العجوز الخبيثة واليمن

 

عبدالملك سام

انقلبت المقاييس في العالم مع انتشار حمى الثورات ، وكان لزاما على الدولة الاستعمارية الأولى – حينها – أن تنسحب لتفكر بهدوء في كيفية إعادة تموضعها ، خاصة مع ظهور أمريكا في الساحة ، وعلى العكس من بريطانيا كانت أمريكا لا تنتهج الأسلوب الاستعماري الإنجليزي العنيف ، بل كانت تركز على دعم طبقة الحكام وربط مصالحهم بها لتجبرهم لاحقا على تنفيذ مخططاتها ، في حين أنها استخدمت الألة الدعائية الضخمة التي أنشأتها لتداعب أحلام الشعوب بالحرية والديموقراطية.. كان الجشع الأمريكي بلا حدود ، خاصة مع تحقيق نتائج فاقت المتوقع ، وباتت بريطانيا في حينه في موقف لا تحسد عليه ، وأمن الجميع أنها تقتفي خطى الإمبراطورية العثمانية الراحلة .
قررت بريطانيا حينها أن تتبع أسلوبا جديدا ألا وهو زراعة كيانات تدين لها بالولاء في المناطق التي تريد أن تظل تحت سيطرتها ، وأنشأت كياناً صهيونياً في الشمال (إسرائيل) ، وآخر أصولي في الجنوب (السعودية) ، وقبلت على مضض أن تؤدي دور التابع المطيع حتى لا تخسر كل شيء ، فأمريكا سعت لاستقطاب هذين الكيانين الناشئين وأستوعبت كل أطماعهما ، لذلك كان لزاما على الإمبراطورية العجوز أن تبدي مرونة أكبر وتقبل بحصة صغيرة في كعكة النفط التي ظهرت بشكل أكبر في المنطقة العربية ذات الموقع الاستراتيجي المهم .
اليوم تدور الدائرة من جديد ، وها هي أمريكا تجد نفسها تواجه تحالفا إسلاميا مقاوما يهدد هيمنتها وأطماعها ، بالإضافة إلى ما تواجهه من صعوبة للاحتفاظ بموقعها كقطب أوحد للهيمنة عالميا مع ازدياد مشاكلها الاقتصادية وظهور دول إقليمية منافسة ، وما زاد الطين بلة هو ما تواجهه الأنظمة العميلة التي تدور في فلكها من مشاكل اقتصادية صعبة أدت لنقص ما تجبيه أمريكا من هذه الأنظمة التي استنزفت ثروات شعوبها الكبيرة لعقود .. هذه المتغيرات شجعت بريطانيا على أن تفكر مجددا بالعودة علها ترد بعضا مما خسرته في الماضي ، وهذا طبعا مع الإبقاء على علاقة تحالف استراتيجي مع أمريكا حتى لا يخسر الطرفان كل شيء.
أمريكا قررت أن تفسح المجال أكثر لأطماع حليفتها الصهيونية اللحوحة ، وهذا ما ظهر جليا من خلال حفلات التطبيع المتسارعة في المنطقة ، والتي وجدت الأنظمة العميلة في هذا التطبيع فرصة للحفاظ على دعم أمريكا هروبا من تغيرات داخلية متزايدة مع ازدياد نقمة الشعوب من أنظمتها وازدياد شعبية محور المقاومة الذي قدم حلولا منطقية لأزمات المنطقة المزمنة . وها نحن نرى بريطانيا تمارس ذات الدور الذي لعبته أمريكا في الماضي ، ومن خلال تقديم نفسها كوسيط في أزمات سببتها أمريكا ، ومن جهة أخرى تحافظ بريطانيا على استمرار الحروب المشتعلة ومحاولة زيادة نفوذها العسكري بشكل هادئ ومستمر خوفا من أن تصل نقمة الشعوب ونقمة الحليف الأمريكي إليها فتفقد كل شيء .
العين البريطانية متجهة لليمن ، وها هي تمارس ذات الدور الأمريكي في الماضي ، وشيئا فشيئا تظهر بعض التغيرات التي تدور خلف الكواليس وحقيقة التوجه الاستعماري البريطاني الذي يحاول أن يحقق المكاسب على حساب الولايات المتحدة الأمريكية ، فالكل بات يعرف حقيقة وجود قوات بريطانية في الجنوب خاصة في بلحاف ومطار الغيظة ومناطق أخرى ، وكلنا شاهدنا الدور الخبيث الذي لعبته بريطانيا في العراق وتحاول أن تطبقه في اليمن ، فالمناطق التي سيطرت عليها كانت بردا وسلاما على قواتها ، في حين تشهد هذه المناطق أعنف المعارك الدموية بين أبناء تلك المناطق !
أذاً فهي سياسة “فرق تسد” من جديد ؟! وما التحركات الأخيرة لبريطانيا في المهرة إلا استعراض جديد للدهاء البريطاني بعد عجز سعودي أمريكي لإخضاع أبناء هذه المحافظة الأحرار ، والأيام القادمة ستظهر بشكل أكبر خطورة الدور البريطاني الشيطاني الذي تحاول من خلاله العودة إلى جنوب اليمن ، وكشعب يمني مستهدف يجب أن نتحلى جميعا بالوعي واليقظة ، وأن نرص الصفوف في مواجهة هذه المحاولات القذرة ، وليكن لنا في الماضي وما يحدث في دول أخرى عبرة ، فالاستعمار لا يمكن أن يأتي بالخير لأبناء أي بلد مهما حاول أن يظهر غير ما يضمر ، ولنتذكر أن الآباء عانوا الويلات من هؤلاء المجرمين ، ولن تتوقف المعاناة ألا بطرد هؤلاء من كل شبر من أرضنا .

قد يعجبك ايضا