بعد النصر الكبير الذي حققته المقاومة الفلسطينية في معركة “سيف القدس” ضد الاحتلال الصهيوني، ظهر وبشكل لافت حضور مواقع التواصل الاجتماعي في الأحداث منذ بدايتها في حي الشيخ جراح الذي انطلقت منه شرارة المواجهة الأخيرة بين الفلسطينيين والاحتلال، حيث اندلعت المواجهات بين الفلسطينيين أصحاب الأرض، ومستوطنين يهود تساندهم قوات الاحتلال، في حلقة جديدة من سلسلة التهجير القسري للمقدسيين، احتجاجات سلمية، لأيام متواصلة بدأت منذ نهاية الشهر الماضي، دفاعاً عن الأسر الفلسطينية المهددة بالتهجير، واجهته سلطات الاحتلال باعتداءات واعتقالات وأعمال عنف، وجدت طريقها إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها “فيسبوك” الذي انتفض مستخدموه في فلسطين وأبعد، لنُصرة أهالي الحي القديم المتشبثين بأرضهم، ثم تأتي أحداث اقتحام المسجد الأقصى من قبل مجموعات يهودية متطرفة تدعمها قوات الاحتلال الصهيوني لتزداد معها الانتفاضة الرقمية على شبكات التواصل الاجتماعي قبل أن يصطدم المستخدمون بـ”سياسات فيسبوك” والشبكات الأخرى.
مقاومة رقمية
انتقلت المعركة إلى غزة لتدخل صواريخ المقاومة إلى الساحة ويبدأ مسلسل الجرائم الصهيونية على الأحياء والمباني السكنية والبنية التحتية، وتتسع معها الاحتجاجات لتشمل كامل الأراضي الفلسطينية لتظهر للعالم وحدة القضية الفلسطينية وعالميتها التي ظهرت من خلال التفاعل الكبير في الواقع الافتراضي، حيث انتشرت الكثير من الهاشتاقات مثل “#انقذوا_حي_الشيخ_جراح”، بالعربية والإنجليزية، و”#المسجد_الأقصى” و”#غزة_تحت_القصف” و”#غزة_تنتصر”؛ التي لاقت تفاعلاً كبيراً من قبل مستخدمي شبكات التواصل، فخلال 15 يوماً منذ بداية أحداث اقتحام المسجد الأقصى، تخطّى عدد المتفاعلين مع الوسوم والكلمات الداعمة لفلسطين حاجز الـ146 مليون متفاعل، خاصة مع زيادة التفاعل مع اليوم الأول للقصف على غزة، الإثنين 10 مايو، على ما أظهر الرصد الذي أجراه موقع “مصراوي” لأبرز الوسوم المستخدمة لدعم فلسطين، باستخدام أداة Mediatoolkit، المتخصصة في تحليل بيانات مواقع التواصل الاجتماعي.
عنصرية فيسبوك
بعيداً عن الشعارات الزائفة التي تطلقها منصات التواصل الاجتماعي عن حرية التعبير، قيّد فيسبوك منشورات كثيرين وحذف منشورات لصحفيين وناشطين فلسطينيين وثّقوا اعتداءات جنود جيش الاحتلال على الفلسطينيين، وحجب وعلّق حسابات زاعماً أنها “تحمل خطابات كراهية وتحرض على العنف”، كذلك حجب رؤية محتوى الصفحات التي تحمل هاشتاقات داعمة للفلسطينيين.
إخفاء المحتوى الرقمي الفلسطيني ليس جديداً على فيسبوك؛ فقبل نحو عام، دشّن ناشطون داعمون للقضية الفلسطينية وسم “#فيسبوك_عنصري”، احتجاجاً على غلق الموقع عشرات الحسابات لناشطين وصحفيين فلسطينيين، وحذف منشورات تندد بجرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، والسبب -حسب فيسبوك- “مخالفة معايير النشر”، فيما رصد تقرير “هاشتاق فلسطين” الصادر عن مركز “حملة”، الذي يعمل على مناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية، أكثر من ألف انتهاك لحقوق الفلسطينيين الرقمية، في عام 2019م، نصيب الأسد منها كان لفيسبوك، بعدد انتهاكات بلغ 950.
قبل ذلك وتحديداً في عام 2016م استجابت شركتا التكنولوجيا العملاقتان، تويتر وجوجل، ومعهما فيسبوك لطلبات إسرائيلية لحذف المحتوى المناهض للدولة العبرية، وحسب تصريح لوزيرة العدل الإسرائيلية، حينها، إيليت شاكيد، فإن الشركات امتثلت لنحو 95 % من طلبات إسرائيل لحذف المحتوى، الذي كان معظمه فلسطينياُ، في حين وجد فريق مركز “حملة” في عام 2020م أن فيسبوك قد امتثل لـ 81 ٪ من طلبات إسرائيل لحذف المحتوى.
لكن الجديد هذه المرة هو الارتفاع الملحوظ في قمع المحتوى الفلسطيني، أو الداعم لأهلها، خاصة بعد أحداث حي الشيخ جراح، وهبّة القدس، وما تلى ذلك من تطورات وصلت إلى دخول صواريخ المقاومة الفلسطينية على خط الصراع، ليبدأ فصل جديد من العدوان على غزة؛ صاحب ذلك دعم غير مسبوق لفلسطين وأهلها على مواقع التواصل الاجتماعي، جاوز حدود فلسطين والمنطقة العربية،
بنسبة بلغت 36 %، جاء “تويتر” على رأس قائمة مواقع التواصل الاجتماعي من ناحية التفاعل، بينما سجل فيسبوك نسبة 7 % من إجمالي التفاعل على الوسوم، على ما أظهر رصد موقع “مصراوي”، كذلك ظهر استخدام الهاشتاقات باللغة الإنجليزية أكثر من استخدمها باللغة العربية بحسب ما أظهرته أداة Talkwalker.
حيل المستخدمين لخداع “الخوارزميات”
لجأ المستخدمون إلى حيل عديدة لمواجهة تضييق فيسبوك والانتصار لفلسطين، فمن ناحية استدعوا طريقة الكتابة القديمة للغة العربية من دون نقاط أو همزات في المنشورات التي نددت بالعدوان الصهيوني على قطاع غزة، هرباً من خوارزميات الموقع، ومرات أخرى وضعوا فواصل أو مسافات أو رموزاً في الكلمات المرتبطة بالقضية، خاصة تلك التي تتناول قصف غزة، والاعتداء على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح.
وللتصدي لهذه الحرب الإلكترونية ضد القضية الفلسطينية، لجأ المستخدمون العرب أو مستخدمو اللغة العربية إلى استعمال موقع “تجاوز”، أو موقع “س للرسم العربي القديم”، بالإضافة إلى تطبيق “اكتب”.
خفض تقييم فيسبوك
في منتصف الشهر الجاري، انطلقت حملة لخفض تقييم “فيسبوك” على متاجر التطبيقات الإلكترونية، اعتراضاً على سياسات الموقع ضد المحتوى الداعم لفلسطين، حيث شارك عشرات الملايين في الحملة، لينخفض التقييم على “جوجل بلاي” في خلال يومين من 4.7 إلى 3، في حين تراجع كذلك على “أبل ستور” ليصل إلى 1.9 بدلاً من 4.
وعلى مدار الأيام التالية، استمرت الحملة، واستمر خفض التقييم، ليصل حتى كتابة التقرير إلى 2.4 على “جوجل بلاي”، فيما وصل إلى 1.2 على “أبل ستور”، ويرى متخصصون أن الحملة سيكون لها تأثير على المدى القريب، ونتيجتها ستكون أداة ضغط لسرعة تطوير الموقع وتعديل سياساته.
الجدل الكبير الذي أحدثه فيسبوك وخوارزمياته وسياساته ضد المحتوى الداعم لفلسطين، أجبر الشركة على تقديم اعتذار رسمي، إلى السفارة الفلسطينية في لندن، أعلنت فيه نيتها “تصحيح الأخطاء واحترام حق التعبير”، وأعلنت تواصلها مع المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين لبحث ما وصفته بـ”خطاب الكراهية، والتحريض على العنف على المنصة، في ظل الأزمة الحالية”.
لاحقاً، في التاسع عشر من مايو، أعلنت الشركة تأسيسها “مركز عمليات خاصة” على مدار اليوم للتعامل مع المحتوى المنشور على منصتها بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومعالجة أي أخطاء في ظل الصراع الدائر، بهدف “مراقبة الموقف عن كثب حتى نتمكن من إزالة المحتوى الذي ينتهك معايير مجتمعنا بشكل أسرع مع معالجة الأخطاء المحتملة في التطبيق”، على ما قالت مونيكا بيكرت، نائبة رئيس سياسة المحتوى في فيسبوك.
لقد وضع “فيسبوك” نفسه في مرمى نيران النقد، بمحاولات تقييده للمحتوى الداعم لفلسطين، في الوقت الذي لم يرسل فيه الموقع الشهير إشعارات “البقاء آمناً” –التي يتيحها في أماكن وقوع أزمات- لمستخدميه في غزة “لماذا لم يرسل فيسبوك إشعاراً إلى الشّعب الفلسطيني ليحدّد نفسه بأمان مثل أيّ حادث أو كارثة أُخرى؟”، على ما كتب، متسائلاً بتعجب، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في تدوينة على موقع “تويتر”.
حيث وضعت الحرب أوزارها، بعد أيام من العدوان على قطاع غزة. صعّدت فيها إسرائيل قصفها، استهدفت مباني وأبراج القطاع وبيته التحتية، اتسع حجم الدمار، وفقد 232 شخصاً حياتهم، بينهم 65 طفلاً، و39 سيدة، و17 مسناً، ارتقوا شهداء في جولة جديدة من جولات الصمود والمقاومة، فيما لاقت القضية الفلسطينية دعماً غير محدود بامتداد العالم كله، صدم إسرائيل التي تلطخت سمعتها، ووجدت نفسها أمام إدانة لجرائمها من قبل مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.