الرياض/
لطالما كان التغيير السياسي في أمريكا ذا أهمية خاصة في تطورات ومعادلات النظام الدولي، لذلك أصبحت قضية الانتخابات الأخيرة ذات أهمية مضاعفة مع اختلاف المقاربات الشديدة للمرشحين الأمريكيين تجاه القضايا المحلية والدولية، حيث تمت متابعة هذه الانتخابات بحساسية أكبر خاصة بالنسبة للحلفاء المقربين من أمريكا، وفي غضون ذلك، كانت السعودية إحدى الدول التي نظرت إلى نتائج الانتخابات الأمريكية بخوف وأمل، وهي تعدّ حليفاً قديماً لواشنطن في منطقة الخليج الفارسي.
وفي هذا الصدد، من المهم ملاحظة أنه لا توجد رؤية موحدة لنتائج الانتخابات الأمريكية بين أفراد العائلة الحاكمة في السعودية، بسبب المنافسة الشديدة على السلطة بغية الوصول الى قمة الهرم في السنوات الأخيرة.
وفي حين اتضح تقدم بايدن على منافسه ترامب في السباق الانتخابي يمكن أن نتخيل أن محمد بن سلمان – ولي عهد السعودية – يسير في أروقة قصره المُذهب يغمره الغضب والقلق الشديد بشأن المستقبل، الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال رد فعل الملك السعودي وولي العهد على فوز بايدن، حيث هنأت الرياض بايدن على فوزه عقب إعلان فوز الأخير بيوم واحد مع التذرع بأسباب عديدة ضمن رسالة تهنئة غير حارة، معربة عن أملها في توطيد علاقة ثنائية قوية في المستقبل، وهذا بالطبع ليس سوى مجاملة دبلوماسية، وابن سلمان ليس لديه أمل في التطلع إلى مستقبل علاقته مع البيت الأبيض.
كان ترامب مدافعاً رئيسياً عن الانتقادات الدولية لأفعال ابن سلمان، بدءاً من انتهاكات حقوق الإنسان وقمع المعارضة المحلية والأجنبية وصولاً إلى الخطط العدائية، وخاصة في الجريمة المستمرة حتى اليوم في اليمن، ومن ناحية أخرى فإن طموحه في اعتلاء العرش في أقرب وقت ممكن – على الرغم من المنافسين الكبار له مثل محمد بن نايف الذي أطاح به وسجنه بعد ذلك بسبب تسامح ترامب لن يكون من السهل متابعته في عهد بايدن والديمقراطيين. الأمر ذاته الذي فعله مع عمه – الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي يعد بمثابة منافسه الرئيس على ولاية العهد والتاج وما بعده. لكن الآن لن يكون لدى ابن سلمان ملك رئيسي مثل جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشار ترامب في البيت الأبيض الذي استثمر في شخصية ابن سلمان الطموحة لتسريع علاقات الرياض مع الصهاينة.
وعد بايدن مرارا وتكرارا بمراجعة وإعادة النظر في العلاقات الأمريكية مع الرياض، وقال في خطابه الانتخابي في 12 أكتوبر “التزامنا بقيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان سيكون أولويتنا حتى بالنسبة الى أقرب شركائنا”، وبشأن اغتيال جمال خاشقجي قال “إن روحه لن تضيع” وإنه “إذا فاز في الانتخابات سيعيد النظر في علاقات واشنطن مع الرياض وينهي الدعم الأمريكي للحرب في اليمن”.
وبما أن هذا الأمر هو رد فعل للرأي العام ضد استمرار دعم البيت الأبيض للطغاة في مختلف أنحاء العالم، ونظراً لزيادة الضغط الذي يحمله الرأي العام ووسائل الاعلام الأمريكية فيما يتعلق بمواصلة دعم البيت الأبيض لحرب ابن سلمان على اليمن، والذي قام بقمع المعارضة وكان وفق جهاز المخابرات الأمريكية، هو العقل المدبر الرئيس لاغتيال جمال خاشقجي، لذا قام بايدن من أجل الوصول إلى البيت الأبيض، بالدعوة مرة أخرى إلى تغيير هذا النهج.
وفي هذا الصدد يعتقد نيل كوليام – العضو المفكر في مركز أبحاث تشاتام هاوس في بريطانيا – أن حكومة بايدن ربما تحاول التعبير عن عدم رضاها عن سياسات السعودية الداخلية والخارجية.
وقال إن “القيادة السعودية قلقة من قيام الحكومة الديمقراطية والكونغرس بمراجعة شاملة للعلاقات بينهم، بما في ذلك إعادة تقييم العلاقات الدفاعية، وبالتالي من المرجح أن توجد أصوات إيجابية وتتحرك نحو إنهاء الصراع اليمني”.
كما يعد وعد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، والذي يعني بالمعنى الأدنى للكلمة وبصرف النظر عن تحققه ام لا، عدم اتباع سياسة ترامب المتمثلة في ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران وتخفيف التوترات بين طهران وواشنطن في الخليج الفارسي، الأمر الذي يؤكد فشل استراتيجية التحالف العدوانية المتمثلة في مثلث نتنياهو – ابن سلمان – ابن زايد. وقد تكون مقاربة أزمة حصار قطر هزيمة كبرى أخرى للرياض.
لكن على الرغم من أن انتصار بايدن غير سار بالنسبة إلى ابن سلمان، فإن خصومه، ومع كل ثقلهم مثل محمد بن نايف يمكنهم تضييق الخناق على ابن سلمان، وعلى الرغم من أن إصلاحات ابن سلمان الأحادية الجانب في المجال الاجتماعي كانت قادرة في البداية على تقديم الدعم لشريحة من المجتمع السعودي الشاب الذي سئم من الإيديولوجية الوهابية الخانقة في العصور الوسطى، إلا أن الظروف الاقتصادية غير المواتية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، وتفشي وباء كوفيد 19 والسياسة الخارجية المكلفة، سرعان ما قللت شعبية ابن سلمان، إلى جانب الافتقار إلى إصلاحات سياسية وحقوقية حقيقية مع الإصلاحات الاجتماعية، ومن المتصور أنه مع انخفاض الالتهاب في المنطقة يمكن سماع صوت المواقف الأكثر اعتدالا من الشخصيات ذات الخبرة في الأسرة السعودية مثل بن نايف، محليا وإقليميا ودوليا، بحيث يمكن أن يحبس بايدن النفس في صدر ابن سلمان.