معاني السلام “سعودياً”
غير خافٍ على أحد الحال الذي يعيشه النظام السعودي بعدما طوت الحرب على اليمن- التي يشنها مع تحالف دولي وإقليمي بقيادة أمريكية وبمشاركة بريطانية وفرنسية وإماراتية ودول عربية وأوروبية أخرى- ستة أعوام؛ انتهت بفشل ذريع في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب والتي منها إعادة منظومة الارتزاق والعمالة إلى الحكم في صنعاء، أو في تحقيق الأهداف غير المعلنة متمثلة في غزو اليمن واحتلاله بالقوة العسكرية وإخضاعه بالقوة النارية والحصار والضغوط والمضايقات والتجويع، وارتدت على المعتدين طالت مصالحهم وقواعدهم ومنشآتهم التي يتمولون منها نفطاً وأموالاً هائلة.
إنّ كل من تابع المواقف السعودية منذ اللحظة الأولى لإعلان العدوان العسكري على اليمن من العاصمة الأمريكية واشنطن العدوان قبل ستة أعوام حتى اليوم، والتصريحات والمواقف والعناوين التي تناقضت وتبدلت وتعارضت وانكشفت ، يدرك المأزق الذي وضعت السعودية نفسها فيه ، ويدرك الأزمات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية والمخاطر العسكرية والأمنية التي تهددها في وجودها المرتكز على النفط والتصدير ، وكل تلك الأزمات والمخاطر ما كان لها أن تحدث لولا الحرب التي أشعلها الأمير الملهم ابن سلمان في بلد هو الأقرب جغرافيا إلى بلاده ، معتقدا أنها سُلَّم الصعود إلى سدة العرش ، وإلى زعامة المنطقة ، وإلى قيادة العرب وإلى خلافة الإسلام ، وكل تلك الأوهام كانت على حساب أمن واستقرار المنطقة ، ولصالح أمن واستقرار الكيان الإسرائيلي ، كما كلفت اليمنيين معائشهم وأرزاقهم وبُناهم فملايين الأرواح ازهقت بالغارات وبالحصار والتجويع ، وفي الوقت نفسه كلفت السعوديين الخسائر البشرية والمالية والاقتصادية والعسكرية الهائلة التي لا تقدّرها الأرقام ، وفي المقابل أدرّت الأموال الوافرة على شركات السلاح وتجار الحروب على رأسهم أمريكا وأوروبا واستراليا والصين حيث كسبت من وراء صفقات الأسلحة التي استخدمت في الحرب على اليمن مليارات الدولارات ..
بينما قُتل اليمنيون جوعا وقصفا وبالأوبئة ودمرت البنى والمساكن والمشافي والصناعات والمطارات وغيرها.
منذ الشهرين الأولين للحرب على اليمن لم يتوقف السعوديون عن الرمي بدعوات السلام إلى الفراغ ، وفي ذروة الحرب والقصف والغارات وتحشيد الجيوش إلى المحافظات اليمنية وإطباق الحصار على اليمن برا وبحرا وجوا ، بل وفي ذروة ادعاءات السعوديين بقيادة التحالف الذي يشن الحرب على اليمن ومنح أنفسهم ألقابا كــ “قادة الحزم والعزم” ، وجهوا الدعوات إلى من يسمونهم “أطراف الصراع في اليمن” إلى قبول مبادرات السلام المعروضة من جانبهم ، وأي سلام سيتحقق إذا لم تتوقف الطائرات السعودية عن الغارات ويتوقف المرتزقة الذين تموّلهم السعودية، والجيوش التي تحشّدها السعودية لإسقاط واحتلال المحافظات والمدن اليمنية بما فيها تلك المدن والمحافظات التي تعتبرها ضمن خارطة سيطرة ما تسميها الشرعية ، وأي سلام إذا لم ترعوي البارجات التي تحاصر الموانئ عن ممارساتها وإرهابها وقرصنتها ؟!
هذا التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال ، وفي الأقوال التي تعارض بعضها البعض الآخر ، يشير إلى المأساة التي وقعت المنطقة فيها حين تحكّم المصابون بالزهايمر السياسي بالقرار وامتلكوا القوة والأموال والقرار ، وحين أصبح قرار السلم والحرب بيد المصابين بداء العظمة ونوبات الجنون ، ولا يوجد ما يؤكد تغيراً لدى السعوديين فيما أتى على لسان الوزير السعودي بن فرحان آل سعود ليلة أمس ، وما وصفه بمبادرة السلام التي رمى بها إلى الفراغ مجددا ، وكل المُؤشرات والوقائع التي لا تَحتاج عملية بحث لتَجميعها، تُؤكد أن النظام السعودي يواصل الغي والرعونة ذاتها ، ويعتمد على المسارات نفسها ، ويلتزم الخط العام الذي ساق عليه منذ بداية العدوان على اليمن ، حال التصريحات حال ما سبقها من تصريحات كانت تتباين فقط في أنماط الكذب ، وتتفاوت في مقادير الفبركة والادعاء والنرجسية ، وبأساليب فجّة وبلطجية ، لا تبقي شيئا يحتمل أن السعوديين ومن ورائهم الامريكيين سيوقفون العدوان على اليمن ويرفعون الحصار.
تريد السعودية المقايضة بالملفات الإنسانية ، وتشترط أن يكون في مقابل ما تسميه تخفيف القيود أي فك الحصار جزئيا مقابل استسلام اليمنيين وتوقفهم عن أي عمليات دفاعية عن النفس ، غدا ستقصف السعودية من جديد وستصعّد الحرب على اليمن من جديد ، وحين يستخدم اليمنيون حقهم في الرد على عدوانها تعاود فرض الحصار الشامل بالذريعة ذاتها ، والرد الدقيق لما أورده الوزير السعودي هو ما رد به رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام الذي اعتبر أن السعودية ليست في موقع يتيح لها إطلاق مبادرات بل في موقع يفرض عليها وقف العدوان ورفع الحصار ، الحصار الذي يستهدف ملايين البشر في اليمن عمل شائن ولا أخلاقي ومدان بكل الشرائع تمارسه السعودية بوقاحة وعلى مرأى ومسمع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ، والمقايضة به بدأ على لسان مارتن غريفيث مبعوث الأمم المتحدة وإلا ربما لم يتجرأ المسؤول السعودي على الحديث عنه بتلك الطريقة.
تصريحات المسؤول السعودي هي نوبة من نوبات التضليل والزيف التي اعتمد عليها السعوديون طيلة العدوان على اليمن ، اليوم تجري محاولة تقديمها على نحو مختلف ولكنها تُعَدُّ في مستوى أكبر من التضليل ، ذلك أن ما أعلنه ليس فقط لا ينطوي على جديد ، بل لأنها تتضمن خليطا خبيثا متجانسا من التزييف والتضليل والادعاء والتسويق لكل ذلك على غير الحقيقة.
لو كانت السعودية فعلا تريد فقط إعادة من تصفها بالشرعية إلى اليمن ، فلماذا احتلت المهرة وحضرموت وباشرت الإمارات احتلال سقطرى ، وحشدت القوات العسكرية والدبابات إليها وإلى غيرها من المحافظات التي بقيت بعيدة عن مسرح المعارك ، ولو كانت السعودية تريد السلام في اليمن أيضا فلماذا تستمر الغارات الجوية التي تشنها على اليمن ، ويستمر الحصار الغاشم والقرصنة على سفن الوقود ومحاصر ة المطارات ومنع الرحلات الجوية ؟
تسخين الوضع في الميدان وتصعيد الغارات الجوية لمحاولة خلق وقائع جديدة على الأرض ، مع تصعيد أعمال القرصنة والحصار الظالم في إطار أسلوب حرب التجويع لن يكون مُجدياً، ولن يُكتب له النجاح بتحصيل نتائج مُختلفة عن التي كرستها معادلات الحرب والمواجهة خلال الأعوام الستة الماضية ، وبالتأكيد لن يلغي النتائج التي ترتبت على صمود اليمنيين وثباتهم وتصديهم لمحاولة غزو واحتلال اليمن ، ولا على صعيد ما حققته اليمن من انتصارات ناجزة ، ولا على صعيد دحر المرتزقة والعملاء والجماعات الإرهابية في محافظات البيضاء ومارب وغيرهما ، ولن يعفي النظام السعودي وحلفاءه عن الجوانب الأخلاقية والقانونية في تحمّل أوزار وآثام العدوان العسكري على اليمن والحصار الظالم ، بل سيفاقم مأساة السعودية ويراكم خسائرها ويعرض أمنها ومصالحها ونفطها وقواعدها لمزيد من الضربات ، محاولة الالتفاف والتذاكي على اللوازم والضروريات المفروضة لوقف العدوان على اليمن ومنع ارتداداته على الداخل السعودي لن يجدي ولن يعفي أحدا بل سيضاعف كل ذلك ، وإذا كانت السعودية تدعو إلى السلام فهي تريده بهذه المعاني لا بمعناه الحقيقي وقف الحرب ورفع الحصار عن اليمن.
بقلم رئيس التحرير – عبدالرحمن الاهنومي.