ستخلَّد جرائم العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا في كتب التاريخ وفي سجلات الجرائم الإنسانية العالمية، وسيشهد بها العالم حاضراً ومستقبلاً، لقد أضحت هذه الجرائم واضحة للعيان، لكن العالم المنافق هو من يتجاهل تلك الجرائم ويبرر لها.
ست سنوات من التدمير والقتل والاستهداف للإنسان اليمني ولحضارته وتاريخه، لبنيته التحتية ولمستقبل الأجيال، هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم ولن تتنازل عنها الأجيال الحالية ولا الأجيال القادمة ولابد من الثأر لها.الثورة / خليل المعلمي
إن تخليد هذه الجرائم لابد أن يتم بطرق متعددة منها وأهمها التوثيق، والأخذ بالدلائل والقرائن، وهناك أيضاً طرق متعددة ومتنوعة يمكن عن طريقها تخليد ذكرى الجرائم التي ارتكبها العدوان السعودي الأمريكي، خاصة مع التطور في وسائل الاتصال الحديثة، فهناك التوثيق عن طريق الإصدارات، والتوثيق الرقمي بالصوت والصورة والإصدارات المتنوعة في الدراسات والشعر والزامل ونشر القصص الصحفية وغيرها، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك أيضاً تنظيم وإقامة معارض الصور والفعاليات السنوية التي يتم فيها الحديث عن الضحايا، وتخصيص أيام وطنية في العام لتخليد ذكرى بعينها واستذكارها.. وهكذا.
وفي بلادنا يتطلب الأمر، بعد مرور ست سنوات من العدوان، المضي قدماً في تخليد ذكرى الكثير والكثير من الجرائم التي ارتكبها العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا، فقد حلت الكوارث معظم محافظات الجمهورية وتضرر القاصي والداني في الريف والحضر..
تفعيل العمل الجماعي
إن العمل في تخليد ذكرى هذه الجرائم لا يقتصر على مؤسسات الدولة فقط، ولكن لابد من تفعيل العمل الجماعي، واستنهاض أفراد المجتمع والعمل كل من موقعه من خلال منظمات المجتمع المدني والمبادرات الإنسانية والاجتماعية، ومن خلال تكرار الأنشطة والفعاليات واتخاذ الخطوات المتتالية ورفع القضايا المحلية والدولية، وبدعم من الجهات الحكومية، والعمل من أجل أن تظل هذه الجرائم في ذهنية العقل اليمني حاضراً ومستقبلاً، ولا شك بأن القصاص سيتم ولن يضيع حق وراءه مطالب.
استراتيجية عامة
في هذا الصدد يؤكد وزير الثقافة الأستاذ عبدالله أحمد الكبسي أن استراتيجية الوزارة تمضي ضمن تعزيز الوعي الثقافي الذي يعتبر جبهة من جبهات المواجهة، وذلك من خلال توثيق جرائم العدوان، وتخليد ذكرى الضحايا من شهداء وشواهد بكافة الطرق والإمكانات، ويضيف: لدينا مشروع إعداد وإصدار كتيبات مصورة عن المدن والتراث والآثار من قلاع وحصون وغيرها، والقيام بتوثيق ما تعرضت له هذه المواقع الأثرية من خراب ودمار، ونحن الآن بصدد الإعداد للتوثيق بناءً على دراسة ميدانية لكل محافظة من المحافظات نتوخى فيها الدقة بحيث نبني عليها خططنا وطموحاتنا في المستقبل على ضوء معلومات ميدانية دقيقة وحقيقية.
ومن ضمن استراتيجية وخطة الوزارة مستقبلاً أيضاً إنتاج عدد من الفلاشات والأفلام الوثائقية والمسلسلات النوعية والهادفة في مجالات مختلفة، لخلق ثقافة مضادة لمواجهة الحرب الناعمة والدعاية المسمومة من خلال الإعلام المعادي أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك لتخليد جرائم الحرب وإيصالها إلى الأجيال القادمة، وعلينا من خلال أنشطتنا السعي إلى تعزيز الهوية الإيمانية، المتأصلة فينا، فهويتنا هي الهوية اليمانية الحقة والصحيحة.
عاصفة على التاريخ
ومن المبادرات التي نفذتها وزارة الثقافة بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف خلال العام 2018م وهي تجربة فريدة بحسب وصف وزير الثقافة، حيث أصدرت الوزارة كتاباً توثيقياً مصوراً عن المعالم الأثرية والمواقع التاريخية التي استهدفها العدوان تحت عنوان «عاصفة على التاريخ»، ويعتبر هذا الكتاب وثيقة هامة، حيث تضمن صوراً لكل معلم أثري وموقع تاريخي قبل الاستهداف وبعد الاستهداف، وتحديد موقعه ونوعه، والفترة التاريخية التي بني فيها، ونوع التدمير إن كان جزئياً أم كلياً، ونوعية التدمير هل بالقصف الجوي أم بالديناميت، ومَن هي الجهة المعتدية، وتاريخ الاستهداف، وهي قراءة متكاملة من خلال صورة ناطقة وباللغتين العربية والإنجليزية، وقد فضح هذا الكتاب كذب وزيف إعلام قوى العدوان في عدم تعرضهم للمواقع والمعالم الثقافية والأثرية، وأيضاً قدم صورة لمدى حقدهم الدفين على حضارة وتاريخ اليمن.
متابعة التوثيق
وعن الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للآثار والمتاحف في عملية التوثيق يقول نائب رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف عبدالله ثابت: نحن نقوم بالتوثيق لكل القضايا التي تستهدف الآثار ولدينا قائمة جميع مواقع الآثار المستهدفة وهي مسجلة لدينا صوتاً وصورة، وقبل فترة أصدرت وزارة الثقافة كتاب «عاصفة على التاريخ» وفيه توثيق وتسجيل للمواقع الأثرية حتى ذلك التاريخ، قبل التدمير وبعد التدمير، وعندما يتم تحديث هذا الكتاب بمواقع جديدة أخرى سيظل في الذاكرة وسيحفظ للأجيال القادمة، وإذا لم نقم بواجبنا فالأجيال القادمة ستتحمل المسؤولية.
وأضاف: نحن الآن بصدد إقامة دعوى قضائية ضد دول العدوان لتعمدها تدمير آثار اليمن، وإذا لم يتم البت فيها حالياً فلا شك أن الأجيال القادمة ستحمل على عاتقها متابعة القضية، والقضية لن تسقط بالتقادم، ولابد من تحمل دول العدوان المسؤولية القانونية عن هذا التدمير وهذا الموضوع مهم وسنشرك فيه العديد من الهيئات والوزارات الحكومية مثل وزارة الشؤون القانونية ووزارة الخارجية، لمتابعة هذه القضية، وهذا محل اهتمام الهيئة العامة للآثار والمتاحف والوزارة وقطاعاتها بشكل عام.
مهام جسام
أما الأديب عبدالرحمن مراد رئيس الهيئة العامة للكتاب فيقول: أمام المؤسسات الثقافية الشيء الكثير والمهام الجسام للقيام بتخليد آثار وضحايا هذا العدوان الغاشم على بلادنا بطرق شتى، فالمؤسسات الثقافية متعددة ومتنوعة وكل مؤسسة تقوم بوظائفها ونحن في الهيئة العامة للكتاب، استشعرنا مهامنا ومسؤولياتنا وقدمنا مشروعاً للقيادة السياسية بما يتفق ووظائف الهيئة المنصوص عليها في قانون الإنشاء والقوانين واللوائح السائدة، ويتلخص المشروع في سلسلة إصدارات هي:
– سلسلة الزامل والعدوان: وهي سلسلة توثيقية لكل نصوص الزامل التي تغنى بها المنشدون والمزوملون بدءاً من 26 مارس 2015م، إلى 26 مارس 2021م، ونحن نعلم أن الزامل لعب دوراً محورياً في التحشيد للجبهات وفي تنمية الوعي المجتمعي باعتباره من خصوصيات المجتمع اليمني ومن مدخلاته الثقافية التي لازمت الإنسان منذ فجر التاريخ.
– سلسلة أدباء ضد العدوان: وهذه السلسة تستهدف نشر المجموعات الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية وأيضاً الفن التشكيلي والمقالات…. الخ.. وسوف ننظر في كل منتج إبداعي تم إنتاجه في المدة مارس 2015 إلى مارس 2021م.
– سلسلة جرائم العدوان: وهي سلسلة تاريخية وثائقية فكرية نسعى من خلالها إلى نشر كل ما يتعلق بالدراسات السياسية والتاريخية والاجتماعية والثقافية.
هذا المشروع نبحث له عن دعم من القيادة السياسية حتى نتمكن من إنجاز المهمة وإعلان المشروع في مناسبة الذكرى السادسة من الصمود.
كما أن من أنشطة الهيئة إقامة معرض للتصوير الفوتوغرافي نوضح من خلاله حجم الضرر الذي لحق بالمقدرات الثقافية والمواقع التاريخية والحضرية ونحن نتمنى من القيادة السياسية مساعدتنا بتوفير مستلزمات العمل حتى نتمكن من القيام بتلك المهام.
ويعتقد رئيس الهيئة العامة للكتاب أن ستة أعوام من الصمود جديرة بالتوثيق وجديرة بالاهتمام لأنه من خلال إقامة الأنشطة والفعاليات نعمل على تنمية الوعي بالحرية والاستقلال التي تؤكد عليها خطابات قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي.
ويجدد القول: إن الأفكار كثيرة ونحن قادرون على تحويلها إلى أنشطة وفعاليات تخدم قضيتنا السياسية، وكل الذي نستطيع سوف نعمل على إنجازه لأننا نخوض حرباً لم يشهد الكون مثيلاً لها، وفي المقابل فقد سطر المجاهد اليمني بطولات يقف العالم مذهولاً أمامها ومن حق هذا الجيل أن نعزز من قيمته ومن تضحياته في الوجدان الثقافي وفي ذاكرة الأجيال.
أنشطة متنوعة
فيما تؤكد الشاعرة نوال القليسي: نحن أمام منحدر خطير جداً راكمت مخلفاته معاناة الإنسان اليمني من حصار وقصف ومشاهد ضبابية مظلمة طوال هذه السنوات العجاف، ولهذا يجب أن نغرس في نفوس الأجيال الصاعدة وفي شباب الغد بوادر مشرقة للتذكير بجرائم وقصف وحصار فرض على هذا الشعب مدة ست سنوات من خلال إقامة بازارات تدعو للسلام وتناشد من أجل ترسيخ قيم المحبة والتصالح والتسامح والتماسك بين كافة شرائح المجتمع وتقوية نسيجه المجتمعي أمام أي تدخل خارجي يسعى لتفكيك لحمة ووحدة هذا الوطن من أقصاه إلى أقصاه، وبين كافة شرائح وقبائل هذا الوطن.
وتابعت : وكذلك إقامة مهرجات ثقافية تعزز الهوية العريقة لهذا البلد التاريخي العظيم أرضا وإنسانا، وكذا إقامة معارض فلكلورية تراثية من كافة محافظات اليمن تعكس مدى عراقة وأصالة هذا البلد الذي نشأت عليه عدد من الحضارات والتي جاوزت آلاف السنين وكانت من أقوى وأعظم وأشمخ حضارات العالم وأكثرها زهواً وتنوعاً فلكلوريا وتاريخياً وحضارياً، بالإضافة إلى الاهتمام بدور الإعلام والمسرح والدراما في غرس أهمية وعظمة وعراقة وحضارة هذا البلد الذي يحمل العديد من المقومات التي تجعله في الصدارة من حيث أهمية موقعه الجغرافي ومكنون الثروات الإنسانية وما يتمتع به من معادن وثروة زراعية وسياحية.
واستطردت: نحن بالفعل أمام يمن عظيم صامد مقاوم معطاء إذا أشعرنا العالم بأهميته، إنسانياً واقتصادياً وجغرافياً وتاريخياً وحضارياً كما هو معهود عنه منذ قرون مضت، فهذا في حد ذاته أكبر سلاح لصد وردع أي عدوان أو غزو عليه، وكذلك هي رسالة قوية للأجيال القادمة للتمسك بتراب هذا الوطن كما هي رسالة صادمة تذكر العالم أجمع أن هذا البلد الذي ضرب ودمر وقصف وفرض عليه الحصار والشتات لن يتخاذل أو يضعف أو ينكسر هو اليمن السعيد بخيراته ومدرجاته الزراعية وتنوع معادنه وصناعاته الحرفية وامتياز موقعه الجغرافي وازدهاره السياحي وعمقه التاريخي وتنوعه الفلكلوري والحضاري، راجين أن يكون هذا العام بادرة للسلام والتصالح واليمن الواعد بكل جميل كما ننشد جميعاً نحن أبناء هذا الوطن الواحد الموحد الذي سيظل قلادة ذهبية في صدر التاريخ الذي شهد ويشهد على عراقته وحضارته وأهميته.
تجارب دولية
هناك الكثير من التجارب في تخليد ضحايا الحروب نفذتها الكثير من الدول التي تعرضت للعدوان والغطرسة من قبل دول أخرى، ونذكر منها اليابان وفيتنام.
فقد ارتكبت أمريكا «أم الإرهاب» الجرائم تلو الجرائم، ذهب ضحيتها الملايين من البشر، وتم تدمير الأراضي والمنشآت، ووصل الأمر إلى توارث الأجيال لآثار هذه الحروب، فظهرت التشوهات على الأجيال الجديدة، ومن هذه الجرائم ما قامت به أمريكا من إلقاء القنبلة النووية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين فتم تدمير المدينتين بما فيهما من بشر، وظلت الأجيال متأثرة لعدة سنوات، وكذا الحرب التي شنتها ضد فيتنام راح ضحيتها ما يقارب الـ5 ملايين شخص.
منشآت يابانية للتخليد
لقد أصيب اليابانيون بالصدمة من رؤية بلادهم مدمرة بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية وهالهم عدد الناس الذين قضوا نحبهم في أثناء القتال، فتم إنشاء منشآت جديدة لتخليد ذكرى قتلى الحرب وأصبحت مراسم التخليد تقام على أرواح قتلى الحرب ومن ضمنهم أفراد من الجمهور العام، وفي عام 1959م تم إنشاء مقبرة «تشيدوريغافوتشي الوطنية» في طوكيو لدفن رفاة أولئك الذين قتلوا خارج اليابان أثناء الحرب، وهي إحدى المنشآت الحكومية في اليابان لتخليد ذكرى قتلى الحروب.
كما تم بناء عدد من المنشآت الوطنية الأخرى لتخليد ذكرى مجموعات خاصة من ضحايا الحروب ومن بينها مقبرة في «أوكيناوا» لضحايا القتال فيها وقاعات السلام التذكارية لضحايا القنبلتين الذريتين على «هيروشيما وناغازاكي» بالإضافة لنِصُب تذكارية أُنشأت خارج اليابان من أجل الذين قتلوا في معارك مختلفة أو خلال الاعتقال في سيبيريا.
وتم أنشاء مقبرة «تشيدوريغافوتشي» الوطنية في طوكيو عام 1959 وتتميز بوجود قاعة سداسية تحوي رفاة 358260 جنديا ومدنياً.
وبعد ذلك بُنيَ عدد كبير من المنشآت التذكارية الأخرى من قبل الهيئات الحكومية المحلية ومنظمات أخرى، ومن الأمثلة البارزة عليها متحف «هيروشيما التذكاري للسلام» ومنتزه تذكاري لضحايا الحرب في طوكيو وقاعة طوكيو التذكارية وقبر أجوف لضحايا الغارة الجوية على المدينة في حرب المحيط الهادئ وقاعة السلام التذكارية لمستوطنة مانشوريا ومنغوليا ومتحف السلام تشيران لتكريم طياري «الكاميكازيه» وقاعة «كايتين» التذكارية لتكريم القتلى الذين كانوا طوربيدات بشرية.
تجربة فيتنام
لقد تعدى عدد ضحايا الحرب الأمريكية ضد فيتنام الملايين من البشر، إضافة إلى تدمير البنى التحتية وتدهور الاقتصاد، وارتكبت الكثير من المجازر أشهرها «ماي لاي»، ويذكر أن أعداد جرائم الحرب بفيتنام والموثقة لدى الأمريكيين 360 حادثة، وفى سنة 1995 صرحت فيتنام بأن عدد القتلى في الحرب بلغ 5 ملايين، منهم 4 ملايين مدنيين عُزّل.
ويقوم الملايين من الفيتناميين في 16 مارس بإحياء ذكرى مذبحة «ماي-لاي» التي تعتبر من جرائم الحرب الأمريكية سيئة السمعة في فيتنام، كما يقوم عدد من الزوار ووفد من المحاربين القدامى بزيارة هذه القرية التي تعرّض أهلها للمذبحة.
كما أقامت الحكومة الفيتنامية متاحف عسكرية تخلد فيها ذكرى الحرب الأمريكية على بلدها، ومنها متحف الدفاع الجوي الذي يعرض معدات الدفاع الجوي لفيتنام الشمالية وحطام الطائرات الأمريكية التي تم إسقاطها خاصة القاذفة بي 52 المعروضة أمام مدخل المتحف، وطائرة ميغ-21 المستخدمة في الدفاع الجوي من فيتنام الشمالية، والكثير من بقايا الأسلحة.
وكذا متحف الجيش في هانوي الذي تُعرض فيه المعدات العسكرية التي استخدمها الفيتناميون الشماليون من الدبابات والمدفعية إلى الطائرات ويُعرض فيه كذلك الطائرات الفيتنامية الجنوبية التي تم الاستيلاء عليها، كما يعرض كذلك حطام معدات للقوات الفرنسية، والبحرية الأمريكية، والجيش الأمريكي، والطائرات الفيتنامية الجنوبية التي أسقطت فوق فيتنام الشمالية.