لقد ارتبط أهل اليمن بالإمام علي- عليه السلام، بعلاقة جهادية إيمانية منذ بداية الإسلام، فقد سطر اليمنيون أروع الملاحم البطولية تحت لواء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قاتلوا معه في الخندق وأُحد والنهروان وصفين ويوم الجمل، حيث يستمر جهادهم إلى اليوم . وكان مالك الأشتر وعمار بن ياسر يلازمان الإمام علي كظله يجاهدان تحت رايته ويذودان عنه .
علاقة تاريخية متجذرة ربطت اليمانيين بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي تباهى بهذه العلاقة والتولي الذي جسده اليمنيون تجاهه، وهو القائل في قصيدة شهيرة له مثنيا على قبائل همدان :(ولو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام).الثورة/ محمد شرف
تذكر كتب التاريخ مواقف قوية ومؤثرة لليمنيين مع الإمام علي منذ اليوم الأول لمبايعته بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان بالمدينة المنورة سنة 35 للهجرة . كما سُجل لليمنيين دور بارز وكبير في معارك الجمل وصفين والنهروان، بحيث أن من بين 35 قائداً من قادة الإمام علي عليه السلام في معركة الجمل، 13 قائداً من أصل يمني، وقتال 800 فارس من قبيلة همدان اليمنية تحت لواء الإمام علي في معركة صفين .
لقد حظي اليمنيون بمكانة عظيمة لدى أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقد أرسل منهم في ولايته 37 رجلاً إلى الأقاليم المختلفة في المجتمع الإسلامي، توزعوا ما بين إيران والعراق والجزيرة العربية وبلاد الشام، مما يدل على صدقهم وحب وثقة الإمام بهم.
اليمنيون والإمام علي
وفقاً للمؤرخين؛ فقد بدأت علاقة اليمنيين بالإمام علي عليه السلام، من خلال بعثات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام إلى اليمن، لدعوتهم إلى الإسلام، وتفقيههم في تعاليم دينهم، وإصلاح وتنظيم أحوالهم، والتي بلغت أكثر من أربع بعثات، شملت همدان ومذحج وزبيد ونجران وغيرها، ولا زال مسجد الإمام علي بسوق الحلقة في صنعاء القديمة ومحرابه بالجامع الكبير، شاهداً على دوره الريادي في نشر تعاليم الدين الإسلامي في أوساط اليمنيين.
وكذا تعريف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفود القبائل اليمنية المتقاطرة على المدينة المنورة، بمكانة وفضل الإمام علي عليه السلام وسابقته في الدين وما نزل فيه من آيات الذكر الحكيم. بالإضافة إلى شهود بعض وفود القبائل اليمنية حجّة الوداع، وواقعة غدير خمّ الشهيرة في السنة العاشرة للهجرة، وخطبة رسول الله عن ولاية الإمام علي عليه السلام بأمر العلي القدير.
وازدادت هذه المعرفة عمقاً بعد مبايعة الإمام علي عليه السلام في سنة 35 هجرية لخلافة المسلمين، وما تلاها من أحداث ومآس ونوازل على أهل البيت عليهم السلام، بدءاً بشهيد المحراب الإمام علي ومروراً بشهيد كربلاء الإمام الحسين بن علي وشهيد الكُناسة الإمام زيد بن علي بن الحسين، وانتهاءً بالشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي، كان اليمنيون أحد أهم فصولها والفاعل الرئيسي في أحداثها، مناصرين ومحامين وذائدين ومدافعين.(اليمنيون في موكب وليد الكعبة- شبكة النبأ المعلوماتية).
الإمام علي : همدان درعي ورمحي
لقد كان للقبيلة اليمنية دور كبير في نصرة أهل البيت عليهم السلام، حيث يورد الشيخ “أصغر منتظر” في كتابه “أثر القبائل اليمنية في نُصرة أهل البيت عليهم السلام في القرن الهجري الأول” – وهو عبارة عن رسالة ماجستير – الكثير من المواقف عن مكانة الإمام علي- عليه السلام، عند اليمنيين، ومكانتهم عند الإمام علي، وأثرهم في تشكيل وظهور التشيع، ودورهم في مبايعة ومناصرة الإمام علي “ع”، ومشاركته في كل المعارك التي خاضها، مؤكداً بأن لهم مواقف قوية ومؤثرة منذ اليوم الأول لمبايعة الإمام علي بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان بالمدينة المنورة سنة 35 للهجرة، حيث بلغ عدد المبايعين من اليمنيين 40 شخصاً في حين لم يتجاوز عدد المبايعين من النزاريين “القرشيين” 17 رجلاً.
وفي هذا دلالة على المكانة الرفيعة للإمام علي لدى اليمنيين، وهي امتداد لما لقيه عليه السلام من حفاوة لدى الهمدانيين عندما أتاهم داعياً للإسلام، فأسلموا جميعاً حباً وطواعية، وكانوا منذ رحيل الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم، ميالين للإمام عليً، وبعد مقتل عثمان أرسلوا وفداً من أكابرهم إلى المدينة المنورة لمبايعة الإمام علي والتعبير عن سرورهم بولايته.
ولعظيم مكانتهم لدى الإمام علي عليه السلام؛ أرسل منهم في ولايته 37 رجلاً إلى الأقاليم المختلفة في المجتمع الإسلامي، توزعوا ما بين إيران والعراق والجزيرة العربية وبلاد الشام، مما يدل على سلطتهم التي تزيد كثيراً عن نسبة الوجود العدناني “القيسي”.
وفي معارك الجمل وصفين والنهروان، يظهر لليمنيين الأثر البارز، بحيث أن من بين 35 قائداً من قادة الإمام علي عليه السلام في معركة الجمل، 13 قائداً من أصل يمني، و18 من أصل نزاري “عدناني”.(القبائل اليمنية في نصرة الإسلام – الثورة نت).
ومما يفتخر به اليمنيون، شنهم في حرب صفين حملة واسعة بقيادة مالك الأشتر النخعي اليماني على جيش الخصم، شارك فيها من أبناء قبيلة همدان اليمنية 800 فارس، وثبتوا في المعركة حتى استشهد منهم 180.
ومما يفتخر به اليمنيون في معركة صفين استشهاد الصحابي الجليل عمار بن ياسر العنسي المذحجي اليماني وبعض الأصحاب من اليمنيين، ويُعَدُّ استشهاده رضي الله عنه دليلاً على كون الإمام علي عليه السلام إمام “الفئة العادلة”، ومعاوية إمام “الفئة الباغية”، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” عمار مُلئ إيماناً من رأسه إلى أخمص قدميه وستقتله الفئة الباغية”، وكان عمار يومها يقاتل في صف الإمام علي عليه السلام .
وممن استشهد من اليمنيين إلى جانب عمار من القادة الكبار، والذين كان لاستشهادهم أثر بالغ في إضعاف موقف الإمام علي عليه السلام، خزيمة بن ثابت وعبدالله بن بديل الخزاعي وأبو الهيثم بن التيهان.
وفي همدان يقول الإمام علي عليه السلام، كما يروي العلامة الحُجة “مجدالدين بن محمد المؤيدي” في كتابه “التحف شرح الزلف”: “يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي، وما نصرتم إلا الله ورسوله، وما أجبتم غيره”.
ومن ذلك قصيدته الغراء- سلام الله عليه، التي قلّد فيها قبائل اليمن في معركة صفين، كما يذكر المؤرخون “وسام الفخر” إلى يوم القيامة:
ولما رأيتُ الخيل تقرع بالقنى .. فوارسها حُمرُ النحور دوامي
ونادى ابنُ هند في الكلاع ويحصب .. وكندة في لخم وحي جذام
تيمَّمتُ همدان الذين هُمُ هُم .. إذا ناب أمرٌ جُنّتي وسهامي
فناديتُ فيهم دعوةً فأجابني .. فوارسُ من همدان غير لئام
فوارس ليسوا في الحروب بُعزَّلٍ .. غَداة الوغى من شاكر وشبام
ومن أرحب الشُم المطاعين بالقنى .. ونهم وأحياء السبيع ويام
ووادعة الأبطال يخشى مصالها .. بكل صقيل في الأكُفِ حسام
ومن كل حيٍ قد أتتني فوارسٌ .. كِرامٌ لدى الهيجاء أي كرام.
الى أن قال سلام الله عليه:
جزى الله همدان الجنان فإنهم .. سمام العدا في كل يوم سمام
لهم تُعرفُ الرايات عند اختلافها .. وهم بدأوا للناس كلَّ لحام
رجالٌ يحبّون النبي ورهطه .. لهم سالفٌ في الدهر غير أيام
همُ نصرونا والسيوف كأنها .. حريقٌ تلَظَّى في هشيم ثُمام
لهمدان أخلاقٌ ودينٌ يُزينُها .. وبأسٌ إذا لقوا وحدُّ خِصام
وجدٌّ وصدقٌ في الحديث ونجدةٌ .. وعلمٌ إذا قالوا وطيبُ كلام
فلو كنت بوَّاباً على باب جنة .. لقلت لهمدان ادخلوا بسلام.
عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر النخعي اليماني
ومن روائع رسائل الإمام علي عليه السلام إلى ولاته، عهده إلى مالك الأشتر النخعي اليماني عندما ولاه مصر. فهو عهد في كيفية إدارة الدولة وسياسة الحكومة ومراعاة حقوق الشعب وفيه نظريات الإسلام في الحاكم والحكومة ومناهج الدين في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والحرب والإدارة والأُمور العبادية والقضائية.
ومن عهده عليه السلام يقول :(وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك ! وقد استكفاك أمرهم ، وابتلاك بهم).
ووفقا لموسوعة ويكيبيديا؛ فقد أعتُمِد العهد في الأمم المتحدة كونه من أوائل العهود الحقوقية والتي تحدد الحقوق الواجبات بين الدولة والشعب؛ هذا العهد وصل إلى أذن الأمين العام للأُمم المتحدة عبر زوجته السويدية، وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة: إنّ هذه العبارة من العهد يجب أن تعلّق على كلّ المؤسسات الحقوقية في العالم، والعبارة هي : “وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق”، وهذه العبارة جعلت كوفي عنان ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية عهد الإمام لمالك الأشتر، وترشيحه لكي يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على كون عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي وقد تمّ بعد ذلك إضافة فقرات أُخرى من نهج البلاغة غير عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كمصادر للقانون الدولي.
اليمنيون يُقاتلون تحت راية الإمام الحسين في كربلاء
لقد كان اليمنيون من أنصار الإمام الحسين كما كانوا من أنصار الإمام علي عليه السلام واحتضنوا ذرية الإمام وناصروهم وكتب التاريخ تشهد بذلك .
برير بن خضير الهمداني، هو أحد أصحاب الحسين الذين قتلوا معه في كربلاء وكان قارئًا ومعلمًا للقرآن ،وينتمي لقبيلة همدان، يعتبر برير من التابعين وعرف بسيد القراء، وكان يكثر من قراءة القرآن والعبادة في مسجد الكوفة، وله منزلة مرموقة في قبيلة همدان وعند أهل الكوفة بعد أن خطب فيهم الإمام الحسين في يوم عاشوراء قال برير :-
لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، تقطع فيك أعضاؤنا ، حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا لنا ، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم ، وويل لهم ماذا يلقون به الله ، وأف لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم .
هذا كلام برير الهمداني اليمني- سلام الله عليه- وهناك غيره الكثير، فمنهم نعيم بن عجلان الأنصاري وسوار بن منعم الهمداني وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي وأبو عبدالله الحضرمي وأبو الحتوف بن الحارث الأنصاري وجناده بن كعب الأنصاري وعمير بن عبدالله المذحجي وجندب بن حجير الخولاني وعمرو بن الأحدوث الحضرمي وجنادة بن كعب الأنصاري وعمرو بن عبدالله الهمداني وغيرهم كثير ولكل واحد من هؤلاء الشهداء الأبرار موقف سجله التاريخ وفشلت كل المحاولات المتعددة لتغييب كربلاء وأبطالها من ذاكرة التاريخ (يمانيون حول الإمام الحسين).