ضعف مدخلات التعليم أثر في النتائج والعدوان فاقم المشكلة
ضرورة وليست ترفاً: الاهتمام بالتعليم الأساسي بوابة عبور إلى التفوق
الثورة / سارة الصعفاني
يواجه التعليم العام والعالي في بلادنا منذ عقود تحديات تفاقمت في ظل العدوان والأزمات وانعكست على مخرجات التعليم التي أصبحت ضعيفة للحد الذي لم يعد مستغربًا عدم إجادة شريحة واسعة من الطلاب وبعض الحاصلين على شهادة الثانوية للقراءة والكتابة والحساب المبسط من جمع وطرح وضرب دون مساعدة محرك بحث وآلة حاسبة، ما يفرض التفكير جديًا في كيفية مكافحة الأمية – الهجائية والوظيفية (أمية العيش) فضلاً عن الأمية المعلوماتية والتكنولوجية – كبوابة عبور نحو المستقبل الحلم.
وليس في الأمر تهويلاً سياسيًا لحزب معارض لا يعجبه شيء، لكنها الحقائق تثبت أن من يواجه مشكلة في السمع لن يتحدث بطلاقة إن نطق، ومن يتلعثم في قراءة النص بالضرورة يجد صعوبات في التعلم تدفعه للهرب مسافات من العلم والمعرفة إلى منطقة الراحة *اللاتفكير * ، بل أن أول خمس سنوات من عمر الطفل تحدد شخصيته ومستوى نموه عقليًا وجسديًا ومسار حياته.. المسألة ترابطية ممتدة الأثر.. بمعنى ليس بإمكان شخص حاصل على شهادة عليا في تخصص ما أن ينافس في السوق العالمية التنافسية إن لم يكن معترف بشهادته دوليًا أو انكشف فقره المعرفي في امتحان الكفاءة، فضلاً عن عدم إجادة الموظف المحتمل القراءة والكتابة للغته الأم في زمن تعدد اللغات والقدرات بحثًا عن وظيفة تستحق الجهد، تحسن جودة الحياة، وتضيء الوطن .. فالبقاء لمن يُرى من الفضاء.
الشاهد أن مستوى الطلاب في مختلف مراحل التعليم متعثر، وإن حصدوا معدلات مرتفعة حتى في الامتحانات الوزارية؛ لأسباب متشابكة، في مقدمتها نظام الامتحانات بعد تحويل نظام الأسئلة من مقالي يكشف مستوى استيعاب الطالب للمقرر وينمي مهاراته اللغوية والذهنية إلى أسئلة موضوعية سهلة إجاباتها مختصرة بمساحة محددة لا تتجاوز السطرين، بل والاتجاه إلى وضع امتحانات لا تتطلب كتابة الطالب حرفًا واحدًا في ورقة إجابته ،حيث الإجابات رموز .. ضع إشارة صح أو خطأ واختر من متعدد.
صحيح أن لهذه الطريقة مميزاتها عالميًا، فالحاسب الآلي وفر الوقت والجهد البشري، وقلص الميزانية، وعزل المؤثرات الخارجية، ويحسب لهذا النظام أيضًا استخدامه أساليب الاستنتاج والاستنباط في الاستذكار بدلاً من الحفظ والتلقين لكن.. في المقابل سهّل هذا النمط من الأسئلة الغش دونما الحاجة لشبكات مساندة إن غابت الرقابة ، بل وأخفى مستوى الطالب المعرفي ،حيث ليس بإمكان هذه الأسئلة السريعة الإجابة قياس معدلات الذكاء وطرق التفكير بين الطلاب من خلال تضليل في مربع اختيار أو نقر للإجابة في لوح إلكتروني.
المؤسف أن هذا النظام ليس لصفوف المرحلة الابتدائية فحسب تماشيًا مع ما تنفذه دول متقدمة في مجال التعليم كسويسرا من سياسة عدم خضوع الطالب لأي امتحانات في هذه المرحلة العمرية؛ حماية لنفسية الطالب الصغير وتأثره بالفوارق الفردية ، فالقرار في مدارسنا متروك لرغبة المدرس، قناعته، إحساسه بالتقصير في تأدية واجبه بل ومعرفته بمستوى الطلاب ، وربما تدخلت إدارة المدرسة لزيادة نسبة النجاح مبررة هذه الكارثة التربوية بتقديرها للظروف الصعبة التي رافقت العملية التعليمية.
ويزيد الطين بلة انضمام الامتحانات الوزارية بل وامتحانات القبول الجامعي لهذا النظام من الامتحانات الذي وإن طبق في دول تحصد مراتب متقدمة في المنافسات العالمية ومؤشرات جودة التعليم إلا أن الطالب يخضع لاختبار المعلومة يقينًا بعد إجادته القراءة والكتابة والحساب، ومعرفة مستواه المعرفي التراكمي خلال عام دراسي، وفي بيئة تعليمية جديرة بالمحاكاة.
المؤكد، دونما تعليم ينير العقول فإن امتحان (الإشارات) فرصة مواتية لابتعاد الطالب عن فرص المذاكرة العميقة ، وعدم معرفة مستواه الدراسي ومهارته في تخزين المعلومة وتوظيفها خلال سنوات التحصيل العلمي حيث يغلب على إجاباته في هكذا نمط من الأسئلة ضربات الحظ والترجيح أو اختيار الإجابة الأقرب للصواب خاصة إن شَاب محتوى الأسئلة الغموض.
وهي وان كانت طريقة تمنح الطالب المجتهد والذكي مكافأة مثابرته بسهولة لكنها تهوي بالمهمل والطالب مشوش المعلومات، ضعيف الذاكرة إلى درجة الصفر رغم ميزة تغطيتها أجزاء واسعة من المنهج، وتقليل الدرجة المرصودة عند الخطأ لتعدد الأسئلة، وابتعادها عن ذاتية التقييم الضيقة.
وأيًا يكن فإن نظام الامتحانات ليس سوى نتيجة ربما ستخفي المشكلة لحظة رصد درجات الطالب في المحطات المفصلية في مراحل التعليم المختلفة لكن الأزمة متصاعدة ، ما يفرض التصدي ابتداء بتأهيل المعلم وإكسابه القدرات وتعزيز مهاراته وبالأخص معلمو اللغة العربية والحساب فضلاً عن تطوير مناهج كليات التربية ، فالطالب ثمرة جهد المعلم الذي يعد في نهاية المطاف نتاج ما تلقاه من التعليم، الاهتمام والرعاية، الدعم المادي والمعنوي، والبيئة التعليمية المناسبة وخلاصة ما تعلمه في المقررات الدراسية المواكبة لروح العصر المتشبعة بالمعارف والعلوم لا الحشو.
وبحسب تربويين ومراقبين فإن مقررات وزارة التربية والتعليم عليها مآخذ في أي بلد في العالم، أبرزها عدم مواكبتها لروح العصر، وعدم معرفة الطالب المغزى من دراستها إلا أنها في بلادنا توصف أيضًا بالمعقدة؛ كونها تهدف إلى تحفيز التفكير والبحث عن المعلومات قبل معرفة الإجابة من المعلم في ما يُعرف بـ بالمشاركة التفاعلية ، ربما نجحت الفكرة في جميع المدارس في ظروف مغايرة.
ولا قاعدة ثابتة في مسألة نظام التعليم، إذ توجد دول رائدة على الصعيد الدولي رغم انفرادها وغرابتها؛ فلا يوجد منهج موحد في سويسرا حيث تتكفل كل مقاطعة من الـ26 بمضامين مقرراتها ومسؤولة عن طلابها في إطار خطوط عريضة تضعها الدولة، وفي كوريا يذهب معظم الأطفال إلى مدارسهم 7 أيام في الأسبوع ويقضون في المدرسة معظم ساعات اليوم، تمنع دولة سنغافورة المدارس الدولية ، و في فنلندا يلتحق الأطفال بالتعليم مبكراً، ولا واجبات منزلية ولا اختبارات تحديد مستوى قبل بلوغ الطالب عمر 13 عامًا، وحتى عمر 16 عامًا التعليم في كندا إلزامي؛ ما يفسر حصولها على أعلى نسبة في العالم من خريجي الجامعات.
وتتشابه جميع الدول في مجانية التعليم وإلزاميته عادة في مراحل التعليم الأساسي، ولا تعليم في اليابان إلا باستخدام التكنولوجيا، و في العام الماضي قدر المنتدى الاقتصادي العالمي مبلغ الاستثمار في تطوير تقنيات التعلم الإلكتروني بـ 18.66 مليار دولار.
وتختلف البلدان في الإمكانيات، ونسبة الإنفاق على التعليم تبعًا لاقتصاد البلد، وإدراك ساسته لأهمية العلم إلا أن الوصول إلى المعرفة الأساسية متدني في أي بلد، وتقاس بناءً على معدل محو *الأمية الهجائية * وأمية الكبار ، والالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية ، ومتوسط سنوات المرأة في المدرسة.
الثابت أيضًا أن الدول التي تمنح المعلمين أجوراً مرتفعة مثل لوكسمبورغ، ألمانيا، هولندا، أستراليا تحرز مراكزًا متقدمة في منافسات التعليم ومؤشرات الجودة، فضلاً عن حرصها على اختيار المعلمين من ذوي الشهادات العليا في مجال التدريس خاصة لصفوف المرحلة الأساسية، وتعرف منظمة التنمية التعاونية الاقتصادية الدولية قائمة الأمم الأكثر تعلمًا بأنها الدول ذات العدد الأكبر من خريجي الجامعات والمعاهد العليا وأصحاب شهادات الماجستير والدكتوراه.
وتحتل الدول العربية في جودة التعليم حسب مؤشر التنافسية الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي نهاية القائمة رغم تطبيق استراتيجية تطوير التربية العربية في مجال التعليم الأساسي والإلزامي منذ عام 1979م، ووفقاً لـ مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي دافوس فإن 6 دول عربية من بينها اليمن خارج نطاق التقييم؛ لافتقارها معايير الجودة في التعليم.
فالتعلم رحلة أساسها مطالعة الكتب في شتى المجالات لكن نصيب العالم العربي من الكتب لا يتعدى 28 عنوانًا لكل مليون شخص، ولا يتجاوز عدد الكتب التي تترجم في الدول الناطقة بالعربية 300 كتاب في السنة مقارنة بمتوسط 1650 كتاباً في دولة صغيرة كاليونان.
في الوقت الذي تبذل دول جهوداً مضاعفة في محو الأمية التكنولوجية ،وإحراز المراكز المتقدمة في جودة التعليم بالمؤشرات العالمية، وصولاً إلى إغلاق مراكز الدروس الخصوصية في دول عربية لضمان تكافؤ الفرص، وتخصيص حصص إضافية للقراءة والكتابة ضمن دروس قواعد الإملاء، يتراجع (التعليم).. المبنى والمعنى.. بالقرب من منصة تحية العلم ( الله .. الوطن .. الثورة .. الوحدة .. تحيا الجمهورية اليمنية )، إلا أن افتتاح قسم ( التعليم الأساسي ) في كلية التربية جامعة صنعاء خطوة بحاجة إلى اهتمام وتوجيه في أن يكون الهدف الأساس لهذا القسم بناء جيل يتقن القراءة والكتابة والحساب على الأقل مؤقتًا، وخضوع المتقدمين للدراسة في كليات التربية المنتشرة لامتحان كفاءة وقدرات وأساليب تربوية، فضلاً عن تفعيل الرقابة لمنع الاختلالات ما بين تهاون في الشرح ومعلم بديل؛ فالمعلم أساس بناء الوطن، ومصدر قوته.. أو انهياره.