الإمَام زَيد فَريدُ عَصرِ الأئِـمـَّة الأطهَـار
مطهر يحيى شرف الدين
توجيهٌ نبوي وايحاءٌ إلٓهي لحفيد سيد الوصيين وإمام المتقين علي زين العابدين بأن سمِّ ولدك زيداً ، وحين ميلادهِ رضي الله تعالى عنه حملهُ والدهُ الإمام زين العابدين وتلا قولهُ تعالى “هَذا تأويلُ رُؤيايَ من قبلُ قد جَعلها ربّي حَقاً” إنها بشاراتٌ ونبوءات وكما هي كذلك فهي ابتلاءاتٌ ودروس نتعلم منها لماذا ثار الإمام زيد وما هو الهمُّ الذي كان يحمله وما هي دوافع وغايات ذلك الخروج الذي أقضّ مضاجع الأمراء وأسقط تيجانَ الخلفاء ، إنه استقراءٌ للمستقبل القريب الذي ستكون عليه الأيام شاهدة بالبطولةِ والتضحية والموقف الصلب أمام طاغيةٍ مستكبر ومتعالٍ متنمّر ، هي ذات القضية العادلة التي قام من أجلها جدهُ الحسين حين خرج شاهراً سيفهُ في وجوه أعداء الله وأعداء الإسلام من أحلوا الحرُمات وحرموا الحلال واستأثروا ببيت مال المسلمين دون غيرهم من المجتمع الإسلامي.
وكأن التاريخ تتكرر أحداثه وتستنسخُ شخصياته وتُستعاد قضيته ، ففي كل عصرٍ يزيد وفي كل عصرٍ حُسين ، وكما في كل عصرٍ يزيدُ فيه الباطل ويزيد فيه الجور والطغيان ويُساء للإسلام يهيئُ الله من جنودهِ من هو سابقٌ بالخيرات فيُحق الحق ويزهق الباطل ويُحسِّن صورة الدين شكلاً وجوهراً ويُعيد للإسلام هيبته وقوتهُ التي لن تهزم أو تضعف وفيها الحُسين بن علي وزيد بن علي ويحيى بن زيد والإمام الهادي يحيى بن الحسين والشهيد القائد حُسين بن بدر الدين.
كان للإمام زيد محطةٌ تاريخية خالدة في مسيرة الجهاد والتضحية من أجل إعلاء كلمة الله ومن أجل مقارعة الظلم والاستبداد ، وكأن ظهوره لإحياء القضية التي خرج من أجلها الحسين بمثابة رسالةٍ لكل أحرار العالم في مراحل تاريخ البشرية مضمونها وجوب النهي عن المنكر ووجوب الأمر بالمعروف ولو بقوة السيف ولو كان ثمن ذلك بذل الأرواح والجوارح والمال والأهلون.
كان للإمام زيد وحيٌ وحضورٌ في ذاكرة ولسان سيد البشرية خاتم الأنبياء والمرسلين ، فكان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عندما يرى زيد بن حارثة رضي الله عنه يقول : المظلوم من أهل بيتي سميُّ هذا والمقتول في الله والمَصلوب سميّ هذا.
الإمام الأعظم المصلوب الشهيد الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي حليفُ القرآن وقرينه العابد الساجد الباكي من خشية الله في كل دعاءٍ يدعو الله فيه وفي كل خضوعٍ يخضع لله هو من أكابر الصلحاء ومن أعاظم أئمة أهل البيت عليهم السلام إيماناً بالله و عبادةً وسجوداً وتقىٍ حق التقى وزهداً لا يماثله زُهد وشجاعةً ترتعدُ منها فرائص المستكبرين وإقداماً تهتز له عروش الطغاة وجرأةً في قول الحق يهتاب منها كل من يعيث في الأرض الفساد وكلمةً لها وزن الجبال التي لا تتزحزح أو تميل إلا لتقصم ظهور الظالمين والمتجبرين .
الإمام زيد أراد من خلال ثورته أن يرتبط الأحرار دائماً بالله وبكتابه وأن تنتصر كل شعوب الأرض لمبادئ جدهِ الإمام الحُسين وألا تقبل بالذل والهوان والصّغار وأن تقف كتلك المواقف العظيمة التي أبت إلا أن تخاطب العلماء وتستنهضهم وتحثهم على القيام بدورهم ومسؤولياتهم أمام الله وتجاه الأمة الإسلامية.
الإمام زيد أيقظ في قلوب أبناء الأمة صحوةً كانت نائمةً في الصدور وكشف غشاوةً كانت جاثيةً على القلوب فكان خروج الإمام على الظلم خروجٌ فيه إقامةٌ للعدل والقسط وثورةٌ أحيت مبادئ الإسلام وقيمه السامية، خروج الإمام وبذله وعطاءهِ وفداءه كانت ثمرته رضا الله ورسوله ووعدُ الله لأوليائه بجنات الخلود ، في ظروفٍ وأحوال ذلك الزمن الذي يسوده طغيان الأمويين كان من بين عامة الناس الجهلاء من يعزز من مواقف ومراكز أسيادهم بقولهم فجوراً وبهتاناً أن الخليفة في أهله خيرٌ من النبي في أمته وقد تناسوا أن أئمة الضلال الذين كانوا على رأس نظام الدولة يعظمون سفهائهم ويستضعفون الأتقياء ويسيئون ويسبّون أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم الإمام علي على منابر الجمعة ، فلم تعد لدولتهم أي توجهٍ أخلاقي وقيمي أو طابعٍ إسلامي أو ديني ، فكان المتزلِّفون والمقربون من هشام بن عبدالملك يحثون الامام زيد على الصمت و ألا يجهر بمنكرات الأمويين أو يأمرهم بنصيحةٍ أو معروف فكان ردهُ على ذلك :
والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت، الإمام زيد كان كجدهِ الإمام علي بليغاً فصيحاً متكلماً ذو حجّةٍ قوية ورأيٍ سديد وبيان لا يفوقه بيان وعبقريةٍ فذّة تهزم قول كل مجادل وفي هذا المقام يقول الإمام أبو حنيفة عن الإمام زيد: شاهدت زيد بن علي فما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أسرع جواباً ولا أبين قولاً فقد كان منقطع القرين.
ويقول عنه الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية: أما والله لقد أحيا زيد بن علي ما دُثر من سننِ المرسلين وأقام عمود الدين إذا اعوج ولن نقتبس إلا من نوره ِ وزيد إمام الأئمة ” وما لفت انتباهي وأنا أقرأ ما قاله علماء هذا العصر عن الإمام زيد ما تحدث به الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف عن فضل الإمام زيد ومكانته فقال:
“من الذي أخبر النبي النبي محمد وهل بيد رسول الله أن يحافظ على أهل البيت حتى أصبحوا الآن بهذه الكثرة ولكن الله قادرٌ على أن يؤيد نبيه وهو الذي أوحى إليه أن أهل بيته باقون بأن أعطاه الكوثر الكثير ، ولذلك فإن الإمام زيد يعتبر معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم” رحم الله الإمام زيد وسلام الله على روحه الطاهرة وهنيئاً له نيل شرف الشهادة والوسام الإلهي بعد حياةٍ حافلة كلها عبادةٌ وخضوع ٌ وسجودٌ وتسبيح وكلها أمرٌ بمعروف ونهيٍ عن منكر وقولٌ حق وحجةٌ دامغة وكلها فداءٌ وعطاءٌ في سبيل الله وفي سبيل نصرة الإسلام والمسلمين ..