شهدت الأسابيع الماضية نشاطاً ملحوظاً لتنظيم “ولاية سيناء”، الموالي لتنظيم “داعش” الارهابي، في مناطق وسط سيناء، شرقي مصر، على حساب التراجع في مناطق شمال سيناء. وشمل نشاطه هجمات على قوات الجيش المصري، والمجموعات القبلية المدعومة من الاستخبارات المصرية.
إلا أن ثمة قلقاً يساور المسؤولين العسكريين، وتلك المجموعات، من اقتراب خلايا “ولاية سيناء” إلى مرافق استراتيجية وحيوية تابعة للقوات المسلحة المصرية، ولعل أهم تلك المرافق مطار “الميلز” العسكري الواقع في منطقة الجفجافة جنوب مدينة بئر العبد بمسافة 60 كيلومتراً، كما يبعد المطار المسافة ذاتها عن الضفة الشرقية لقناة السويس، ما يجعل هذه الأهداف وغيرها تحت دائرة استهداف عناصر التنظيم، ما لم يتمكن الجيش من القضاء عليهم خلال الفترة المقبلة.
جغرافية وسط سيناء تحول دون القضاء على الإرهابيين
وفي تفاصيل الوضع الميداني، أفادت مصادر قبلية وشهود عيان، بأن وجود تنظيم “ولاية سيناء” تركز، في الأسابيع القليلة الماضية، في مناطق بئر العبد وجنوبها باتجاه جبل المغارة ومحيطه، وهي مناطق وعرة جغرافياً يصعب التحرك فيها، أو تعقب المجموعات الإرهابية، على خلاف المناطق التي كان يتمركز فيها قبل انسحابه منها، في قرى قاطية، واقطية، والجناين، والمريح، وقصرويت، وتفاحة، وغيرها من قرى بئر العبد، التي تمكن الجيش من السيطرة عليها بعد أشهر من وجود “داعش” فيها، وأشارت إلى أن خلايا التنظيم تتخفى في الجبال، وما تحتويها من مغارات وكهوف ومخابئ لا يمكن الوصول إليها بسهولة، وكذلك لا يصلح معها القصف الجوي، نظراً إلى الطبيعة الصخرية المحيطة بها، بالإضافة إلى انعدام المعلومات عن الإرهابيين، لعدم وجود سكان محليين، أو نقاط عسكرية كثيفة في تلك المناطق، وسهولة التمويه عن أعين طيران الاستطلاع المصري خلال تحليقه فوق تلك المناطق.
وأضافت المصادر ذاتها أن تنظيم “ولاية سيناء” هاجم، قبل أيام، قرية المنجم قرب جبل المغارة وسط سيناء، بهدف إعادة طريق الإمدادات للتنظيم من منطقة المشبه، ثم جبل المحاش، ثم الاتجاه غرباً باتجاه جبل الحمه، حيث تتمركز مجموعات التنظيم بشكل كبير في تلك المنطقة. والخطير هنا أن جبل الحمه لا يبعد سوى 25 كيلومتراً فقط عن مطار “الميلز” العسكري، ويكشف حركة الطيران داخله، وبالتالي فإن كل تحركات الطيران في اتجاه قصف مجموعات التنظيم في كافة مناطق سيناء باتت مكشوفة لمجموعات المراقبة التابعة له. وأشارت إلى أن قوات الجيش تتحرك في حملات برية بشكل دائم في عدة اتجاهات بوسط سيناء، إلا أن الطبيعة الجغرافية وقلة الخبرة في دروب الصحراء وجبالها تحول دون القضاء على الإرهابيين بخلاف المناطق السهلية في شمال سيناء.
من أين يحصل “ولاية سيناء” على دعمه اللوجيستي؟
وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، إن الأهمية الاستراتيجية لمناطق وسط سيناء، تختلف تماماً عن الشمال، وهذه الأهمية مكتسبة من عدة عوامل، أهمها أن الوسط مرتبط بالحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة لمسافات طويلة، وأن مناطق الوسط تغص بالمصانع الكبرى للإسمنت وغيره من مواد البناء، بالإضافة إلى محاجر ذات قيمة اقتصادية عالية، تُستخرج منها أصناف متعددة من الرخام والحجر. وأشار إلى أنه توجد في تلك المناطق مواقع ومعسكرات تابعة للجيش المصري لتخصصات استراتيجية مختلفة، وضمن أهم المواقع مطار “الميلز” العسكري، الذي توجد فيه طائرات بأنواع مختلفة، مروحية وحربية. وأوضح أنه على خلاف مناطق شمال سيناء، فإن الطبيعة الجغرافية، التي تتمتع بها مناطق الوسط، من حيث الجبال والوديان ذات الطرق الوعرة، تُصعب ملاحقة الجيش المصري لخلايا التنظيم.
وأضاف الباحث، الذي فضل عدم الكشف عن هويته لوجوده في سيناء، أن التنظيم يرى في منطقة الوسط حديقة خلفية لمجموعاته المنتشرة في شمال سيناء، إذ جرت العادة أن تنتقل خلايا التنظيم من الشمال إلى الوسط في الأوقات التي يضغط فيها الجيش المصري على التنظيم، وهذا ما حصل فعلياً بعد سيطرة الجيش على قرى بئر العبد، وطرد “ولاية سيناء” منها، نهاية العام الماضي. وأوضح أن ملاحقة التنظيم تتم في تلك المناطق من قبل المجموعات القبلية أكثر من الجيش، نظراً إلى خبرتهم في دروب الصحراء أكثر من قوات الجيش، وإمكانية تقصيهم آثار أفراد التنظيم وآلياته. وأشار إلى أنه وفقاً لآخر ما رشح من معلومات من تلك المناطق، فإن خلايا التنظيم تنتشر في سلسلة جبال المغارة والحمه والمحاش، من خلال الاختباء في كهوف ومغارات ليس من السهل الوصول إليها، في حين يعتمد على الإمدادات المنقولة عبر الدراجات النارية والجمال التي يمكنها السير في الصحراء بعيداً عن كمائن الجيش المصري المنتشرة على الطرق الرئيسية.
مصدر قبلي: تم الدفع بقوة عسكرية لدعم المجموعات في الوسط
وبحسب مصدر في المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في وسط سيناء، فإنه وصلت، خلال الأيام الأخيرة، تعزيزات لهذه المجموعات من اتحاد قبائل سيناء، الذي يديره رجل الأعمال إبراهيم العرجاني المقرب من رجل الاستخبارات محمود عبد الفتاح السيسي. وأوضح أنه نظراً إلى ارتفاع عدد عناصر التنظيم في مناطق الوسط، وتراجع نشاطهم في الشمال، تم الدفع بقوة عسكرية تابعة للاتحاد لدعم المجموعات العاملة في الوسط، وذلك بالتنسيق مع قوات الجيش، وتحسباً لأي اعتداءات قد يقدم عليها تنظيم “ولاية سيناء” في قابل الأيام، فيما سيجري رفع مستوى الحراسة على المرافق الحيوية في مناطق الوسط، وزيادة نقاط انتشار الجيش والمجموعات القبلية. وأوضح أنهم أرسلوا تحذيراً للجهات المختصة، من خطورة تعاظم قوة التنظيم في الوسط، وقربه من مرافق استراتيجية ومواقع عسكرية هامة، وهذا ما تم أخذه بعين الاعتبار، مبيناً أن انتشار “داعش” بات في وسط سيناء أكثر بكثير من شمالها، وهذا ما يظهر من شبه انعدام لهجماته في مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد خلال الفترة الماضية.