تراجع النمو في الإنتاج الزراعي إلى 2% يمثل خطراً على الاستقرار الاقتصادي
الاكتفاء الذاتي من الغذاء ضرورة ملحة لدعم استقلال القرار السياسي والسيادي لليمن
اليمن يستورد حوالي 3 ملايين ونصف مليون طن من الحبوب سنوياً بمبلغ يزيد عن ملياري دولار
القمح يمثل 40% من المنتجات المستوردة و37% مواد غذائية وصناعية، فيما تمثل الأصناف الأخرى 10%
الاهتمام باستراتيجيات التنمية الزراعية وتبني ثورة زراعية على كافة المستويات تعد أولوية وطنية هامة وعاجلة
أكد السيد القائد في المحاضرة الرمضانية الثانية والعشرون أن الاهتمام بالزراعة والإنتاج المحلي من الغذاء يعد من الضروريات والإستراتيجيات المهمة حتى نحقق الاكتفاء الذاتي والاستقلال من التبعية الخارجية في غذائنا لاسيما وأن هناك تكاملاً في كل العناصر اللازمة لتحقيق النهضة الاقتصادية في القطاع الزراعي من الأراضي الشاسعة والمياة وتعدد بيئة المناخ وغيرها من العناصر اللازمة لتحقيق نهضة زراعية متكاملة ، ويعد الاكتفاء الذاتي ضرورة ملحة لنا في اليمن لتعزيز الاعتماد على النفس وتطوير الإمكانات الذاتية، والتقليل في المقابل من الاعتماد على الخارج. وذلك مما يدعم استقلالية القرار السياسي والسيادي الوطني أمام الدول الأجنبية، ويحد من التأثيرات وبعض السلوكيات التي قد تمارسها الدول المصدرة لبعض الأغذية الإستراتيجية (القمح نموذجا) في إطار التفاوض حول مصالحها أو مصالح حلفائها.
الثورة / أحمد المالكي
ونحن في اليمن الآن نمر بمرحلة صعبة بسبب عدوان جائر لأكثر من 6 سنوات وحصار مطبق على كافة المستويات الأمر الذي يستوجب العمل بكل ما نستطيع للوصول إلى الاكتفاء الذاتي كأحد مقومات الأمن القومي. وفي هذا السياق، يُشير الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي أيضا إلى توافر المقومات الأساسية لتحقيق التنمية الزراعية، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي الغذائي، لاسيَّما وأن اليمن يمتلك كامل المؤهلات الطبيعية للإنتاج الزراعي، وبما يؤهله لتحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من السلع الغذائية، ومرّد ذلك الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة، والتي بمقدورها إنتاج كل الحاجات الأساسية من الغذاء، وتحديداً الحبوب والمحاصيل النقدية، حيث قال ” اليمن يكفي – لو زُرع – لليمن ولغير اليمن “.
أهم القطاعات
ومن المؤكد وفقا للدراسات الاقتصادية أن الزراعة هي واحدة من أهم قطاعات الاقتصاد الوطني اليمني. وتمثل هذه النسبة نحو 15 % من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 40 % من مجموع القوة العاملة في البلد، وتلبي في الوقت نفسه جزءا من احتياجات السكان من الغذاء وتسهم في الحد من انتشار الفقر خاصة في المناطق الريفية. كما يمثل القطاع الزراعي جزءا كبيرا من الصادرات المحلية غير النفطية، ويوفر إنتاجا زراعيا ذات حيوية مستمرة. وتصنف اليمن من ضمن الدول التي تندر للمياه فيها وتعتمد على مياه الأمطار التي تتراوح بين 50 – 250 ملم/ سنوياً في المناطق الشرقية والساحلية، و 1200 ملم / سنويا في المرتفعات الجنوبية والغربية. وتعد الزراعة الموسمية الممارسة الثقافية السائدة، التي تؤثر على ما يقرب من 50 % من الأراضي المزروعة.
خطر
ويمثل تراجع الإنتاج الزراعي الذي بلغ معدل النمو فيه 2 % فقط مع نمو سكاني يقدر بـ 3.5 % خطراً على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في اليمن حيث يمثل النمو في هذا القطاع نسبة أقل من نسبة الزيادة السكانية مما يعني وجود فجوة بين النمو السكاني والزراعي وعلى اعتبار أن قطاع الزراعة هو القطاع الأساسي الذي لا يتأثر بالتقلبات والعوامل الخارجية كما هو علية الحال في المصادر الاقتصادية الأخرى كالنفط والسياحة وغيرها إلا أن النمو في هذا القطاع يعد منخفض جدا كمؤشر لمخاطر اقتصادية حقيقية ويعمل على زيادة نسبة الفقر والمجاعة بين السكان.
وعلى الرغم من المساعي الرامية إلى تعزيز حالة الأمن الغذائي من خلال الإنتاج الغذائي المحلي، لا تزال البلدان العربية على المستوى القطري ودون الإقليمي والإقليمي إلى حد كبير مستوردة للأغذية، خاصة فيما يتعلق بالحبوب، وهي السلعة الغذائية الأساسية الرئيسية في المنطقة. ولهذا فإن الاعتماد الكبير على الواردات الغذائية يعرّض البلدان العربية لضعف سلاسل الإمداد الغذائي وتقلب أسعار المواد الغذائية، كما يتضح من الأحداث العكسية وعواقب أزمة الغذاء العالمية 2008.
استيراد
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى ان اليمن يستورد حوالي 3 ملايين ونصف مليون طن من الحبوب سنوياً بمبلغ يزيد عن ملياري دولار، ويمثل القمح 40 % من المنتجات المستوردة و37 % مواد غذائية وصناعية، فيما تمثل الأصناف الزراعية كالبقوليات وغيرها 10 %، بينما بلغ عدد الأصناف الزراعية المستوردة 896 صنفاً زراعياً، وهو ما يمثل 90 % من الاحتياجات الزراعية، رغم أن اليمن بلد زراعي ولها تاريخ في هذا الجانب. و بالمجمل استهلك اليمن نحو 3,5 مليون طن من الحبوب، أنتج منها 100 ألف طن فقط، بما نسبته 3 % وهي نسبة ضئيلة جداً، مع الآخذ في الاعتبار استمرار تزايد النمو السكاني بما يفوق 3% سنوياً. ووفقا لإحصائيات عام 2017 استورد اليمن نحو 3 مليون طن من القمح، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلى 7 %. ومن أبرز المحاصيل الزراعية في اليمن: الدخن والذرة والقمح والمانجو والموز والبابايا والبطيخ والرمان والبرتقال والليمون والكمثرى والتفاح والخوخ والعنب والبن وغيرها من المنتجات الزراعية المتعددة المتنوعة.
أسباب ضعف الزراعة
وتشير الدراسات الاقتصادية الحديثة إلى ان أسباب ضعف الزراعة والإنتاج الزراعي في اليمن يعزى إلى الهجرة الداخلية لأبناء الريف، وإهمال الأراضي الزراعية والتوسع الحضري والزحف العمراني، بالإضافة إلى شحة الموارد المائية واستخدام الأسمدة والمبيدات بشكل عشوائي وعدم الاهتمام بالبذور الأصلية، كما أن إهمال تراجع دعم المؤسسات الزراعية لصغار المزارعين وعدم تبني سياسة التنمية الزراعية والتوجه نحو الاكتفاء الذاتي كان سبباً رئيسياً لتراجع كافة المؤشرات الزراعية والاتكال على الخارج في القوت اليومي للشعب.
تناسب طردي
ووفقا للدراسات الزراعية وخبراء الاقتصاد فإنه يجب تعزيز جانب الاكتفاء الذاتي الغذائي بما يتناسب طرديا مع تطوير الموارد الزراعية في البلاد وتقليل الاعتماد على الواردات الزراعية. واستخدامها بكفاءة وإنتاجية. وفي هذا الصدد، فإن خيارات مثل تحسين إنتاجية المحاصيل والمياه وكفاءة الري، والحد من خسائر ما بعد الحصاد، وتطوير سياسات إدارة الموارد المائية وتقنيات الري الحديث في الزراعة على المستوى المحلي، تشكل أولوية للنظر والعمل عليها. ويجب تعزيز التعاون الحكومي ممثلا بوزارة الزراعة وهيئة الاستثمار مع القطاع الخاص لتحسين القيمة المضافة في سلسلة الإنتاج الغذائي.
من اجل تطوير سلسلة القيمة الغذائية في اليمن التي تستهدف كمرحلة أولى منتجات هامة مثل البن واللوزيات والعنب والمانجو والتمور والثروة الحيوانية ومجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات والحبوب مثل القمح، يجب تبني سياسات شاملة وإجراءات تهدف إلى خلق وتطوير الأطر الداعمة لسلاسل القيمة الغذائية ( المدخلات: البذور، المشاتل ، الحصاد، التجميع والمخرجات: التسويق، الأسواق المحلية والتصدير)، من خلال تحفيز القدرة التنافسية للقطاع الزراعي وتحسين شروط التجارة الزراعية، إدخال المكننة الزراعية واستصلاح الأراضي الزراعية، إدخال تقنيات الري الحديث، إضافة الى الخدمات المصاحبة مثل مضاعفة التمويل، وتحسين التسويق الزراعي وفتح الأسواق المحلية وتسهيل التصدير، دعم التعاونيات، والجمعيات، تمويل وتوفير متطلبات الري ومستلزماته، المبيدات ومكافحة الأوبئة والأمراض النباتية، تطوير المحاصيل وغيرها) وجعلها أكثر كفاءة وإنتاجية.
زيادة الإستثمارات
ويؤكد الدكتور حسين مقبولي نائب رئيس الوزراء لشئون الخدمات والتنمية في دراسة أعدها حول الأمن الغذائي في اليمن إلى أن زيادة الاستثمارات في سلاسل القيمة الزراعية والغذائية المحلية من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة سوف يوفر لها القدرة على تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة ليس فقط من خلال ضمان توافر أكبر للأغذية وتحقيق الامن الغذائي، ولكن أيضًا من خلال تحسين الوصول إلى الغذاء واستقراره واستخدامه، وكذلك تحسين الجودة والسلامة.
خلاصة
وخلص الدكتور مقبولي في دراسته إلى أن الاهتمام باستراتيجيات التنمية الزراعية وإنشاء قطاع وطني قوي للتنمية الزراعية وبالأحرى تبني ثورة زراعية على كافة المستويات تعد أولوية وطنية هامة وعاجلة، بما يساهم في ضمان الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي وذلك من خلال التوسع في زراعة المحاصيل النقدية والتركيز على الحبوب بشكل رئيسي.
وتشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي واستصلاح الأراضي والتوسع فيها.
وكذلك إدخال المكننة الزراعية والتقنيات الحديثة وأيضا فيما يخص تحسين كفاءة الري.
وتعزيز سلسلة القيمة المضافة الزراعية والغذائية وربط المصنعين بالإنتاج الزراعي المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد
وكذا تشجيع البحوث الزراعية وخدمات الإرشاد الزراعي وخدمة المزارعين.
مع دعم التسويق الزراعي وتبني سياسات ترويجية للمنتجات بما يضمن فتح أسواق محلية وخارجية.
وتشجيع الإنتاج المحلي للأسمدة والمبيدات حيث توفر كافة الموارد الطبيعية لهذه المنتجات من البيئة المحلية.
وكل ما سبق سيعمل على تحقيق أهداف استراتيجية أخرى مثل تقليل البطالة وتشغيل اكبر عدد من السكان وتقليل نسبة الفقر ومكافحة الجوع ويضمن زيادة المحاصيل الزراعية وبجودة عالية ويعزز الأمن والاستقرار، والتي بدورها سوف تؤثر بشكل إيجابي وكبير على الأمن القومي اليمني وتعزز امتلاك القرار واستقلالية البلاد.