فوبيا إيران
محمد علي عناش
شارفت الحرب على اليمن على إنهاء عامها السادس من قبل تحالف دولي بقيادة أمريكا والسعودية، بالطبع هذه الحرب وهذا الحصار الخانق، لم يحققا أهداف التحالف المعلنة والتي كان سقفها الزمني محدداً بشهر أو شهرين ويعود الخائن عبدربه منصور رئيسا متوجا في القصر الجمهوري في صنعاء، لكن الواقع أنه خلال ست سنوات لم يستطع أن يعود حتى إلى عدن التي يقول عنها محررة، فما يزال يحتضر سريريا في إحدى فنادق الرياض، وكل ما حققته الحرب طوال هذه المدة نتائجه وانعكاساته كارثية على الصعيد الإنساني والاقتصادي والاجتماعي، ترقى الكثير منها إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، وملفات إدانة مكتملة الأركان القانونية ولن تسقط بالتقادم..
شُنت هذه الحرب الملعونة وارتكبت كل هذه الجرائم والكوارث تحت مبررات عدة، منها إنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، فوبيا إيران التي عشعشت في نفوس قوى التحالف وأذيالها وتحكمت في المزاج السياسي البليد والعفن لأعراب الخليج، وفتحت خزائنها لمواجهة هذه الفوبيا بشكل سافر وبلا أدنى منطق من التعقل والرشد، لدرجة أن أصبح هذا الأمر مدعاة للسخرية العالمية عبر مختلف المنابر، حتى من قبل أمريكا نفسها التي خاطبت حكام السعودية على لسان الرئيس دولاند ترامب حينما قال(ادفعوا لنا المزيد من المال لاننا نحمي مؤخراتكم).
فوبيا إيران لدى عرب الصحراء والتي جعلت اليمن ساحة لها، تكشف من الجانب الآخر حجم التناقضات القذرة في اللعبة السياسية التي تقوم على المصالح مهما كانت النتائج، كون جميع هذه الدول لها علاقات دبلوماسية وتجارية نشطة مع إيران، الأمر طبيعي وجائز بالنسبة لها، لكن بالنسبة لليمن محرم وبعبع كبير وكأن اليمن ملك من أملاكها ونفوذهم وكل ما يتعلق باليمن ليس شأنا يمنيا بل شأنا سعوديا وخليجيا، لأنه على مدى عقود جرى ترسيخ هذا التعامل والتدخل السافر حتى أصبح ثابتا وأصبح بمثابة القانون ومن يحاول أن يكسره أو يواجهه سوف تكون نتائجه وخيمة.
حاول الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي أن يحرر القرار اليمني ويجعل الشأن الداخلي لليمن شأنا يمنيا خالصا كانت النتيجة تدبير مؤامرة قذرة لاغتياله وبحضور الملحق السعودي في اليمن، وحاولت ثورة 21 سبتمبر انطلاقا من أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أن تحرر القرار اليمني كانت النتيجة هذه الحرب الملعونة على اليمن، تحت مبررات عدة منها إيران، فقتلوا الأطفال وأغلقوا المطارات والموانئ ودمروا المستشفيات والمصانع والجسور تحت مبرر استعادة الشرعية وتحرير اليمن من إيران، ست سنوات يحررون اليمن من إيران بكل أدوات الحرب القذرة، لكنهم لم يستطيعوا أن يحققوا هذا الوهم الذي كان سقفه الزمني شهرين من الحرب، لم يستطيعوا أن يثبتوا على أرض الواقع أي دليل مادي على تدحل إيران في اليمن، مثلما أثبت الطرف الآخر المتمثل في أنصار الله التدخل الدولي السافر في الحرب على اليمن ليس فقط بالدعم العسكري واللوجستي بل أيضا بالتدخل المباشر في الحرب ميدانيا بالطيارين والسفن الحربية والمقاتلين، ليس هذا وحسب بل وأثبتوا دعمهم وتجنيدهم للعناصر الإرهابية من القاعدة وداعش في هذه الحرب.
إيران مجرد فوبيا ليس لها وجود في اليمن، والمؤكد أن هذه الحرب تسعى لتحرير القرار اليمني من يمنيته وجعله شأنا سعوديا وإماراتيا ومن خلفهما أمريكا.
ولذا لا غرابة أن تحدث كل هذه الضجة الكبيرة على تعيين جمهورية إيران سفيرا لها لدى اليمن ممثلة بسلطة صنعاء، واستقباله رسميا من قبل رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط، والذي جسد على الصعيد السياسي ضربة موجعة للتحالف أسقطت بها فوبيا إيران أخلاقياً وسياسياً وعسكرياً.
نافذة الضوء التي أحدثها المجلس السياسي في جدار الدبلوماسية الدولية المظلم على اليمن منذ ست سنوات، أظهر حنكة المجلس السياسي ممثلا بالرئيس مهدي المشاط والذي تمكن بما يمتلكه من قدرة كبيرة في الإقناع من إيصال رسالة اليمن وصوتها وصورتها الحقيقية إلى العالم الحر، هذه الحقيقة التي جرى تشويهها برسم صورة مغايرة للواقع بأن أنصار الله مجرد مليشيات كهوفية اختطفت الدولة والشرعية، كما مثل من جانب آخر فضيحة مدوية لما يسمى بالشرعية ممثلة برئيسها عبدربه منصور هادي وحكومته الذين يديرون شؤون شرعيتهم من فنادق الرياض ويستقبلون سفراءهم في قصور بن سلمان وبخلفية العلم السعودي وغياب العلم اليمني، فضيحة مدوية أن من يقولون عنهم مليشيات يستقبلون السفراء في صنعاء وببروتوكول عالي المستوى، فيما الشرعية لا تستطيع أن تدير أمورها وشؤونها في قصر المعاشيق بعدن التي يقولون عنها محررة، بل لا تجرؤ هذه الشرعية أن تضع قدمها في أي محافظة من المحافظات الجنوبية خوفا وجزعا من اضطراب الوضع الأمني المليشياوي هناك الذي رسم صورة حقيقية للغياب التام للشرعية والدولة أيضا.
بكل المقاييس الشرعية سقطت وفوبيا إيران سقطت أيضاً بمعايير أخلاقية ومعايير معترف بها دولياً، لذا فالضجة التي صاحبت وصول السفير الإيراني إلى صنعاء قوبلت بفتور دولي وعدم اهتمام بعد أن اتضحت الحقائق، وبات العالم الحر يتعامل مع فزاعة إيران بأنها مجرد فوبيا لتدمير اليمن والسيطرة على القرار اليمني، ويدرك أن كل مؤهلات ومعايير الدبلوماسية تتمثل في سلطة صنعاء، والمزاج السياسي الدولي بات يسير في هذا الاتجاه والفترة القادمة سوف تشهد تحولات ومفاجأة جوهرية في هذا الجانب.