الثورة نت | سبأ
لا تمر مناسبة ما في السعودية دون التذكير من قبل الإعلام أن رؤية محمد بن سلمان 2030 تمثل الضمان الوحيد الذي من خلاله يستطيع البلد تحقيق التحول الشامل والمنشود في مختلف مناحي الحياة ولا سيما الاصلاح الاقتصادي.
وبعيدا عن تفاصيل الرؤية التي اطلقت في ابريل 2016، كان من الواضح خلال إعلان محمد بن سلمان عن ما يسمى مشروع “ذا لاين” في منطقة نيوم تأكيده أن المشروع سيحافظ على 95% من الطبيعة في أراضي المشروع من خلال تطوير مجتمعات يكون فيها الإنسان محورها الرئيسي من أجل تعزيز جودة الحياة، وضمان الوصول إلى كافة مرافق الخدمات الأساسية.
وللمفارقة في حديث ولي العهد عن تطوير المجتمعات فإن الوقائع على أرض المشروع “نيوم” تحكي غير ذلك ولا سيما مع استمرار معاناة القبائل “التي تسكن المنطقة” بالتهديدات والطرد والتهجير من قبل السلطات السعودية، وتفيد العديد من الشهادات من قبل أبناء المنطقة عن تحول تلك التهديدات بمرور الوقت إلى تهجير وترحيل فعلي، مستخدمة في ذلك كل أدوات الترهيب وصولاً إلى القتل المباشر بحق كل من يرفض أوامر الاخلاء والترحيل (كما حدث مع عبدالرحيم الحويطي) من المنطقة التي تُعد معقلاً للعديد من القبائل العربية وعلى رأسها قبيلة الحويطات، التي تسكن منطقة “شرما والخريبة” في إمارة تبوك، والمقدر طولها نحو 100 كم على امتداد ساحل البحر الأحمر وخليج العقبة.
يشار إلى أن معاناة أبناء القبائل في إمارة تبوك “شمال غرب السعودية” بدأت ملامحها في الظهور مع إعلان النظام السعودي عن خطط لبناء مدينة ضخمة تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أمريكي على ساحل السعودية المطل على البحر الأحمر وخليج العقبة، وكان ذلك الإعلان، خلال جلسة مؤتمر “مستقبل الاستثمار” في أكتوبر 2017 والمؤكد “حسب العديد من المراقبين” أن المشروع المزمع إقامته مرتبط بصورة مباشرة بشخص ولي العهد، على اعتبار أن المشروع الذي أطلق عليه أسم “نيوم” جزء من رؤية 2030 والهادف إلى تنويع الموارد الاقتصادية والحد من الاعتماد على الموارد النفطية كمصدر أول للإيرادات في السعودية.
وحسب الكثير من المعطيات داخل السعودية يمكن القول أنه لم يعد خافياً، أن مشروع نيوم ومن قبله “رؤية 2030” تتصدر أجندة محمد بن سلمان لعدة أسباب ، أهمها: تلميع محمد بن سلمان وإظهاره بأنه صاحب التحولات الذي يمكنه قيادة السعودية حاضراً ومستقبلاً، ولكن ما هو غير معلن من أسباب وراء الترويج لمشروع “نيوم” أو الرؤية، تزامن مع الفشل الذريع الذي لحق بالمملكة في الحرب على اليمن، لا سيما بعد أن خالفت مجريات الحرب كل الاحتمالات بما فيها أن الحرب لن تطول سوى بضعة أشهر؛ ولكن المعارك على الأرض كانت تشير بوضوح إلى أن التورط السعودي في المستنقع اليمني لم يحقق أية نتيجة عسكرية ملموسة، بل أن وقائع المعارك في الميدان كانت تشير إلى تقدم قوات حكومة صنعاء عسكريا في أغلب الجبهات الداخلية في اليمن وعلى الحدود مع السعودية، لم تقف التداعيات في حدود الفشل العسكري ولكنها اتسعت عندما تزايدت الإدانات والانتقادات الدولية للسعودية عن دورها في حرب اليمن، بل واتهام محمد بن سلمان بالمسؤولية المباشرة بالتسبب في أكبر كارثة إنسانية في العالم منذ سنوات، التي دمرت وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين جراء القصف العشوائي فضلا عن سياسة الحصار الشاملة “بحراً وجواً وبراً.
ومع استمرار الفشل العسكري في اليمن وما أحدثته من تداعيات داخلية وضغوط دولية تجاه المملكة، كان من المؤكد أن يتزايد أعداد المتربصين بولي العهد خاصة داخل اسرة آل سعود، ولم يكن مستغربا أن تتعلى الأصوات داخل الاسرة الحاكمة بالمطالبة بتنحية محمد بن سلمان من ولاية العهد، ومع تزايد الضغوط على المسؤول الاول على الحرب في اليمن لم يكن لمحمد بن سلمان أن يتجاوز تلك التداعيات والضغوط سوى بتضخيم العائد من تلك المشاريع بما فيها “نيوم” في محاولة للتعويض عن الخسائر الاقتصادية المترتبة على الفشل العسكري التي ارتفعت حسب معهد ستوكهولم الدولي (SIPRI) خلال الفترة (2014- 2018) بنسبة تقارب 192%، يشار إلى أن مخصصات الإنفاق العسكري المعلن رسمياً تجاوزت منذ 2016 حتى 2020، نحو 273 مليار، فيما تشير عدد من التقارير الدولية أن إجمالي ما أنفقته السعودية على شراء الأسلحة والمعدات في حربها على اليمن يتجاوز 725 مليار دولار.
وفي إطار ما تقدم، يمكن تفسير إصرار السلطات السعودية على تسريع إجراءات ترحيل السكان من المناطق المزمع اقامة مشاريع “نيوم” عليها، بعد أن كان الاعتقاد السائد لدى قبائل المنطقة “مع بداية الإعلان عن المشروع” أن سنوات الحرمان والتهميش الحكومي سوف يتم تجاوزها وأن الأوضاع الاقتصادية للسكان المحليين سوف تشهد تحسن، لا سيما مع إعلان السلطات أن مستقبل منطقة المشروع سوف تشهد ازدهار اقتصادياً كبيراً، ولكن ما حدث خالف تلك التوقعات بطريقة غيرة منتظرة، وفي هذا السياق أشارت عدد من المصادر المحلية أن تحركات السلطات السعودية تسارعت وبصورة كبيرة في سبيل إخلاء وتهجير السكان من المنطقة والمقدر عددهم ما بين عشرين وثلاثين الف شخص.
وفي وقت سابق، أشارت عدد من المصادر المحلية أنه مع بداية 2020 سارع المسؤولين المحليين وبإيعاز من قبل النظام السعودي في الاخلاء الفعلي وترحيل السكان، وقسمت العملية إلى عدد من المراحل والبداية من مناطق الخريبة والعصيلة وشرما، وفي المرحلة التالية مناطق البدع ومقنا، ولم تتورع السلطات خلال عملية الترحيل من استخدام كافة الوسائل “كقطع إمدادات خدمات الماء والكهرباء وخطوط الهاتف وغيرها من الخدمات” في سبيل إرغام السكان على الخروج من المناطق المستهدفة في في إمارة تبوك “شمال غرب السعودية”.
هذا الواقع شكل كابوساً مؤلماً لأبناء القبائل في المنطقة بعد أن تأكدت النوايا الحكومية من طردهم من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، التي يعيشون عليها منذ أزمان غابرة، دون مراعاة للرفض المجتمعي المتصاعد تجاه مخططات الترحيل، كون الغالبية من السكان لا يريدون الخروج من أراضيهم التي لا يعرفون وطناً سواها، ولكن السلطات السعودية ضربت بكل تلك الاعتراضات عرض الحائط وفرضت وجوب إخلاء المكان “مع التعويض” خلال فترة وجيزة.
جدي بالذكر، أن المنطقة المستهدفة تعد ذات أهمية استثنائية للنظام السعودي، فهي من جهة تقع بالقرب من الأسواق ومسارات التجارة العالمية ومن الجهة الاخرى تعتبر المنطقة وبمشروعها “نيوم” بديلاً مناسباً لتقريب النظام السعودي وبصورة مباشرة وعلنية مع إسرائيل تحت مبررات أن الشركات الإسرائيلية سوف تسهم في بناء مدينة “نيوم” العالمية.
يبقى أن نشير، أن محمد بن سلمان يسعى جاهداً إلى تعويض مسار طويل من الاخفاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية من خلال تلميع نفسه كرجل المواعيد الكبرى وما مشروع نيوم سوى مثال على ذلك التوجه.