خلال ست سنوات من العدوان على اليمن، طال الجانب الثقافي في مختلف أنحاء البلد دماراً واسعاً، انعكس بشكل سلبي على النشاط الفني والثقافي فتوقف المسرح والصباحيات والأمسيات الشعرية ومعارض التشكيل، وحرم الحصار القارئ اليمني من مطالعة جديد الإنتاجات التي تصدرها دور النشر الخارجية إلى صنعاء وما حولها، كما توقفت دور النشر المحلية عن الطباعة إلا في ما ندر.
الثورة / عبدالقادر عثمان
تلك الحالة المأساوية التي بدا خلالها المشهد الثقافي اليمني قاتماً دفعت القليل ممن لا يروق لهم حاله لمحاولات مضنية لإضاءة المدى الذي تحاصره الحرب الفكرية من كل جوانبه، فجاءت نشاطات المبادرين على هيئة زخات لا تروي ظمأ المتابع العادي فضلا عن المثقف المهتم، لكنها احتفظت بشرف المحاولة.
على خطى تلك المحاولات يأتي معرض الكتاب في صنعاء، من 23 سبتمبر الجاري ويستمر حتى الثاني من أكتوبر المقبل، كبارقة أمل للكثير من القراء ودور النشر في آن، بالعودة إلى إحياء النشاط الثقافي، خاصة أنه جاء بعد تحسّن طفيف في النشاط خلال العام الجاري، على الرغم من إعاقة وباء كورونا للكثير من الأنشطة الثقافية.
دعوة للاهتمام
تقول الإعلامية ندى البكاري، خلال زيارتها للمعرض، “إننا بحاجة إلى العودة للقراءة وللكتاب، كما أننا بحاجة – كإعلاميين – إلى تكريس هذا المفهوم في ذهن المجتمع، لأن الإنسان كلما كان قارئاً كان قادراً على النهوض بمجتمعه”، وتضيف في حديث إلى “الثورة” أنه “لابد من العودة إلى القراءة، وعلى وزارة الثقافة تفعيل نشاطاتها بشكل أفضل، سواء إقامة المعارض أو الاهتمام بكافة أنواع النشاط الثقافي”.
ترى البكاري أن إقامة المعرض في هذا الوضع “فكرة جميلة لكن إهمالها من الإعلان كان عيباً كبيراً، فالناس بحاجة لمعرفة إقامة المعرض أولاً، وبحاجة لإعلان يدفعهم للعودة إلى قراءة الكتب بصورة أولى”، على حد قولها، لكنها أيضا تلقي باللوم على القائمين لعدم توافر الكتب الحديثة بشكل كبير، وتقول “نفتقد للكتب الحديثة في المعرض، لأن هناك كتباً قد عفى عليها الزمن وربما تتضمن معلومات قد تغيرت مع التطور العلمي، فيما تردف قائلة: “قد نكون كقراء سبباً في بعض المشكلة لأن هناك مكتبات توفر كتباً حديثة لكنها لا تجد من يتردد عليها لطلبها، نحن مقصرون في هذا الجانب”.
إقبال محدود
كان الإقبال على المعرض محدوداً، فيما نصبت على بوابة قاعة بيت الثقافة التي أقيم فيها سماعة يتردد فيها إعلان صوتي عن المعرض، يفترض أن يتردد في الإذاعات وليس عند مدخل التظاهرة، هذا الجانب من الاستعداد لنشاط ثقافي بهذا المستوى أدى بحسب ما رواه نزار الحسني، مندوب مكتبة خالد بن الوليد، إلى ضعف الإقبال على المعرض، على الرغم من كونه يضم كتبا مهمة ويبحث الكثير من القراء عنها، يقول الحسني إن “أغلب الناس لا يعرفون بإقامة معرض الكتاب، ولذلك فالإقبال والزيارات قليلة جداً، وهذا يعود إلى عدم الإعلان عن المعرض، بعكس ما كان الحال في المعارض السابقة، إذ كانت إعلانات المعرض تملأ الشوارع، ووسائل الإعلام القديمة والحديثة”، ويردف أن مكتبته شاركت بمختلف الكتب القانونية والتاريخية والإصدارات الجديدة.
عن ذلك يقول مدير المعرض، فيصل الجعدبي: “حاولنا أن نقيم للجمهور القارئ هذا المعرض في ظل الوضع الراهن للبلد والذي تسبب به العدوان وأدى إلى توقف النشاط الثقافي، خاصة إقامة المعارض وعملية النشر ككل، لكننا لا نملك قاعة واسعة أو مكانا كبيراً لإقامته فيه، وهذا المكان المتمثل ببيت الثقافة هو المكان الوحيد المتاح والمتوفر لنا والذي يمكن أن يستوعب الزوار”.
يلفت الجعدبي في حديث إلى “الثورة” إلى أن “ضيق المكان انعكس بشكل سلبي على المعرض، فمن جهة أولى أعاق الكثير من دور النشر التي بدأت تتعافى من المشاركة بإصداراتها، ومن جانب آخر لم نعلن عن المعرض إلا بشكل يكاد لا يذكر، خوفاً من الإقبال الكبير من الجمهور وعدم قدرة المكان على استيعابهم”، ويردف: “كنا قبل العدوان نقيم الفعالية في معرض إكسبو الدولي أو نادي ضباط القوات المسلحة أو جامعة صنعاء”.
ثورة استقلال فكري
ويأتي المعرض ليضيء قليلاً على عالم الثقافة والفكر بعد سنوات من الموت المستمر والحرب النفسية والفكرية والثقافية والإشاعات الإعلامية التي تعمل عليها ماكينات الإعلام التابعة لتحالف العدوان على اليمن بشكل يومي، حيث حمل المعرض شعار “ثورة 21 سبتمبر ثورة الاستقلال الفكري”، بينما تضمن كتباً في مختلف مشارب العلوم والثقافة والأدب العربي والغربي، والتي يمكن أن تساهم في عملية التنوير التي تعود بالنفع على المجتمع من خلال الاستفادة من التجارب والثقافات المتعددة.
في رفوف المعرض شاركت، مؤسسة الإمام زيد بأفضل ما لديها من كتب تاريخية ودينية وثقافية متنوعة، على حد قول مندوبها، عصام عنتر، الذي لفت إلى أن المعروضات تتضمن كتبا قديمة وحديثة، وقال “مشاركتنا بالكتب القديمة تضمنت كتباً كانت ممنوعة من النشر في أوقات سابقة لأنها لا تتناسب مع سياسة الحاكم الديكتاتور الذي فرض سياسة دينية وعلمية واحدة تسعى لخدمة حزبه وطائفته فقط ومحاربة ما سواها”، وأردف في حديث إلى “الثورة”: “ما يميز هذه الكتب هي أنها بأسعار مناسبة لكافة القراء”.
ومن بين تلك الكتب شاركت الجيل الجديد وابن خلدون ومكتبة الغدير والإرشاد ودار العلوم الحديثة والهيئة العامة للكتاب ووزارة الثقافة وأكثر من 20 دار نشر بمختلف ما لديها، إما عبر مكتبات أو بحضور خاص، يقول عبد الله عبد الغني، من دار العلوم الحديثة: “شاركنا بالكتب الطبية والتنمية البشرية والهندسية والثقافية، فيما تضمن المعرض كتبا متنوعة في كافة المجالات باللغتين العربية والإنجليزية”، ويضيف في حديث لـ “الثورة”: “المعارض هي مواسم للحصول على الكتب بأسعار زهيدة، وهنا يجب التذكير بأن التخفيضات في المعرض تصل في الكتب الطبية إلى 50 % بينما تراوحت في الكتب الأخرى بين 10-20 %”.
ثمة فرصة يتوجب على الكثير من القراء والطلاب والباحثين الاستفادة منها، سواء للحصول على كتبهم التي يبحثون عنها بأسعار مناسبة أو تمكينهم من زيارة أكثر من دار نشر وأكثر من مكتبة دون الحاجة إلى التنقل في شوارع صنعاء، إذ يمكنهم أن يجدوا كل ذلك في مكان واحد.