الثقافات المغلوطة ومعركة الوعي
لطف لطف قشاشة
أن تكون واعيا فذلك دليل على انك تمتلك ثقافة متزنة ليست مغلوطة ولا تتجه بك إليها..
كثيرا ما يتبادل الفرقاء والخصوم التهم فيما بينهم أن الآخر يعيش ويتفاعل ويحاجج ويخاصم بمفاهيم وثقافات مغلوطة أوصلته إلى ارتكاب حماقات وإلى تبني مواقف غير سوية قادته إلى إخفاقات متتالية في اغلب مناحي الحياة لذلك فالواجب عليه ان يصحح من ثقافاته المغلوطة حتى لا يقع فريسة تلك الإخفاقات التي ما كانت لتقع لولا تبنيها..
ولو عدنا قليلا إلى منهجية البشر في المعرفة والعلوم لوجدنا أن هناك انحرافات في منهجية التفكير قادت إلى الخروج عن صوابية المعتقد والطريقة المرضية التي أرادها الله..
فالإنسان في جوهره كائن عاقل مدرك مخير لا مسير هكذا خلقه الله خليفة له في الأرض للقيام بوظيفة العبودية لله وإدارة الشأن العام في الدنيا وفق قاعدة التحسين والتقبيح العقليين المؤيدة والمنسجمة بالتعاليم الربانية التي جاءت على لسان رسل الله وأنبيائه متوافقة مع فطرة الله التي فطر الناس عليها..
من هذه البدايات انطلقت البشرية بمفاهيم سوية غير منحرفة ابتداء لكن أرادة الله التي جعلت للإنسان حرية الاختيار عبر حرية الفعل والترك في نفس اللحظة التي تبرز له الحاجة لعمل ما أو لتركه والذي تحكمت فيه حينها المصلحة والغاية من ذلك..
المصلحة وحرية الاختيار هما اللذان بدأت بهما تغيير المفاهيم والثقافات وبرزت معها الصراعات البينية وقد بدأت بقصة هابيل وقابيل في قربانيهما الذي اعتقد كل منهما أنها مراد الله ليقبلها من أحدهما وحين تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر تضررت مصلحة غير المقبول قربانه التي من أجلها سعى مع أخيه لتقديمها والمؤكد أن الاثنين كانا ينظران إلى قربانيهما انه الأمثل ليقبله الله ولكن لأن أحدهما رجع إلى مبادئ الفطرة السوية التي تجعل النوايا المخلصة والتوجه الصادق إلى الله هي المنطلق كثقافة سوية عند تقديم القربان بغض النظر عن قيمته وماهيته بينما الآخر انطلق من مفاهيم أنانية بعيدة عن مراد الله معتقدا أن قيمة القربان المادية ونوعيته هي من تلقى القبول عند الله..
من هذه اللحظة اعتقد أنها كانت البداية للانحراف نحو الثقافات المغلوطة والتي نسميها بالثقافات التي لا توافق الفطرة ومراد الله وبهذا المفهوم بدأت مرحلة الانحراف عن الثقافة السوية إلى ثقافات مغلوطة ومنحرفة..
النبي الخاتم محمد صلوات الله عليه وعلى آله تركنا مثلما ترك من قبله الأنبياء والرسل أتباعهم على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كما جاء في الحديث النبوي. وبالطبع ما جاء به النبي عبارة عن تعاليم أعادت البشرية من جديد إلى المفاهيم السوية التي فطر الله الناس عليها والتي انحرف عنها كثير من نماذج البشر قبله التي تضررت مصالحهم أو التي رأوا في بعض السلوكيات أو التفكير أو المنهجية العملية منه أو من أتباعه أنها ستحافظ على مصلحته في الجاه والسلطة والمال كأمثال الفراعنة الذين ألبسوا على ذواتهم الهالة المقدسة للتحكم في رقاب البشر واستعبادهم ساعدهم في ذلك كهنة المعابد الذين سوقوا لهذه المفاهيم المغلوطة المنحرفة ليقتاتوا من دماء المستضعفين و يحظوا بالتقرب من الفراعنة..
النبي الخاتم عندما نشر التوحيد للعالم حذر من الانحراف الفكري وأن تعود البشرية إلى الاحتكام إلى المفاهيم والثقافات المغلوطة فالمحجة البيضاء تعني الانسجام بين النص الشرعي والعقل البشري. والمعجزة الكبرى المتمثلة في القرآن الكريم خاطبت العقل السوي عندما أعادته إلى قواعد العقل في التحسين والتقبيح العقليين فلم يستطع الرافضون للدين الخاتم أن ينكروا ذلك الانسجام بين النص والعقل..
ولكن وهذا من قواصم الدهر وسوء المنقلب ورغم المحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي صلوات الله عليه وعلى آله إلا أن التأويلات والمخالفات التي أعقبت وفاة النبي أعادتنا إلى تلك الحقبة الأولى التي انحرف بها أحد أبناء آدم حين تقرب إلى الله بقربان غابت فيه النية الصادقة السوية وانحرفت إلى الثقافة المغلوطة فكانت النتيجة الوخيمة التي قادته إلى ارتكاب أول جريمة قتل في التاريخ..
عندما خالف القوم بعد النبي وهم من هم من الرجالات التي كانت حوله بالتأويل تارة وبالمخالفة الصريحة للنبي تارة أخرى عندها عادت الأمور من جديد إلى التدهور نحو الجاهلية فسادت في الأمة ثقافة الجبر وتقديس الطغاة وانحراف مفاهيم الحكم الإسلامي الذي لا يكون إلا في القوي الأمين المدرك السوي فعاد الفراعنة إلى قمة الحكم وعاد علماء السلطة إلى حرف المفاهيم السوية إلى مفاهيم مغلوطة وكثرت في الأمة الغوغاء والفوضى والجور والتخلف وعاد الناس يضرب بعضهم رقاب بعض باسم الطائفية والمذهبية والمناطقية وتحت مسميات أخرى ما انزل الله بها من سلطان وانتج هذا الانحراف عن الثقافات السوية اليوم ما ليس بخاف على كل ذي لب وإحساس وانتماء إلى منهجية المحجة البيضاء السوية..
اليوم الناس بين ثلاثة أصناف الأولى العالم الرباني وهو من تمسك بالنص المؤيد للعقل منطلقا بنية صادقة سوية حافظت على الفطرة التي فطر الله الناس عليها لذا تجدها بعيدة عن الانزلاق إلى صراعات الثقافات المغلوطة متمسكة بمنهجية ( واتقوا الله ويعلمكم الله ). لذلك لا تجدها إلا موفقة راسخة تقف في صف الحق والعدل والعقل لا تتحكم فيها أهواء ومصالح الغوغاء مطلقا والثانية متعلم على سبيل نجاة وهم من انطلقوا متجردين للبحث عن الحق والحقيقة وفق منهجية التوافق بين النص والعقل آخذين العلم كدين عندما هاجت بهم الفتن وكثرت أمامهم النحل والملل فقادهم تعلمهم الصادق إلى سبيل النجاة وهم اليوم من يساندون الحق ويدافعون عنه ويرفضون الباطل ويحاربونه مع العلماء الربانيين وان قل عددهم مقارنة بالصنف الثالث الهمج الرعاع أتباع كل ناعق الذين ضل سعيهم مع كل ناعق وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا بل أن بعضهم تلبس بلباس الزهد والتقوى إلا أن أصل منطلقه وثقافته بعيدة عن النهج السوي الذي يوافق الفطرة الإنسانية..
اليوم الصراع المحتدم بين البشر ناتج بالتأكيد عن تغير واضح في المفاهيم والثقافات. فالثقافة السوية هي التي تمثلها أولئك البشر المستخلفين في الأرض العابدين العاقلين المدركين حقيقة الوجود وانسجام النص مع العقل بينما أصحاب الثقافات والمفاهيم المغلوطة هم المنحرفون عن النص المنسجم مع العقل لذلك تجدهم في واقعهم المعيشي الثقافي كالهمج الرعاع وهي مصطلحات تطلق على من لا انضباط لديهم في السلوك ولا في التفكير..
اليوم الواعون هم من يقودون البشرية بمنهجية إنسانية لا تقبل للفراعنة والطواغيت أن تتحكم فيهم وفي البشرية لذلك تجدهم في مواقع الفضيلة والاتزان بعيدا عن الانفعالات العاطفية والمصالح الضيقة الأنانية وبالطبع لن يكونوا في صف الهمجية الأمريكية الامبريالية و الص ه ي و ن ي ة العنصرية. ولا مع الغوغائية الكهنوتية السعودية ومن لف لفهم وفكر تفكيرهم يقينا لأنها جميعا امتداد لثقافة الفراعنة وكهنة المعابد..
هكذا يجب ان نفهم ونميز بين الثقافات المغلوطة والسوية بالتأكيد..
فمن كانت منطلقاته شرعية وعقلية فهو صاحب ثقافة سوية ومن كانت ثقافته انانية وضيقة وبعيدة عن منهجية العقل والنقل المتلازمين فهو الأوجب بالرفض والمحاربة في معرض معركة الوعي المطلوب في هذا الصراع المحتدم اليوم..
والله من وراء القصد..