تكاد لا تخلو كل منطقة من تراثها وعاداتها وتقاليدها الخاصة: حماية التراث وتوثيقه مهمة مشتركة يضطلع بها المجتمع
خليل المعلمي
بلادنا غنية بالتراث المادي وغير المادي، ولها من الموروث الثقافي والفلكلور الشعبي ما يجعلها تتصدر الدول حضاريا وثقافيا واجتماعيا، وما ينقصنا هو البحث والتنقيب والتوثيق لهذا التراث ومواجهة عمليات محوه وتجاهله ونسيانه مع تطورات الحياة الحديثة والعصرية.
وتكاد لا تخلو كل منطقة من تراثها الخاص وعاداتها وتقاليدها وأهازيجها ومعمارها وكل تفاصيل حياتها، ولاتزال الكثير من تلك المكونات صامدة أمام تطورات العصر وتقلباته، وأصبح الحفاظ على مكونات التراث المادي وغير المادي من مهمة الجميع، وذلك عن طريق الاستمرار في توارث العادات والتقاليد وإيصالها إلى الأجيال المتعاقبة، ويبقى الهم الأكبر في توثيق هذا التراث وحفظه وهناك قلة ممن يبحثون في مكنونات هذا التراث المتعدد والمنتشر على كل شبر من بلادنا، بجهود شخصية يقومون بتوثيقه مع غياب الدور الرسمي في ظل الظروف التي نعيشها.
تراث متعدد
وهناك العديد من المهتمين في هذا المجال من مختلف المناطق اليمنية باعتبار هذا التراث متعدد ومتنوع ومنتشر في جميع أرجاء البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وبجهود مشهودة يقوم هؤلاء الباحثون بحسب إمكانياتهم وبجهودهم المتواضعة بجمع ما أمكنهم من مواد هذا التراث وتوثيقه وشرح مفرداته، وتقديمه للقارئ والمهتم بطريقة واضحة ومناسبة.
الأديب والباحث يحيى محمد جحاف، أحد الباحثين في مجال التراث وتوثيقه خاصة في محافظة حجة، له عدد من الإصدارات الهامة في هذا المجال، وهي: (العادات والتقاليد في حجة)، (الأسواق الشعبية في اليمن)، (الأدب الشعبي في محافظة حجة)، (القرية اليمنية ثقافتها وتقاليدها).
يؤكد الباحث يحيى جحاف أن التراث اليمني يتميز بأصالته العظيمة التي مثلها الإنسان على امتداد عصور التاريخ بخصوصيته المتميزة عن الآخر وهذا التميز قد نجده بين قرية وأخرى أحيانا، لكن المضمون يبقى واحداً، ولكل بلد خصوصيته المميزة له عن الآخر وهذا التراث شاهد حي على جمال هذا الإنسان وما كان يمتلكه من قدرات إبداعية.
ويقول: معروف عن التراث اليمني أنه متعدد ويحمل خصوصية ممتدة لحقب تاريخية مختلفة، هذه الخصوصية الفريدة قامت على التفرد والتنوع في الأداء والألحان والحركة حتى تكاد كل محافظة تنفرد لذاتها في أناشيدها وأهازيجها ومهايدها .. وإلخ، وكل هذه الألوان هي تجسيد حي لكل ما يتعلق بحياتهم اليومية، وهي نتاج عوامل زمنية وتجربة حياة أوجدتها، وفيها كل ما يتعلق بأمورهم وأحوالهم ودروسهم المستفادة التي نقلوها للأجيال المتعاقبة..
ولهذا علينا أن ندرك أن التراث الحضاري والموروث الإنساني وتنوعه دليل على أصالة الأمة وعراقتها التاريخية، ولا تقاس عظمة الشعوب إلا من خلال ما تتركه لأجيالها من موروث إنساني باعتباره ملك الإنسانية جمعاء، فهذه العوامل جعلت من الباحث يحيى جحاف يهتم بهذا الاتجاه، ناهيك عن التنوع والتميز في مختلف ملامح الحياة.
تهديدات ومخاطر
هناك العديد من العوامل التي تهدد التراث اليمني، يوجزها الباحث جحاف بقوله: هناك العديد من العوامل التي تهدد التراث اليمني من الاندثار ومع مرور الوقت يصبح في خبر كان، ومنها غياب التوثيق، وكذا عدم الممارسة لمكونات التراث سواء الأزياء أو الأهازيج، أو غيرها، كون الناس يتناقلونها في الذاكرة عند قيامهم بممارسة الأعمال والدليل أنهم لا يعرفون من قائلها، ويحفظها جيل عن جيل وهكذا ونتيجة ترك الكثير من الأعمال التي كانوا يمارسونها أصبحت تحتضر.
أما الحفاظ عليها فلن يكون إلا باهتمام الهيئات والمؤسسات الحكومية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني بالتوثيق والمسح الميداني لكل منطقة كون الجهود الفردية لا تفي بالغرض، فلايزال التراث اليمني مهملاً ولم يعط حقه في الدراسات الأكاديمية والبحث العلمي وهذا ملموس وحاصل في الواقع.
ويؤكد أن وزارة الثقافة هي المعني الأول للقيام بهذا الدور، يليها الجامعات التي تكرر المخرجات ذاتها منذ تأسيس أول جامعة في صنعاء في السبعينيات، والجامعات الأخرى لم تغير شيئاً بل تحذو حذوها على رغم من كثرتها وانتشارها على امتداد مساحة الوطن وبتضافر جهود كل هذه المسميات نستطيع الحفاظ على هذا الموروث.
فالجامعات اليمنية لم تؤدِ دورها المطلوب في كثير من القضايا ومخرجاتها متواضعة، أما الباحثون فدورهم لا شك استثنائي لعدم القدرة على تمويل هذه المشاريع التي لا يمكن القيام بها إلاّ من خلال تبني المؤسسات والجهات الرسمية لهم بالتمويل والدعم.
عمل شاق
الباحث يحيى جحاف هو أحد أبناء محافظة حجة وقد قام بعمل وجهد في توثيق العادات والتقاليد في هذه المحافظة، يقول عنها: تتميز حجة بجغرافيتها المتنوعة الأمر الذي جعلها تتميز في أشياء كثيرة عن المحافظات الأخرى في التضاريس والمناخ والجغرافيا الأمر الذي جعلها تحمل خصوصية الجبل والسهل والساحل في تراثها البديع.
ويشير الباحث يحيى جحاف إلى أن العمل في توثيق التراث عمل شاق ويحتاج إلى إرادة وإصرار وصبر من أجل الوصول إلى الغاية التي يتم رسمها، كونها تكلف جهداً ومالاً وهذا كله لا يتم إلا من خلال النزول الميداني والالتقاء بكبار السن والمعمرين وإجراء اللقاءات معهم وقد أصبحوا قلة ومناطقهم متناثرة بين الجبل والسهل والساحل، وتخيل أن هذا الأمر قائم بجهد وإمكانيات شخصية دون مساعدة من أحد.
الأسواق الشعبية
وعن كتابه الأسواق الشعبية في اليمن يقول: لقد جعل العرب الأسواق ملتقى بل ظاهرة ثقافية تلقى فيها قصائدهم العصماء، ومن ثم يتناقلها الناس عن بعضهم البعض، وتنتشر في أرجاء المعمورة وكانت لهذه الأسواق ضوابطها وقوانينها، فلا عدوان فيها على أحد، واليمن بلد يضرب جذوره في أعماق التاريخ عرف التجارة والأسواق من وقت مبكر وتنقل بتجارته، وسن في أسواقه قوانين ونظم منها قانون سبأ، وقانون لدولة قتبان وهذه القوانين تخص الأسواق وطريقة البيع والشراء، وتعتبر الأسواق اليمنية امتداداً لتلك الأسواق في تقسيماتها ونظمها إذا أخذنا الفارق الزمني ومحتويات الكتاب تظهر هذه الأشياء الغائبة عن الكثير من الناس من قبل الإسلام وحتى الوقت الحاضر.
وعن استهداف هذه الأسواق من قبل قوى العدوان يقول: لقد تعرضت معظم الأسواق اليمنية للعدوان الذي بدأ في 26 /3/ 2015م، والذي لم يُراع فيه لا أخلاق ولا قيم ولا دين ولا عادات ولا تقاليد عربية وإسلامية، فقاموا بتدمير كل شيء دون استثناء، ومنها المجازر التي ارتكبت ضد المتسوقين والباعة، بل ظلت جميع الأسواق ضمن الأهداف العسكرية وفي الأشهر الحرم التي حرم العرب في جاهليتهم وإسلامهم القتل والاقتتال فيها خدمة للمشاريع التدميرية ضد الأمة، لقد قصف هذا العدوان الوحشي كل جميل في اليمن ولازال مع الأسف حتى اليوم يتمادى في وحشيته وعدوانه..
ولا بد من المشاركة في الحفاظ على هذا التراث وعلينا استشعار المسؤولية تجاه ذلك وتسليمه إلى الأجيال القادمة، ولهذا فواجب الجميع الاهتمام بكل مكونات التراث، والعمل على الحفاظ على هذا الإرث وتشجيع الأسر على الاستمرار في إنتاج الشيء اليسير مما تتطلبه السوق المحلية والحد من استيراد الأشياء التي ليس لنا حاجة إليها.
تصوير/حامد فؤاد