواحد والعشرين، وبها تحصنوا وعلى نهجها ساروا ويسيرون رافعين هاماتهم بشموخ حيدري وإباء حسني وثبات حسيني، من معينها نهلوا، ومن عذب زلالها ارتووا وبقوة بأسها وصلابة مراسها تحصنوا، سلحتهم بالإيمان وعززتهم باليقين، فصاروا لعهد الله حافظين، ومضوا عليه صادقين فمنهم من قضى نحبه في مواجهة العدوان اليزيدي ومنهم من ينتظر مترصداً له ومواجهاً لجبروته وثابتاً أمام صلفه بعزيمة لا تتضعضع وبإرادَة لا تلين حتى يتحقّق النصر المبين بإذن الله الملك الحق المبين.