يطوي العالم عام 2020م بعد أن عاش لحظة تاريخية حرجة وحقيقة مرة جراء ظهور جائحة كورونا (كوفيد 19المستجد) الذي غيَّر وجه العالم.. كانت مدينة وهان الصينية البؤرة الأولى لهذه الجائحة العالمية التي أدخلت سكان المعمورة في حالة عزلة اجتماعية وصراع مرير ومحنة طال أمدها 12 شهرا شل فيها هذا الفيروس الاقتصاد العالمي الذي سجل انكماشاً كبيراً، واجتاح المجتمعات وحجر نحو أربعة مليارات إنسان في منازلهم، وحصد أرواح أكثر من 1.6 مليون نسمة، وأصاب ما لا يقل عن 76 مليون نسمة حول العالم وفقد أطفال أهاليهم وأجدادهم فيما قضى البعض وحيدا في المستشفى مع منع الزيارات بسبب خطر انتقال العدوى.
بهدوء وخلسة انبعث فيروس “كورونا”، وبهدوء انتشر هذا الوباء منتقلاً من بلد إلى بلد، ومن قارة إلى قارة، ليواصل رعبه الصامت بانتقاله من شخص إلى آخر.
“الثورة” ترصد أبرز ما عاشه العالم من خوف ورعب جراء هذه الجائحة وآثارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية العالمية.. فإلى التفاصيل:الثورة / قاسم الشاوش
خلال عقدين شهد العالم مجموعة من الفيروسات القاتلة، سلالة الكورونا «السارس» الذي انطلق من الصين، مرورا بأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير، وفيروس كورونا الجمال والآيبولا، وأخيرا فيروس كورونا الجديد.
ويرى علماء الأوبئة المتخصصين بالأمراض المعدية “أن تجربة الجائحة هذه فريدة في حياة كل شخص على وجه الأرض، فبطريقة أو بأخرى تأثر كل واحد منا بها”.
ويؤكدون أن كوفيد-19 ليس أكثر الجوائح فتكا، فقد أودى الطاعون في القرن الرابع عشر بحياة ربع سكان العالم، وقضى ما لا يقل عن 50 مليون شخص بالإنفلونزا الإسبانية بين العامين 1918 و1919 و33 مليونا جراء مرض الإيدز في غضون أربعين عاما.
لكن للإصابة بفيروس كورونا المستجد يكفي أن يتنفس الشخص في المكان والزمان غير المناسبين.
ويلخص الصيني وان شونهوي (44 عاما) تجربته مع المرض الذي أدخله المستشفى مدة 17 يوما “وصلت إلى أبواب الجحيم وعدت، لقد شاهدت الذين لم يتعافوا وماتوا وقد ترك فيّ ذلك أثرا عميقا”.
أول وفاة في ووهان
وما كان أحد ليتصور حجم الكارثة عندما أعلنت السلطات الصينية في 31 ديسمبر 2019م تسجيل 27 إصابة بالتهاب رئوي فيروسي في ووهان وسط الصين وغداة ذلك أغلقت السلطات سوق الحيوانات الحية في ووهان للاشتباه بارتباطها بظهور الفيروس.
وفي السابع من يناير أعلن المسؤولون الصينيون تحديد فيروس جديد سمي “2019-إن كوف، وفي الحادي عشر من الشهر نفسه أبلغت الصين عن أول وفاة في ووهان، وفي غضون أيام قليلة بدأت تسجل إصابات في آسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وفي نهاية يناير باشرت الدول إجلاء مواطنيها من الصين، وبدأت الحدود تغلق، فيما وُضع المقيمون في ووهان في إقليم هوباي- ويزيد عددهم عن خمسين مليونا.. في الحجر الصحي.
وتشهد صور التقطتها الوكالة الفرنسية لرجل ميت على رصيف في ووهان والكمامة على فمه وكيس بلاستيكي في يده على الرعب الذي لف المدينة مع أن أي مسؤول لم يؤكد أبدا السبب المحدد لوفاته.
وفي اليابان كانت المفاجأة- عندما رست سفينة “دايمند برينسيس” السياحية في مطلع فبراير- أن أكثر من 700 من ركابها أصيبوا بالفيروس وتوفي 13 منهم.
وفي 11 فبراير أعلنت منظمة الصحة العالمية أن اسم الوباء هو “كوفيد-19″، وبعد أربعة أيام على ذلك أعلنت فرنسا تسجيل أول وفاة خارج آسيا، وانتاب الرعب أوروبا مع تحول شمال إيطاليا إلى بؤرة للمرض في القارة القديمة.
وفي مارس تحدث أورلاندو غالدي رئيس بلدية فيرتوفا في منطقة لومبارديا حيث توفي 36 شخصا في غضون 25 يوما عن اليأس الذي ينتابه بقوله “من العبث أن نرى في العام 2020م جائحة مماثلة أسوأ من الحرب”.
وفرضت إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا الإغلاق التام، وأعلنت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 جائحة، وأوصدت الولايات المتحدة حدودها المغلقة أساسا مع الصين، أمام غالبية الدول الأوروبية، وللمرة الأولى في زمن السلم أرجئت الألعاب الأولمبية.
عزل تام
وفي منتصف أبريل كان 3.9 مليار شخص- أي نصف البشرية- يعيشون في ظل شكل من أشكال الإغلاق والعزل التام، من باريس إلى نيويورك مرورا بنيودلهي ولاغوس ولندن وبوينوس أيريس، ولم تكن تعكر صمت الشوارع المقفرة إلا صفارات سيارات الإسعاف مذكرة بأن الموت للجميع بالمرصاد.
منذ عقود كان العلماء يحذرون من احتمال حصول جائحة عالمية إلا أن مخاوفهم هذه لم تلق آذانا مصغية، ومع هذا الوباء باتت أكثر الدول ثراء عاجزة أمام هذا العدو الخفي.
آثار صحية
في الجانب الصحي خلّف فيروس كورونا المستجدّ شروخاً في الأنظمة الصحية الأكثر تقدماً حول العالم وكان أكثر القلق بصورة خاصة من احتمالية انتشار الفيروس في بلدان نظامها الصحّي ضعيف ولا يقدر سكّانها الحصول على الخدمات الأساسية، إضافة إلى المخاوف الأخرى ، وحذر أطباء وعلماء نفسانيون من آثار “عميقة” لهذا الوباء على الصحة النفسية في الوقت الحاضر ومستقبلا، ودعا هؤلاء الباحثون إلى استغلال الهواتف الذكية في القيام بمراقبة آنية لحال الصحة النفسية لفئات مجتمعية بعينها، لا سيما الأطفال والعاملون في الخطوط الأمامية في قطاع الصحة، وأشارت دراسات إلى تأثُّر العامة بالقلق والعزل جرّاء الفيروس، ووسط توقعات بزيادة معدلات القلق والتوتر أثناء الوباء يتوقع الباحثون زيادة في أعداد المكتئبين والمُقدمين على الانتحار.
ركود كبير
وفي الجانب الاجتماعي والاقتصادي قلبت أزمة كورونا الحياة وسبل العيش في جميع أنحاء العالم وزعزعت استقرار النمو الاقتصادي العالمي وقادت العالم إلى أزمة ركود كبير هددت أهداف التنمية المستدامة وأثرت على الأمن الغذائي، فقد تكون فاتورة هذا الوباء باهظة وثقيلة على الاقتصاد العالمي – وهو ما حدث- حيث أدى توقف شبكات الإمداد إلى انقضاض المستهلكين المذعورين على المتاجر الكبيرة.
وتدفع صناعة الطيران أيضًا ثمنًا باهظًا للأزمة، في حين لا يُتوقع أن تعود الحركة الجوية إلى طبيعتها قبل عام 2023م.
وأعلنت شركة إيرباص الأوروبية لتصنيع الطائرات خسارة صافية قدرها 1.9 مليار يورو في النصف الأول من العام، وأنها لقد استخدمت 12.4 مليار يورو من احتياطها النقدي خلال الأشهر الستة الأولى من العام وخفضت معدلات إنتاجها بنسبة 40 %.
وتخطط منافستها الكبرى بوينغ لزيادة التخفيض في معدلات إنتاجها وتسريح مزيد من الموظفين ووقف إنتاج طائرة “جمبو جيت” 747 الأسطورية في عام 2022م وقد خسرت في الربع الثاني ما مجموعه 2.4 مليار دولار.
كما تعطلت صناعة السيارات مع إغلاق المصانع ووكالات بيع السيارات خلال فترة العزل.
وسجلت شركة رينو الفرنسية في النصف الأول من العام أكبر خسارة صافية في تاريخها بلغت 7,3 مليار يورو، متأثرة بشريكتها اليابانية نيسان وتراجعت الأسهم، وأعلنت في نهاية مايو شطب 15ألف وظيفة.
وأعلنت شركة فولكس فاغن الألمانية العملاقة خسارة بلغت 1.4 مليار يورو في النصف الأول.
وخفف الرئيس التنفيذي لشركة رينو لوكا دي ميو من عبء الأزمة بقوله “الوضع غير مسبوق، لكنه لن يدوم”، متوقعا انتعاش السوق ولكن بأي شكل؟ إذ يتوقع أن تكون العودة إلى الوضع الطبيعي بطيئة، وقطاع السيارات مثل النقل الجوي يخضع لضغوط بيئية متزايدة.
وفي ألمانيا يتوقع الاقتصاديون انتعاشاً سريعاً بعد كبوة، إذ يؤكد كارستن برجسكي الاقتصادي لدى بنك “آي أن جي”، أن “الاقتصاد الألماني قد تعافى بالفعل”.
أزمة داروينية
في القطاع الصناعي، كشفت الشركات الكبيرة أيضًا عن حصيلة كئيبة، إذ سجلت شركة صناعة الصلب “أرسيلوميتال” خسارة صافية قدرها 559 مليون دولار في الربع الثاني.
وأبدت صناعة المواد الغذائية مقاومة أفضل بقليل، ونشرت شركة نستلة العملاقة السويسرية ربحاً صافياً نصف سنوي بنسبة 18.3 %، تحت تأثير عمليات بيع، وجاءت الأخبار السارة القليلة من قطاعي التكنولوجيا والأدوية.
وظهرت -جلية- نتائج النقص المزمن في الاستثمار في المنشآت الصحية مع مستشفيات تكافح من أجل استمرار عمل أقسام العناية المركزة فيها التي تجاوز عدد المرضى فيها قدرتها على الاستيعاب، وراحت طواقم تعاني أصلا من انخفاض الأجور، تخوض المعركة من دون وسائل الوقاية الضرورية.
وقال نيليما فايدا-بامار الطبيب في بومباي “حصلت على شهادتي في العام 1994م وكانت المستشفيات الرسمية مهملة منذ ذلك الحين”. وتساءل “لما احتاج الناس إلى جائحة ليستيقظوا؟” والهند هي ثالث أكثر الدول تضررا من الجائحة.
فيلم رعب
في نيويورك- التي تضم أكبر عدد من أصحاب المليارات في العالم- التقطت صور لطواقم طبية يرتدي أفرادها أكياس قمامة للوقاية من الفيروس، وقد أقيم مستشفى ميداني في وسط سنترال بارك ومقابر جماعية على جزيرة هارت أيلاند قبالة حي برونكس في المدينة.
وقال فيرجيليو نيتو رئيس بلدية ماناوس في البرازيل “الأمر أشبه بفلم رعب لا يمكننا التحدث بعد الآن عن حالة طوارئ إنها كارثة مطلقة” وتكدست الجثث في شاحنات مبردة بانتظار أن تحفر جرافات مقابر جماعية ضخمة.
وراحت الشركات تقفل وكذلك المدارس والجامعات، وألغيت اللقاءات الرياضية، وباتت حركة الملاحة الجوية المدنية شبه متوقفة شاهدة على أسوأ أزمة في تاريخها، وأقفلت المتاجر والحانات والنوادي والمطاعم أبوابها، وفي إسبانيا فرضت إجراءات إغلاق صارمة جدا منع خلالها حتى الأطفال من الخروج، ووجد الناس أنفسهم عالقين في شقق صغيرة جدا أحيانا لأسابيع عدة.
وبدأ العمل من المنزل للأشخاص القادرين على ذلك، وحلت مؤتمرات الفيديو مكان اجتماعات العمل والسفر والاحتفالات فيما عرض الأشخاص الذين تتطلب وظيفتهم حضورهم شخصيا حياتهم أو منصبهم للخطر. ففي مايو كانت الجائحة قد تسببت بخسارة 20 مليون شخص لعملهم في الولايات لمتحدة.
عنف وركود
ويتوقع البنك الدولي في العام 2021م أن يغرق 150 مليون شخص في الفقر المدقع بسبب الركود الاقتصادي، وقد تفاقم التفاوت الاجتماعي المسجل منذ سنوات.
وبات العناق والمصافحة والقبلات مجرد ذكرى فيما تبادل الحديث يحصل عبر الكمامات وواقيات البليكسيغلاس.
وارتفع مستوى العنف الأسري وكذلك المشاكل النفسية، وفيما لجأ سكان المدن الميسورون إلى منازل أخرى يملكونها في الريف أو على الساحل راحت الحكومات تتخبط أمام حجم الأزمة فيما الغضب يعتمل لدى الأشخاص العالقين في المدن.
كما تسببت جائحة فيروس كورونا في انقطاع أكثر من 1.6 مليار طفل وشاب عن التعليم في 161 بلداً، أي ما يقرب من 80 % من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم، وجاء ذلك في وقت نعاني فيه بالفعل من أزمة تعليمية عالمية،
وأصبحت الولايات المتحدة التي تتمتع بأكبر اقتصاد عالمي من دون أن يؤمن ذلك تغطية صحية للجميع، سريعا أكثر الدول تضررا من الجائحة مع أكثر من 300 ألف حالة وفاة إلا أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب خفف بانتظام من تهديد المرض مروجا لعلاجات لم تثبت فاعليتها مثل الهيدروكسيكلوروكين ومقترحا أيضا معالجة الإصابة بماء الجافيل…
سباق مع الزمن
فمنذ انتشار وباء كورونا اصبح البحث عن لقاح فعال لهذا الوباء القاتل قضية هامة محورية للدول الكبرى التي خاضت سباقاً مع الزمن بشكل لم تعرفة البشرية من أجل تواصل لقاح ستكون له رهانات جيوسياسية في المستقبل وسط اختلال التوازن بين قوى الشرق والغرب، وبسبب صراع المصالح بين الدول الكبرى تحولت لعبة اللقاح لهذ الوباء الجيوسياسية من ظاهرة صحة العبة سياسية قذرة يرسم خيوطها الكبار ويدفع ثمنها الصغار ففي مايو، أطلقت الحكومة الأمريكية عملية “وارب سبيد” التي خصصت 11 مليار دولار لتطوير لقاح بحلول السنة الحالية، واعتبر ترامب ذلك أكبر جهد أمريكي منذ تطوير القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن لا الأغنياء ولا النافذين يمكنهم شراء مناعة ضد الفيروس، فأصيب ترامب بالفيروس في أكتوبر وقبله نظيره البرازيلي جايير بولسونارو في يوليو، وأمضى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ثلاثة أيام في العناية المركزة في أبريل.
ومع اقتراب نهاية العام، بدأ أول اللقاحات تطرح في الأسواق مع أنها أتت متأخرة لإنقاذ ترامب من هزيمة انتخابية في مواجهة الديموقراطي جو بايدن في نوفمبر.
وأعلنت مختبرات فايزر الأمريكية العملاقة مع شريكتها بايونتيك الألمانية تطوير لقاح فعال بنسبة “90%”. وسارعت الحكومات لضمان مخزون من هذه اللقاحات، وبعد أسبوع على ذلك، أعلنت شركة موديرنا الأمريكية عن انتاج لقاح فعالا بنسبة 95 %.
حرب اللقاحات
وتستعد الحكومات حول العالم لتلقيح ملايين الأشخاص بدءا بالمسنين وأفراد الطواقم الطبية والفئات الضعيفة قبل أن توسع نطاق التطعيم ليشمل سكان العالم.
وفي ديسمبر أصبحت بريطانيا أول بلد غربي يرخص للقاح فايزر/بايونتيك وكانت قبلها روسيا والصين قد باشرتا حملات تطعيم بلقاح خاص بكل منهما.
وبعدها باشرت الولايات المتحدة التلقيح فيما يتوقع أن تعطي أوروبا الضوء الأخضر نهاية الشهر الحالي.
ومع تهافت أكثر الدول ثراء على شراء اللقاحات يتوقع أن تشهد بداية العام 2021م منافسة دولية على اللقاحات، فستجتهد الصين وروسيا للترويج للقاحهما الأفضل سعرا خصوصا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ومن الصعب راهنا تقدير الأثر الدائم الذي ستتركه الجائحة على المجتمعات. فبعض الخبراء يرون أن التوصل إلى مناعة جماعية يحتاج إلى سنوات فيما يراهن آخرون على عودة الوضع إلى طبيعته في منتصف 2021م.
ويرى البعض أن الجائحة قد تؤدي إلى نهج أكثر مرونة بشأن العمل عن بعد أو حتى إلى نقل جزئي لسلاسل الإنتاج.
ويتوقع ستين فيرموند من جامعة يال “تغييرات عميقة في المجتمعات”.
وفي حال أصبح العمل عن بعد القاعدة في قطاع الخدمات ماذا سيحل بسوق العقارات في وسط المدن؟ هل سيتراجع عدد السكان في المراكز الحضرية مع انتقال كثيرين إلى فسحات واسعة مع سعيهم إلى تجنب وسائل النقل المكتظة؟
ويتوقع أن يتعرض الاقتصاد العالمي لخضات جديدة فقد أعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه من حصول ركود أسوأ من ذلك الذي تلا الأزمة المالية في 2008م، إلا أن كثيرين يعتبرون أن الجائحة تحمل كارثة أكثر دمارا واستدامة.
ويحذِّر لويس دارتنيل الخبير في علم الأحياء الفلكي صاحب موسوعة حول الكوارث والقدرة على الصمود بقوله: “كوفيد-19 شبيه بموجة عارمة ضربتنا لكن يتراءى خلفها تسونامي التغير المناخي والاحترار”.
المصير المشترك
لقد أعاد كورونا إلى الواجهة فكرة المصير البشري المشترك، على الرغم من التمايزات والصراعات بين القوى العظمى وهزال الدول المتخلفة، إلا أن فكرة وجود عدو مشترك يعني في النهاية أن البشرية كلها تعيش نفس التهديد وتسعى إلى حل ينقذ الجميع ومع ذلك، لا يزال هذا الفيروس ناقوس إنذار، إذ تتجاهل المجتمعات الوصول إلى أنظمة الرعاية الصحية، وتحد من الاستثمارات في البحث والتطوير بشكل كبير، ودائماً ما تتطور الأمراض، ويجب علينا أن نزيد باستمرار من قدرتنا على فهم التهديدات المستجدة ومكافحتها.
وكشفت أزمة فيروس كورونا المستجد، عن خللٍ واضحٍ في هيكلة الاقتصاد الوطني القائم على الريع البترولي، وقد فتح الاقتصاد الموازي الستار، لتبرز فئات واسعة من المجتمع لا تستفيد من التأمين الاجتماعي، الذي يوفّر التأمين في حالة البطالة، كما عرّى الفيروس هشاشة قطاعٍ خفيٍّ في المجتمع، يشكّل فيه العمل اليومي مصدر رزق للملايين.
وباء رهيب
ويؤكد العديد من الخبراء أن الحروب والأوبئة والكوارث الجيولوجية اجتاحت الأرض والبشرية على مر العصور وحصدت ما لا يحصى من الضحايا.. الآن في القرن الحادي والعشرين اجتاح الأرض والبشرية وباء رهيب فاجأ العلماء والمختبرات والمصانع النووية التي كان يظن البشر أنها أخطر ما يُحدق بهم، وحّد وباء كورونا العالم والقارات مؤكداً أن القرية الصغيرة التي قالت بها العولمة غير قادرة فعلاً على الصمود في وجه هذه الجائحة المرعبة.
حل أكبر معضلة
جعل العالم يستدعي العقل لحل أكبر معضلة في القرن التي جعلت الحلم الأوروبي والعالمي ينهار كلياً، حلان يرتسمان اليوم في الأفق: تغيير النظم كلياً والتوجه نحو أنظمة جديدة، أو الاستمرار في نهب خيرات الأمم لرفع اقتصادات الدول المتقدمة المتضررة من الفيروس، هو بالضبط السؤال الذي سيحكم فترة ما بعد كورونا فيروس، وإذا كان الحل الثاني هو الأقرب إلى قوى استعمارية لا ذاكرة لها إلا النهب والاستعباد، تظل البشرية في جزئها الإنساني، الأكثر ضعفاً من حيث التأثير.. ومع بدء الجائحة الثانية لفيروس كورونا التي أخذت تجتاح الكثير من الدول حول العالم وخصوصاً أوروبا وأمريكا مع ارتفاع مضاعف لأعداد المصابين، سيستقبل العالم عاماً جديداً قد يكون أسوأ من العام 2020م إذا ما أخذت الجائحة تتسع لتشمل المعمورة بأكملها ، وفي حال لم تنجح اللقاحات التي تم تصنيعها لمواجهة هذا الوباء المدمر والقضاء عليه أو على الأقل في الحد منه، لكن تداعياته ستظل تشكل مصدر قلق كبيراً على المستوى العالمي في مختلف الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية وعلى المستوى السياسي أيضاً.