يحيى محمد جحاف
تختلف مظاهر استقبال شهر رمضان المبارك من بلد إسلامي إلى آخر، فلكل بلد إسلامي خصوصيته، وفي اليمن ينتظر الجميع الإعلان بلهفة رؤية هلال رمضان المبارك ولم يكتفوا بالتبشير بقدومه عبر الوسائل المتاحة كالمساجد والإذاعة والتلفزيون، بل يعبِّر الأطفال عن هذه المناسبة بطريقتهم الخاصة، هذه الطريقة التي ورثوها من الأجيال السابقة وأصبحت عادة متبعة في هذه المناسبة، حيث تبدأ الطقوس الفرائحية للأطفال ليلاً من خلال القيام بعملية “التنصير” وجمعها (تناصير) وهي بمثابة إعلان المناسبة للجميع ويتم فيها إشعال النيران على أسطح المنازل والمباني، والغاية من ذلك إعلام الناس ببداية أول أيام شهر رمضان أو أول العيد وهي عادة قديمة جدا منذ القرن الثالث الهجري وربما أكثر، وقد تناقلها الأطفال من آبائهم ،ويقومون بجمع الكثير من الرماد وعجنه بمادة “القاز” وإشعال ذلك في الليل لتبشير الناس بحلول المناسبة وإذا لم توجد مادة “القاز” يقومون بجمع الملابس التي لم تعد صالحة للبس وإشعالها في مناطق متفرقة الأمر الذي يجعل الأطفال في القرى الأخرى يتعاطون مع ذلك ويقومون بنفس العملية، لذلك ظل الأطفال في اليمن من أشد الفئات انتظارا لقدوم شهر رمضان الذي يعدونه مقياساً لمعرفة إن كانوا كباراً أم لا من خلال تنافسهم على الصيام، فبعضهم يصوم حتى يقال إنه أصبح كبيراً والبعض الآخر يصوم أمام أقرانه و يأكل في الخفاء، فالعادة لدى الأطفال في رمضان أن القوي فيهم هو من استطاع أن يصوم أطول وقت ممكن، حيث وأن الأسرة اليمنية تقوم بتشجيع أطفالها على صيام رمضان، ومن أسباب سعادة الأطفال بقدوم شهر رمضان التي استجدت مؤخراً الاستمتاع بمشاهدة القنوات الفضائية بما فيها من مسلسلات رمضانية وحلقات أطفال ومسابقات دينية وثقافية وعلمية لذلك كان للأطفال نصيبٌ في رمضان، وبرغم البساطة وقلة الأشياء في حياة أبناء اليمن يتم إعطاء المناسبة حقها من الفرحة والتسامح الذي كان يملأ القلوب أكبر وبالمقارنة بما نحن عليه اليوم نجدها أجمل مما نعيشه لأن حياتهم مليئة بالفرحة والسعادة التي نفتقدها اليوم برغم التنوع الذي كانوا يفتقدونه لذلك عندما تأتي المناسبات كانوا يعطونها حقها من التعابير التي توحي بما تعنيه في وجدانهم من خلال المغارد المعبِّرة من الرجال وأيضا الأطفال، مثال ذلك عندما يحل شهر رمضان:
يا مرحبا بك يا رمضان
يا شهر الصلاة والصيام
يا رمضان يا بو الحماحم
ادي لنا قرعة دراهم
المسجد:
هو المكان الجامع للجميع في كل الأوقات خصوصا في فترات فروض العبادة وتدارس القرآن في شهر رمضان الكريم، لذلك ظل التنافس دائماً بين الأطفال خصوصا في شهر رمضان الكريم لأن الكبار يحرصون على إعطاء الأطفال مساحة من القراءة معهم في حلقات الدروس وكانوا يشيدون بالأطفال الذين يتمكنون من القراءة بأخطاء قليلة وسرعان ما تنتشر مثل هذه الاحاديث في أوساط الناس صغاراً وكباراً مما يكون لذلك دافع كبير للحرص من قبل الطفل على الاستمرار والمواظبة على ذلك وتحتدم المنافسة بينهم على نيل الأفضلية لترتسم الابتسامة على شفاه الأطفال والآباء الذين يزدادون فخرا بأبنائهم، كما تزداد المساجد بهجة وبريقاً وجلالاً خلال أيام رمضان وتمتلئ بمرتاديها من الشباب والشيوخ والأطفال، حيث تزوَّد بالمصاحف الجديدة التي يأتي بها الكثير من فاعلي الخير والمحسنين .
استعداد الآباء:
يستعد رب الأسرة لاستقبال هذا الشهر المبارك قبل قدومه بتوفير المال اللازم لشراء احتياجات الأسرة خلال أيام شهر رمضان، أما النساء فيتبارين في إظهار براعتهن في إعداد الأكلات الخاصة التي تعوَّدت عليها الأسرة اليمنية في رمضان، كما يسعى البعض الآخر من الأسر اليمنية أيضاً قبل حلول رمضان إلى تنظيف البيوت وتنظيمها، والتسوق لشراء مستلزمات ما تحتاجه من أغراض، إذ يهتم رب الأسرة بترميم المنزل وتهيئته لكي يكون ملائما للجو الروحاني لشهر رمضان، كما يقوم الناس في الريف بتبييض منازلهم بمادتي الجص والنورة اللتين تستخرجان من مناطق معينة في الجبال اليمنية وتصنع محلياً بطرق تقليدية، وفي بعض المناطق اليمنية يستقبل الناس رمضان بما يسمى بالشعبانية أو الشعبنة بحيث أنه عند ثبوت رؤية هلال رمضان يبدأ الرجال في المساجد بالتهليل والتكبير والترحيب وأداء بعض الأناشيد الدينية المعروفة منذ القدم عبر مكبرات الصوت في المساجد.
أصناف الطعام في رمضان؟
تزخر المائدة اليمنية بصنوف الأطعمة والأشربة التي تعود عليها اليمنيون في شهر رمضان حيث يجسدون أعلى درجات الطيب والكرم في المساجد من خلال تقديم موائد الإفطار طيلة أيام رمضان، فعند دخول وقت الإفطار يفطر اليمني بالتمر والماء أو القهوة، ثم يتوجه إلى المسجد لأداء صلاة المغرب ثم يعود إلى المنزل، حيث تكون المائدة التي تحتوي على عدد من المأكولات نتيجة تنافس النساء اليمنيات في محاولة للتميز خاصة وأن الأهل يتناوبون بشكل يومي على إقامة عزائم الإفطار فيما بينهم.
مائدة الإفطار اليمنية أخذت مكاناً راقياً بين الموائد العربية لتعدد أصنافها، غير أن هناك وجبتين تكاد لا تخلو منهما أية مائدة في عموم اليمن هما (الشفوت،والشوربة)، فالأولى مصنوعة من رقائق اللحوح واللبن والثانية مصنوعة من القمح المجروش بعد خلطه بالحليب والسكر أو بمرق اللحم حسب الأذواق، وهناك أيضاً الكبسة والسلتة والعصيدة والسوسي وهي أفضل الوجبات لدى اليمنيين.
أما الحلويات الرمضانية فهي عبارة عن خليط من الحلوى اليمنية والهندية كـ(بنت الصحن، والرواني، والكنافة، والعوامة، والقطائف، والشعوبية، والبسبوسة، والبقلاوة التي انتقل الكثير منها من الهند إلى اليمن نتيجة التبادل التجاري الذي كان يشهده البلدان وكذلك بعض الاكلات التي قدمت مع الأتراك.
كما اعتادت أغلب الأسر اليمنية على تناول الأطعمة في رمضان على الأرض إذ تبسط السفرة وتضع عليها الأطعمة والأشربة وخاصة في البيوت التقليدية، وفي اليمن يتحوَّل الليل في رمضان إلى نهار حيث تجد الشوارع والأسواق اليمنية في نهار رمضان تكون شبه خالية وكأنها منطقة مهجورة على عكس ما نراه في ليالي رمضان حيث المحال التجارية مفتوحة والشوارع تعج بالحركة والأسواق تكتظ بمرتاديها من مختلف المناطق الريفية والحضرية وتزدان هذه الأسواق بشكل ملفت للنظر حيث يقوم التجار بعرض بضائعهم بشكل مرتب ومغر للناس وخاصة في الأسواق الشعبية، أما المطاعم والمقاهي فتضع طاولات خاصة تعرض فيها أنواع الحلويات والمكسرات المقلية بالزيت كالسنبوسة والرواني والبقلاوة، والطعمية وو… إلخ، حيث يكون الإقبال عليها كبيراً في رمضان.
التنظيم لأوقات العمل خلال رمضان
توفِّر أوقات العمل للموظف اليمني ساعات لعبادة الله تعالى وساعات أخرى لتلبية حاجياته وأموره الخاصة حيث يبدأ الدوام الرسمي في الساعة العاشرة صباحاً وينتهي في تمام الساعة الثالثة عصراً ، أما الجهات التي تم توزيع مراحل العمل فيها لفترتين فتبدأ الفترة الثانية من الساعة التاسعة مساءً وحتى الساعة الواحدة صباحاً، ونرى أوقات العمل في الليل تكون أكثر نشاطاً من النهار الذي يتحول إلى حالة جمود غير عادية.
الكثير من الأسر اليمنية تفضِّل قضاء شهر رمضان في القرى والأرياف التي تنتمي إليها حيث يقدم بعض الموظفين إجازات في شهر رمضان للسفر إليها مع أسرهم لقضاء شهر رمضان مع بقية أفراد العائلة هناك.
ليالي رمضان
في ليالي شهر رمضان يجتمع الرجال لتناول القات في احد الأماكن التي خصصت لتجمعهم فيجلسون فيه يمضغون القات ويدخلون في نقاشات اجتماعية، ودينية، وسياسية، وثقافية .
وتنعدم في هذا الشهر المناسبات الاجتماعية في اليمن كالأعراس والحفلات، فهو شهر توبة ومغفرة لا يسمح أن يصاحبه ترف ولهو وغناء، ومعظم اليمنيين يفضلون قضاء وقتهم خلال شهر رمضان في تلاوة القرآن..
كما تقل حدّة الأنشطة الرياضية خلال أيام شهر رمضان المبارك، إذ يتجه عشاقها إلي القيام بأعمال الخير، وغيرها من الأعمال الأخرى وما إن يشارف شهر رمضان على الانتهاء حتى تعود الرياضة لمزاولة أنشطتها، كما تجد الناس في شهر رمضان يتركون قضاياهم وخلافاتهم جانباً احتراماً وتقديراً لشهر التسامح والإخاء وكذلك المحاكم في اليمن تدرك ذلك وتجعل شهر رمضان إجازة قضائية وتلك عادة حميدة ينتهجها القضاء اليمني، ويتناول اليمنيون في سحورهم المشروبات والأطعمة التقليدية الخاصة بهم دون غيرهم، كما يتسابق الناس لطاعة الله عز وجل والتوسل إليه بقلوب خاشعة حيث أن ليلة السابع والعشرين من الشهر الكريم هي الأكثر إحياءً بين ليالي الوتر ففيها يقبل العابدون على الله بصلاة التهجد والتهليل والتسبيح وقراءة القرآن وما إن يشارف رمضان على الانتهاء حتى يرتسم الحزن في الوجوه على رحيل شهر الرحمة والمغفرة، لكن هذا الحزن تمحوه فرحة استقبال عيد الفطر المبارك.