نصف كيلوجرام من ملح الطعام، هو أحد مكونات السلال الغذائية التي يوزعها برنامج الغذاء العالمي.. وعلى العبوة يبدو الشعار المكون من سيفين ونخلة ملفتا !.
سعر العبوة في السوق اليمنية نحو مائة ريال، يا بلاشاه، وهي السلعة الوحيدة التي لم يرتفع سعرها .. و يستغرب سعيد : الملح عندنا على قفا من يشيل ، و يوزعوا لنا ملح سعودي !!.
لا وقت لديه لقراءة البيانات المكتوبة على الكيس .. نفض عن نفسه غبار الطحين و غادر مركز التوزيع ومعه السلة إلى المنزل ، و توجّه مباشرة إلى عمله اليومي .
وفي المساء ، عاوده لغز الملح أو وجعه ..
نسي 75 كيلوجراما من الطحين، نسي السكر والزيت، وتذكر النصف كيلوجرام من الملح السعودي .!
لكأنهم أرادوا بهذا الملح السعودي أن يضاف إلى جروحنا لا إلى طعامنا، وإلا ما قيمة إضافته إلى السلة ؟!.
محتويات مواد السلة و كميتها ليست ثابتة ، تزيد وتنقص، وبعض المواد يمكن أن تختفي حتى و إن كانت مدونة على جدران مركز التوزيع، لكن الملح وحده متوفر في كل مرة ، وفي كل سلة ، ولا بد من فك اللغز .
دخل سعيد إلى المطبخ ، تناول كيس الملح ، وأخذ يتمعن في البيانات المدونة عليه .
شعار برنامج الغذاء العالمي، وإلى يمينه مربع بأرضية خضراء تشغل ثلثي المساحة ، كتب عليها : المملكة العربية السعودية، بالعربية والإنجليزية ، و في الأسفل : مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية باللغتين أيضا، وفي الوسط شعار السعودية ” السيفان والنخلة ، و شعار مركز الملك سلمان ..
شعر أن خيوط اللغز بدأت في الظهور، لكنه بدا متذمرا، وتساءل : هل هذه المساعدات من برنامج الغذاء العالمي أم من مركز السفاح الذي يقتلنا ليل نهار منذ ست سنوات ؟.
كيف تسمح السلطات بتلميع صورة هذا المجرم .. ولماذا يعمل برنامج الغذاء العالمي على تسويق ” إنسانية ” السفاح بين ضحاياه وبواسطة حفنة ملح ؟!.
عاد إلى المطبخ مسرعا يتفحص البيانات علي بقية المواد ، فوجد أن الدقيق إنتاج تركي ، وهو من أردأ الأصناف، وتلجأ الكثير من الأسر إلى بيعه بثمن بخس أو مبادلته في السوق مع دفع الفارق، ولكن ليس عليه شعارات سوى شعار برنامج الغذاء العالمي، وكذلك جالون الزيت، لا توجد علامة عليه أو حرف يشير إلى السعودية أو مركز السفاح سلمان ..
حمد الله وعاد يقلب كيس الملح ، وتبين أنه من إنتاج شركة الكبوس، دون ذكر اليمن ، هكذا على طريقة الكبوس في حذف بلد المنشأ من السلع التي ينتجها أو يغلفها .. بن الكبوس ، شاي الكبوس ، ..الكبوس ، دون أن تعرف بلد الإنتاج .. وهذا موضوع آخر لا مجال له الآن .
لا يوفر النظام السعودي فرصة ولا ثغرة في سياسته لتضليل اليمنيين أو الهيمنة عليهم، فها هو يُصدّر لنا إنسانيته ويتسلل عبر برنامج الغذاء من خلال حفنة ملح ، تشبه “هدية الغراب”.
ولكن، كيف تسمح السلطات في المحافظات الحرة بهذه المهزلة ؟ ولماذا يجعل برنامج الغذاء العالمي من نفسه جسرا لتسويق إنسانية السفاح ؟!. يسأل سعيد نفسه ، ثم يقرر فتح الكيس والتأكد من محتوياته.. وعلى صفحة جريدة قديمة نثر محتويات الكيس ، ضغط بسبابته على البودرة البيضاء كمن يبصم ، ورفعها إلى لسانه .. نعم إنه ملح ولكن.. قلّب ذرات الملح المنثور بالملعقة عله يجد فيه شيئا ..
ومع ذلك لم يطمئن ، لقد بات سعيد على يقين بأن لا خير يأتي من طرف السفاح سلمان، لا شيء سوى الشر ، هذا ما تعودنا عليه طيلة ست سنوات من الحرب والحصار .
لا مكان لهذا الملح في المطبخ ، لملم الصحيفة و ما عليها وذهب به إلى الحمام.
* هدية الغراب دودة – مثل يمني.