إيضاح وبيان في مقاطعة بضائع دول العدوان
عدنان الجنيد
* الأدلة على وجوب مقاطعة منتجات دول العدوان:
إن الأدلة على وجوب مقاطعة منتجات دول العدوان كثيرة، وحرصاً منا على عدم شعور القارئ الكريم بالملل ارتأينا أن نذكر أهمها بالآتي:
أولاً: الأدلة النقلية (من الكتاب والسنة النبوية):
1 – إن الله سبحانه وتعالى أمر بالجهاد في أكثر من آية، بل إن ثلث آيات القرآن حثنا الله فيها على الجهاد في سبيل الله…
والجهاد مأخوذ من الجهد ، “ والجَهْدُ: المشقة، والنهاية والغاية، والوسع والطاقة “ (1)
يقول الراغب: “والجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر ، ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس ، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ.)[ الحج: 78] ،
(وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ..)[التوبة 41]،
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ.. )[ الأنفال: 72] “ اه.
وقال _ صلى الله عليه وآله وسلم _: “ جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم “ ، والمجاهدة تكون باليد واللسان… إلخ(2)
قلت: إذا كان النوع الأول من أنواع الجهاد هو مجاهدة العدو ، ومعلوم أن مجاهدة العدو تعني استباحة دمه وماله ، وإذا كان كذلك فإن إلحاق الضرر به عن طريق المقاطعة مشروع من باب أولى..
المهم من هذا تعلم أن الجهاد له صور عديدة وأنواع كثيرة ، فهو لا يقتصر على جهاد أعداء الله بالسلاح فحسب، بل إن مجاله واسع..
قال تعالى:(فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [ الفرقان:52] أي: جاهدهم بالقرآن جهاداً كبيراً بإقامة الحجة وإبانة المحجة ويكون ذلك مصحوبا بالشدة والإغلاظ عليهم تارة ، وبإبطال أراجيفهم، وتفنيد شبهاتهم تارة أخرى.
إذاً المسلم مأمور أن يجاهد أعداء الإسلام والمسلمين بكل صور وألوان الجهاد، بحسب الوسائل المتاحة لديه، وتُعدُّ المقاطعة الاقتصادية صورة من صور الجهاد ، وتدخل في مفهوم الجهاد من حيث المعنى العام للجهاد، وإيضاح ذلك في ما يلي:
أ – بالمقاطعة يستطيع المسلمون أن ينالوا من أعداء الله من خلال ضرب اقتصادهم الذي بدوره سيكبدهم الخسائر الفادحة، وهذا مما يرضاه الله لنا ونثاب عليه، ليس هذا فحسب، بل إن إغاظتهم بأي عمل يقوم به المسلمون هو عين الجهاد، وبه ينالون من الله الأجر الكبير والفضل العميم، قال تعالى: (وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[ التوبة: 120].
ب – إن المقاطعة الاقتصادية تدخل ضمن الجهاد بالمال، قال تعالى: (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ..)[التوبة:41].
والجهاد بالمال إما أن يتم بذله في سبيل الله كنصرة دينه ونصرة عباده المستضعفين، وإما أن يُغاظ به أعداء الله بتحطيم اقتصادهم من خلال الامتناع عن شراء بضائعهم وسلعهم ومنتجاتهم، ويتم استبدالها ببضائع ومنتجات وطنية أو إسلامية أو بمنتجات دول أخرى مسالمة..
ج – إن المقاطعة الاقتصادية تُحقق الكثير من مقاصد الجهاد، مثل نصرة المستضعفين، وإذلال أعداء الله ورسوله وإضعاف قوتهم ؛ لأن قوتهم العسكرية تقوى بقوة اقتصادهم.. إلى غير ذلك من المقاصد السامية..
وإذا كان ذلك كذلك، فإن الجهاد ما فُرض على هذه الأمة إلا لكي تتحقق مقاصده، ومن الحقيقة بمكان أن المقاطعة تُعدُّ من أعظم أنواع الجهاد التي من خلالها نستطيع بكل ثقةٍ واقتدار أن نحقق جملةً من مقاصد الجهاد، ناهيك عن نتائجها التي سنذكرها في الحلقات القادمة بإذنه تعالى.
د – إن المقاطعة تُعد -أيضاً – نوعاً من أنواع الجهاد المتمثل في مجاهدة النفس، وجهاد النفس لا يتحقق إلا بمخالفتها -أي النفس- ومنعها عن رغباتها اللاهثة نحو شراء منتجات دول العدوان التي تدخل في دائرة المحرمات، وهذا يُعد تربية للنفس في ترك ما يفسدها كي ترتاض على ترك كل ما لا يرضاه الله ورسوله..
هـ – إن المقاطعة تدخل – أيضاْ – تحت نوع آخر من أنواع الجهاد وهو جهاد القلب ، وجهاد القلب هو أن ينكر المنكر وذلك ببغضه وكراهيته ، جاء في الحديث: “ ومن جاهده بقلبه فهو مؤمن “رواه مسلم(3).
فلاحظ هنا -أخي القارئ- كيف سمَّى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – الفعل القلبي جهاداً…
فالمسلم عندما يبغض ويكره منتجات دول العدوان ويترجم ذلك الكره وتلكم البغضاء في واقعه بالمقاطعة الاقتصادية بنية رضا الله، ونصرة المسلمين المضطهدين، وإغاظة أعداء الله، والنيل منهم، وعدم التعامل معهم، فإن الله تعالى يثيبه بالأجر العظيم، ويكون عند الله من المحسنين.
هذا وسوف نستكمل بقية الأدلة في الحلقة القادمة بإذنه تعالى..
الهامش
(1) “ المعجم الوسيط “ ص١٤٢.(2)” المفردات في غريب القرآن “ للراغب الأصفهاني ص١٠٨.
(3) “ صحيح مسلم بشرح النووي، “[215/2] ،ح (177) كتاب “ الإيمان “ ، باب “ كون النهي عن المنكر من الإيمان “