يؤلمني أيّما إيلام سماع وقراءة التحذيرات الأممية بوصول عدد اليمنيين المهددين بالمجاعة إلى 16 مليون جائع في بلد اشتهر بالزراعة منذ خلق الله الأرض!!
والأشد إيلاماً اتكال ملايين اليمنيين على المساعدات الغذائية المصحوبة بالفساد الدولي والمحلي وبعضها غير صالح للاستخدام الآدمي.
إن مساعدات المنظمات الدولية تعمق الكسل والاسترخاء لدى الشعوب ومنها الشعب اليمني، وتعمق جراح الإذلال والتسول جراء الحاجة المستمرة للغير حتى وإن كانت الحاجة ماسة واستثنائية في ظل العدوان والحرب والحصار.
ومشكلة هجر اليمني لزراعة الحبوب ليست وليدة الحرب اليوم.. إنها مشكلة الدولة اليمنية السليبة منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.. حيث أهملت الزراعة لأسباب حكومية ومجتمعية ومؤامرات دولية للحيلولة دون الاعتماد الذاتي الذي بطبيعته يحرر القرار السياسي لأي بلد.
وعلى سبيل الذكر -ومما يثير الضحك والبكاء- أن اليمن حصلت على مساعدات خارجية في مجال الزراعة لبناء مراكز إرشاد زراعي في كثير من المديريات والمناطق, كانت عبارة عن فلل سكنية صغيرة, أهم ما فيها غرف نوم وحمامات راقية وأسرّة نوم عائلية هزاز “إسبرنج” المركز الزراعي في قعطبة نموذجاً والذي كنت قد سكنت فيه أثناء دراستي الثانوية -وهي الحسنة الوحيدة له – وتحول إلى سكن لطلاب القرى البعيدة عن المدينة أما الدور الزراعي والإرشادي صفر على الشمال، وكأن المانح الأجنبي يقول لليمنيين: ناموا ولا تستيقظوا بعد أن عمل على توفير أفضل غرف النوم الزراعية!!
سلام الله على “العهد الإمامي البائد!!” .. كانت اليمن على رأس الدول المصدرة لحبوب الغذاء في العالم العربي، كما كان الإمام المتوكلي –رحمة الله عليه- يقدم المساعدات والمنح الغذائية للعالم كألمانيا والسعودية مثلاً!!
يسجل التاريخ أن إمام المملكة المتوكلية اليمنية أهدى ألمانيا في الحرب العالمية شحنة من الحبوب, فردت ألمانيا الجميل بإهداء اليمن مصنعا لتكرير قصب السكر, لكن “للأسف” لم يكن يزرع اليمن قصب السكر فاضطر الإمام لإهداء المصنع لملك أثيوبيا –والعهدة على الراوي، فإن منطقة في مارب تسمى “الرويك” كانت تعد سلة غذاء “مملكة العدوان” السعودية زمان حيث كانت تشتهر بزراعة أهم المحاصيل الزراعية, ومن كثرة ووفرة ثمارها كانت سلطات الإمام تستنجد بالقوة البشرية التهامية لحصاد المحاصيل!!
يجب أن تشمر السواعد السمراء من جديد لاستعادة مجد اليمن الحضاري الزراعي ويجب- كما قال الشهيد القائد- أن تتجه الأمة نحو الاكتفاء الذاتي لتكون عند مستوى التحدي.
وما يستحق الإشادة هنا هو اهتمام القيادة الثورية والسياسية بمجال الزراعة وإطلاق ثورة زراعية في عموم المحافظات الحرة، وقد بدأت تؤتي ثمارها..وإن كانت بطيئة بفعل العدوان والحصار غير أنها خطوة طموحة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء, حيث بدأ هذه الأيام تدشين موسم حصاد القمح في أكثر من محافظة.
أتمنى أن يرافق هذه الثورة الزراعية تأسيس جمعيات زراعية في كل منطقة ومديرية لتنسيق جهود المزارعين وتوحيد مطالبهم وهمومهم من البذرة إلى التسويق, وذلك بما يكفل تحقيق مردود إيجابي للمزارع والدولة..لأن تجربة الجمعيات الزراعية أكثر جدوى من العمل الفردي العشوائي.
كما اقترح إطلاق حملة “ارجع لحولك” للتوعية والتثقيف الزراعي، وتأكيد بل وتعزيز وارتباط اليمن بأرضه الطيبة.
ارجع لحولك يا يمني.. فإن هجر الريف النظيف وخيراته إلى المدينة الملوثة، وتخليك عن الحقل والمحراث لهثاً وراء بريق المدينة الخادع وزحامها الذي لا يرحم يعد خطيئة وطنية لن يغفرها الأجداد الذين ارتبطوا بمهنة الفلاحة والرعي جيلاً بعد جيل.
ارجع لحولك كم دعاك تسقي.. ورد الربيع من له.. من له سواك يسقي”!
بصوت الفنان أيوب أحلى.