فـي “جبــل القلعــة” بعمـان نمـوذج ناجــح للصناعــة السياحيــة
إستطلاع/ عبدالناصر الهلالى
“إيه ده.. شوية حجارة وقالوا آثار” صحفية مصرية كانت تسخر من الأعمدة الرومانية المنصوبة في جبل القلعة بوسط عمان.. كانت الزيارة إلى هناك في السادسة والنصف مساء.. في المكان الذي يتوسط مدينة عمان من الجهات الأربع لا تزال الآثار الرومانية شاهدة على وطأة الرومان في الزمن القديم لعمان وبعض المدن الأردنية كجرش حيث يوجد المسرح الروماني الذي لازال بكامل بنائه القديم.. يقع أسفل “جبل القلعة” مسرح روماني أيضا يلازمه على بعد أمتار مسجد الحسين في وسط البلد.
عندما كان المرشد السياحي يقدم للزائرين نبرة عن تاريخ المكان لم أجد مبررا للزميلة المصرية التي راحت تتهكم على تلك الآثار بوصفها “شوية حجارة”.. حتى إن كانت تلك الحجارة نقلت إلى هناك حديثا فهذا يدل على الاهتمام بصناعة السياحة في بلد رأس ماله الطاقة البشرية.
الأردن كما نعرف لا يوجد بها موارد ترفد الخزينة العامة للدولة بالأموال.. السياحة العلاجية والتاريخ كانت في تفاصيل الأماكن هي رأس مال الدولة في تلك اللحظات وغصبا عني ذهبت أتجول في تاريخ المكان في بلدي.. لا أعتقد أن تاريخا بتلك الآثار المبعثرة يوجد في دولة ما.. لكنها “رماد” اشتدت بها الرياح فجعلتها قاعا صفصفا.. مؤسف أن تكون الآثار اليمنية عرضة للنهب وطاردة للسائح.. مؤسف جدا أن تكون المقتنيات مالا سائبا كل يوم يعاد من مطار أو منفذ بري.
ماذا لو كانت الصحفية تلك وغيرها ممن كانوا في رحلة مسائية بجبل القلعة بعمان في زيارة لموقع سياحي يمني يفتقد لأبسط الخدمات المتوفرة هناك أكيد سيقولون أننا بدون تاريخ وكل ما نفعله هو مدح لزفة في الفراغ.. سيقولون أننا ننفخ في الرمل.. وسيكونون محقين في ذلك لأننا ببساطة رمينا بكل الحضارات التي بنيت على فترات التاريخ اليمني..لا يمكن المقارنة بين حضارة بنيت هنا وأخرى هناك.. لكل حضارة سبل مختلفة.. المقارنة التي تفرض علينا سردها هي في الاهتمام.
في جبل القلعة الذي تتراءى لك منه عمان المتلألئة بأضوائها في مختلف الجهات حيث يقع إلى الغرب عمان القديمة وإلى الشرق عمان الجديدة أو الحديثة لكل مدينة ضوء يأتي من التاريخ.. فقط يبقى الحفاظ على الضوء في عز النهار.. في الجبل ذاك توجد (الحمامات خمسة نجوم).. هذه خدمة ضرورية في مكان كذاك وفي قلعة القاهرة بتعز كمثل فقط لا تجد حماما.. نعم تجولت هناك قبل سنتين .. في الأماكن المخفية عن الأنظار.. آثار البراز مبعثر.. الناس يرفعون قمصانهم ويتبولون بجانب الجدران وما ينطبق على قلعة القاهرة ينطبق على معظم القلاع السياحية والقصور المترامية في عرض البلد وطولها اليمن متحف مفتوح.. مقولة حقيقية بالفعل مفتوح لكل أنوع النهب واللامبالاة والتعامل مع هذا المتحف كما لو أنه أماكن مسكونة بالجن.
في جبل القلعة.. الآثار التاريخية متواضعة.. بقايا أحجار لأعمدة قيل أنها كانت منصوبة على طول الجبل وهناك على بعد عشرة أمتارع يعرف أنه بقايا باب في وسط الجبل توجد عقود مبعثرة على مساحة الجبل.. الفكرة هنا تتجلى في وجود المرشدين السياحيين وقبل ذلك الاهتمام بالترميم حسب طبيعة المكان وتسلسلها التاريخي .. الله ما هذا الجمال المتسلل إلى القلوب وأنت على قمة ذاك الجبل فنتازيا تتطاير من المسرح الروماني الذي قيل لنا أنه يشهد عروضا حتى التاريخ.. إلى أعلى جبل القلعة الرائي إلى هناك يرتد إليه الجمال بخطف البصر وربما تعمد القائمون على السياحة هناك عدم توفير الأضواء المبهرة هناك لكي يتمكن الزائرون ليلا أن يشاهدوا المدنية ويستمتعوا بذاك الجمال الناضج باهتمام الجهات المسئولة في اليمن مئات المواقع السياحية ذات الطابع التاريخي.. لا تجد فيها سوى الحارس وعليك المشي كثيرا لكي تصل إلى موقع ما بسبب انعدام وسائل المواصلات الدائمة إلى تلك الأماكن.
الأمر ذاته يمكن قياسه على المواقع السياحية كما هو الحال في “ساحل أبين” بعدن.. كان الكورنيش هناك يضج بالناس.. والضوء.. وفي زيارتي الأخيرة للمكان في شهر سبتمبر العام الفائت لم تعد ترى سوى احتشاد الظلمة والخوف أكثر من منتصف الكورنيش أطلال.. أي عجرفة تلك في القائمين على السياحة بعدن واليمن عموما.. السياحة صناعة فقط كيف نفكر مليا في تلك الصناعة.. الإرادة ستفعل المستحيل .. جربوا.