مدينة الحديدة ورغم ما تعانيه من تدهور في الخدمات وان تحسنت نوعا ما خلال الأسابيع القليلة الماضية , لاسيما مشكلة المجاري التي كانت أبرز المشاكل على الإطلاق , ومع هذا لازالت مدينة الحديدة ملاذا لكل رواد الرحلات والسفر والتنزه المحليين ” السياحة الداخلية ” , مهما كانت الظروف التي يعانيها البلد والتي أرخت بضلالها على كافة مناحي الحياة ولعل الحديدة هذه الأيام تبدو في أزهى وأحلى أوقاتها شأنها في ذلك شأن بقية المدن الساحلية في اليمن , ففي حين تحل في الكثير من المحافظات تعاني موجة صقيع تعصف بها وسكانها تعيش الحديدة مناخا معتدلا رغم أنها لا تبعد كثيرا عن مناطق الصقيع ولنقل عشرات الكيلو مترات , وهذه ميزة قد لاتتوفر في الكثير من البلدان التي تجد مناطق الاعتدال والصقيع تبعد عن بعضها مئات الكيلومترات وبالتالي يكون السفر فيما بينها مكلفا ومتعبا وطويلا .
جميلة هي اليمن بتضاريسها المختلفة ومناخها المتنوع وهذا يجعلها مهيئة لنشاط سياحي دائم طول العام سواء أكان سياحة داخلية أو خارجية , ولكن للأسف الشديد لازالت ثقافتنا المحلية تجاه السياحة الداخلية متواضعة وبشكل كبير ساهمت في ذلك عوامل عدة في الماضي منها تدني مستوى دخل المواطن وغياب الرؤية لدى الحكومات المتعاقبة تجاه هذا النشاط , لتأتي الأوضاع التي تعيشها اليمن منذ العام 2011م لتزيد الطين بلة وتأتي على ما بقي من بصيص أمل كنا نتمناه لتقدم وازدهار السياحة الداخلية ورفع الوعي بأهميتها .
أثناء تواجدنا في الحديدة نهاية الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الجاري لاحظنا بوادر تبعث على التفاؤل فمعظم فنادق المدينة يكتظ بها النزلاء من القادمين إلى الحديدة من محافظات أخرى قد تكون نسبة كبيرة منهم زاروا لأغراض تجارية ولكن نسبة اكبر جاؤوا من أجل الاستمتاع بقضاء أوقاتا سعيدة فيها , خاصة أولئك الذين جاؤوا بصحبة أسرهم , فالعريس ” محمد” الذي بالكاد عرفت اسمه الأول جاء مع عروسه لقضاء أيام عسل جميلة لن تنسى أو تمحى من ذاكرتهم بصحبة الأرض والبحر والهواء في الحديدة , وكان هذا العريس يخرج مع عروسه في الصباح الباكرولا يعودون إلا في الليل حسبما يقوله موظفو الفندق وكانوا يسألونه دوما عن يومه وكيف قضاه وأين ¿ يرد عليهم جميل جدا وممتع للغاية وكل يوم تختلف الأماكن التي يزورها في الحديدة .
المتعة أقوى
بعد أن أكملنا ما جئنا للحديدة من اجله كان من المتوقع أن نعود ادراجنا إلى صنعاء إلا أننا وجدنا أنفسنا جميعا وبدون استثناء نتفق على البقاء يوما واحدا نستمتع فيه بمناخ الحديدة الجميل وشواطئها الرائعة , ولكننا وجدنا أنفسنا ودون أن نتفق نواصل البقاء ليومين آخرين فقد كانت المتعة والراحة أقوى من التزاماتنا العملية والوظيفية .
توجهنا في إحدى زياراتنا السياحية إلى البحر وقصدنا شاطئ الكثيب , وكانت مفاجأة بكل المقاييس فقد وجدنا الشاطئ وهو طويل جدا مزدحم بالناس والى درجة لم نكن نتوقع, كلهم يداعبون البحر ويسبحون في فضاءاته نساء ورجالا أطفالا وشيوخا جاؤوا من أماكن مختلفة إلى الحديدة لاقتطاف أيام للروح والجسد يتناسون فيها كل أوساخ السياسة التي تحيطهم من كل اتجاه ومتاعب الحياة التي سلبتهم البهجة والسرور وجاؤوا باحثين عن النسيان طالبين السعادة , أطفالا يلعبون ويتسابقون ويسبحون في حضرة البحر والسعادة تنحت بهاءها على وجوههم , حتى النساء والرجال والشباب الكل حريص على المتعة واستغلال هذا الوقت واحتضنهم البحر وداعبتهم أمواجه اللطيفة , وأمام هذا المشهد لم استطع مقاومة فضولي الصحفي اخترقت جدار الحياء في داخلي واقتربت من إحدى الأسر في الشاطئ وكنت أخشى منهم النكران والرفض ولكنهم وبأخلاق سياحية رحبوا وتقبلوا أن أتحدث اليهم وهو ما شجعني على تكرار المحاولة على أسر وأشخاص آخرين في الشاطئ وفي كلمات موجزة رصدنا انطباعاتهم وحالة اللحظة التي يعيشونها في شاطئ الكثيب خصوصا والحديدة عموما .
لحظات جميلة
أسرة كبيرة أغلقت باب منزلها في عمران المدينة وتوجهت كعادتها بين الحين والآخر إلى مدينة الحديدة بعد أن بلغ منهم الشوق مبلغه للبحر والحديدة, الحاج حسن الخدري يقول : أربعة أشهر تفصلني عن آخر زيارة قمت بها إلى الحديدة برفقة أهلي وحقيقة كنت ارغب في زيارة عدن ولكن نظرا للأحداث عدلت الوجهة إلى الحديدة فقد مضى وقتا طويل لم أزر فيه عدن والحديدة مدينة رائعة أزورها باستمرار كلما وجدت وقتا خاليا من أي ارتباطات وبرفقتي أهلي جميعهم فما أجمل انتنظر الأهل والاطفال سعداء يقضون اوقاتا ممتعة بعيدة عن رتابة الحياة اليومية ولهذا فالانسان بحاجة إلى السفر والتعرف على مناطق جديدة فيها اختلاف عن المكان الذي يعيش فيه ويظل الامن والاستقرار مطلبا ملحا لمثل هذه الرحلات , ومع هذا نحن بحمد الله وتوفيقه نعيش اجمل لحظات مع الاهل في مدينة الحديدة الرائعة بطقسها الجميل هذه الايام .
ويقول ابنه احمد البالغ من العمر تسع سنوات: الحديدة جميلة وأنا أحبها كثير ودائما اقول لوالدي وأصر عليه أن يأتي بنا إلى الحديدة ونعد الأيام حتى نأتي إليها وأحب السباحة في البحر واللعب بالرمال وركوب الخيل والدرجات النارية في هذا الشاطئ الجميل.
وعبر الطفل احمد الخدري عن شوقه الكبير لمدينة عدن حيث مضى على آخر زيارة له عامان كاملان ومن خوف والده عليهم رفض أن تكون الرحلة هذه إلى عدن .
الأخ عبدالكريم الدرب والذي يعمل في هذا الشاطئ في مجال التصوير يقول: إن الكثيب من اجمل الشواطئ في الحديدة ولهذا الزوار لا ينقطعون منه طوال العام ومن جميع المحافظات لاسيما أيام الاعياد والمناسبات وخاصة في فصل الشتاء .
وأشار إلى وجود اشكالية في هذا الشاطئ تمنى القضاء عليها وهي انتشار الصوص على جنبات الطريق والذين يقومون بكسر زجاج السيارات لسرقة ما داخلها من أشياء ولكن الامن لهم بالمرصاد .
رحلة سياحية جماعية
هناك اناس يأتون من اجل البحر فقط لايهمهم الطقس أو غيره الاخ نور الدين يحيى محمد عواض من همدان محافظة صنعاء جاء قاصدا البحر وبرفقته اسرته في رحلة سياحية بحرية فعند لقائنا به كان قد امضى في الحديدة ثلاثة ايام جميعها كانت في الشواطئ الجميلة للحديدة .
وتمنى نور الدين توفر المطاعم والبوفيات في هذا الشاطئ لكي يتسنى للناس قضاء كل يومهم في هذا الشاطئ ولا يفارقونه باحثين عن طعام وشراب بالاضافة إلى توفير دورات مياه مناسبة والاهتمام بالنظافة .
شباب جمعتهم رحلة سياحية واحدة نظمتها الجمعية التي يدرسون فيها وهي جمعية لتحفيظ القرآن الكريم والذي تعالت اصواتهم وضحكاتهم بصورة تدل على أن استمتاعهم بلغ مرحلة الذروة التقينا منهم الاخوة علي الضبياني من سنحان وسمير غانم الروسي ومعاذ ناجي ناجي احمد وكلاهما من بلاد الروس صنعاء أكدوا جميعهم أن الشاطئ يمثل لهم المتعة التي لايمكن وصفها ويجعلهم اكثر تفكرا في آيات الله وقصص الأنبياء موسى ويونس وتلك الآيات الذي ذكرت البحر واشاروا إلى أن مثل هذه الرحلات تساهم في ربط الإنسان بوطنه وتعميق الوحدة الوطنية والتعارف بين الناس ولهذا ينبغي الاعتناء والاهتمام بمثل هذه الرحلات والحرص عليها وعلى المؤسسات سواء كانت حكومية أو غير حكومية أن تعمل على تنظيم رحلات سياحية داخلية وهذه لها الكثير من المزايا على الصعيد النفسي والوطني .
وعبروا عن استيائهم من عدم الاهتمام بهذا الشاطئ الجميل وان كانت تتوفرفيه بعض الاشياء الجميلة من المخيمات والعشش إلا أن النظافة لازالت بحاجة إلى المزيد من الاهتمام .
وعبروا أيضا عن أسفهم لأنهم لم يزوروا الحديدة من قبل فهذه الزيارة لهم وللكثير من زملائهم الذين رافقوهم في هذه الرحلة السياحية تعد الاولى وهو أمر محزن ينم عن ثقافة غائبة عن أهمية الرحلات السياحية الداخلية.
الاخ عبدالله حسين حمود الشاوش وابنته ايمان البالغة من العمر اثني عشر عاما وهما من حزيز بامانة العاصمة تحدثنا الينا بلهفة واعجاب كبير بالشاطئ والحديدة بشكل عام .
يقول عبدالله زيارتنا إلى الحديدة برفقة الاهل دائما مستمرة وهذه المرة من اجل تهيئة الابناء لدخول الاختبارات بذهن صافي وقدرة على المذاكرة وقد عاشوا اياما سعيدة في الحديدة فقد لاحظت اكثر من مرة أن الرحلات مفيدة جدا لنفسية الطلاب وتهيئهم للاختبارات وبشكل كبير جدا .
وأكد الشاوش على ضرورة توفير الأمن لأن مثل هذه الرحلات تتطلب الامن فقد كانت السنتين الماضيتين عصبية لم يقم برحلة مع عائلته لأنه كان يخاف من التقطعات في الطرقات , وقال : كنا في السنوات الماضية نسافر في أي وقت حتى منتصف الليل دون خوف أو تردد أما الآن اصبحنا نخشى السفر نهارا وحتى عدن بتنا نتخوف من السفر إليها مع أن الابناء كانوا يريدون أن تكون هذه الوجهة إلى عدن ولكن للأسف الشديد .
وتقول ابنته ايمان : البحر فسيح وهواءه عليل وجميل والسباحة فيه متعة لا يضاهيها متعة , الآن استطيع العودة إلى صنعاء وكلي تفاؤل وتركيز على الدراسة واعد والدي أن احقق النجاح وبتفوق كبير جدا .