ما بين حلم وصبر المجاهدين، ونزق وتعنت المرتزقة والعدوان، مرهون مصير المدينة ، كانت وما زالت مارب هي المفتاح وبدونها لا وجود ليمن موحد وقوي ، كيف ذلك وهي الكلمة الأولى في اللقب الملكي العظيم : ملك (سبأ) وذو ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم في الطود وتهامة ، وبين إرث المكاربة وعزم حنشان الظمأ تكمن المقاربة ، مارب هي الوتر الحساس ، فكلما تحفز أنصار الله انفتحت حنفيات البكاء واشتغلت أسطوانة العواء : السلام .. النازحين .. المفاوضات ..الخ ، كيف لا ومارب (أكرر مرة أخرى) هي المفتاح ومن خلفها ينبثق المدى ، ولو حدث هذا قبل ألفي سنة لحدثت نفس النتيجة ، وضج العالم القديم : أوقفوا القتال ولا تهددوا سلامة القوافل ، أمِّنوا طرق التجارة ، لا تتسببوا بقطع إمدادات البخور فتخرس الصلوات في كل معابد الشرق القديم ..إلخ .
من هنا وعلى أضلاع مثلث مفازة (صيهد) نشأت أرقى وأقوى حواضر اليمن القديم ، وكلها مترابطة مع بعضها ، فعلى رأس المثلث الشمالي الغربي قامت حاضرة سبأ ، ولولاها لتمنعت (تمنع) عاصمة قتبان على ضلعه الجنوبي الغربي عن ممارسة التجارة ولما انتجت واحداً من أرقى تشريعات الشرق القديم التجارية (قانون سوق شمر) الشهير ، ولما تغولت حضرموت في التجارة وأفحشت في الثراء ونشأت وازدهرت عاصمتها (شبوة) مدينة أبواب الذهب وأغنى مدن الأرض على ضلع مثلث المفازة الجنوبي الشرقي ، فكل هذا النسيج الحضاري البالغ الرقي مترابط أشد الترابط منذ فجر التاريخ ، ومارب دائماً هي المفتاح . ما بين صدفي سدها العظيم يدمدم سيل العرم مرة أخرى ليجرف الغزاة ويحمل إلى (رملة السبعتين) الخير والخصب والنماء، ويعيد بعث حواضرها المطمورة تحت الرمال من جديد، ثم يعيد للقب الملكي اليمني الطويل والشهير اعتباره وهو الضامن الأكبر لوحدة وعزة وقوة اليمن ، وما بين (السد) و(الجوبة) ثمة وعد ينتظر التحقيق ونصر يوشك أن يُزف .
مارب إذن هي البداية وهي النهاية ، هذه العروس البدوية تنتظر أن يخطمها الفرسان ، فكل غزوات الغزاة عبر التاريخ على أسوارها تكسرت واندحر الرومان، وما أدراك ما الرومان في 24 ق.م ، تشتتوا وذابوا في صحاريها ذوبان الملح في الماء ، ولمرتزقة العدوان في دليل تلك الحملة الخائن (صالح النبطي) عبرة كبيرة ، فلا يكاد يذكره التاريخ إلا في أسفار العار ، ولحاضرة سبأ مع فتية الأنصار موعد لن يخلفوه بإذن الله ، وكما كانت عودتها فاتحة خير على اليمن وانبعاث جديد للحضارة اليمنية وقيام مملكة حمير الموحدة قروناً طويلة وكما عبر إليها الريدانيون سوف يعبر المجاهدون .