مع بدء العشر الأواخر من شهر رمضان تحفل الأمسيات ومجالس الذكر الرمضانية في صنعاء وعموم مناطق اليمن بتراتيل وأهازيج وداعية يطغى عليها الحزن في توديع الشهر الكريم والأمل كذلك بأن يعود العام القادم وقد تغيرت الأحوال إلى الأفضل.
وحتى وقت قريب ترفع الأصوات في القرى والمدن اليمنية بأهزوجة ” مودع مودع يا رمضان الله يعيدك يا رمضان” ولا يزال الناس في الكثير من مناطق البلاد يترنمون بأصوات شجية وهم يودعون شهر الخير والبركات وتتنوع تلك الأهازيج المتوارثة من منطقة إلى أخرى وكلها تلهج بالوداع لشهر القرآن والبركات ويجوب الأطفال الشوارع وهم يرددون الأهازيج الوداعية في أجواء روحانية بديعة.
ويعد وداع شهر رمضان المبارك من الأساليب اليمنية التراثية القديمة في توديع الشهر الفضيل والذي تتخلله أمنيات بأن يعيده على البلاد والعباد بالخير كما يجسد المودعون قيم المحبة والتواصل الديني والاجتماعي والتي تبين مدى تلاحم أفراد المجتمع اليمني ومدى ما يحظى به هذا الشهر من مكانة في قلوب جميع اليمنيين .
وتتنوع أنشطة وداع رمضان وتختلف من منطقة إلى أخرى، فمن الأمسيات الدعائية والمحاضرات الوعظية في مجالس الذكر الرمضانية إلى الابتهالات الجماعية إلى الله تعالى بطلب التوبة والمغفرة فيما تتسابق المجالس المتفرقة هنا وهناك إلى ختم القرآن بقراءة أكبر عدد ممكن من ختم قراءة القرآن بما يسمى (الختم) وهو إهداء هذه الختمات إلى ذويهم من الأموات في الأيام الأخيرة من الشهر الكريم.
ويقول فيصل عبدالرحمن وهو من أبناء زبيد في محافظة الحديدة: إن العشر الأواخر في المدينة التاريخية يتحوّل الناس إلى خلايا نحل من خلال المجالس الرمضانية وهم يقرأون القرآن الكريم ويختمون المصحف الكريم في جلسات ذكر جماعية ومن ثم ترديد الأهازيج الوداعية للشهر الفضيل مثل الوداع يا شهر الخير عليك السلام يا أفضل الشهور.. ويضيف عبدالرحمن في حديثه لـ” الثورة ” أن الأيام الأخيرة من رمضان تشهد أيضا إلى جانب تراتيل الوداع نشاطا مضاعفا من الأطفال وخاصة في مناطق تهامة لجمع الحطب استعدادا للحظة إعلان انتهاء الشهر وحينها يقومون بإشعال النيران إيذانا بقدوم أول أيام عيد الفطر المبارك وهذه عادة قديمة يسميها أهل تهامة بـ” الشعليلة” وتتبارى القرى في جمع أكبر قدر من الحطب ويتباهى أهل كل قرية بإشعال أكبر قدر من النيران ويجدون في ذلك مدعاة للفخر.
تراث متجدد
ويبقى وداع الشهر الكريم بالأهازيج والابتهالات الدينية من أهم العادات والتقاليد التي يتوارثها اليمنيون جيلا بعد جيل وان كانت بعض تفاصيل ذلك الوداع قد اختلفت قليلا عما كانت عليه في العقود السابقة ودخول بعض التحديثات على الأمر إلا أن تراث الوداع لشهر رمضان المبارك يبقى محافظا على نكهته التراثية الخاصة بأهل اليمن في جميع القرى والمدن، حيث يودع الناس هذا الشهر بمختلف فئاتهم وأعمارهم بتراتيل وأهازيج شجية في وداع هذا الضيف الكريم الذي انقضى سريعا ورحل بأيامه الحلوة ولياليه الجميلة هاتفين بصوت واحد ” مودع مودع يا رمضان الله يعيدك يا رمضان”.