النظام العربي .. نكبة الأمة
صخر الكبسي
لطالما ارتكزت الرهانات الأمريكية والأجندة الصهيونية في منطقتنا العربية والإسلامية على الأنظمة العميلة والجماعات التكفيرية، كون هاتين الركيزتين لهما حيثياتهما المترابطة والمتراكمة بفعل تسلسل أحداث التاريخ السياسي المعاصر للوطن العربي.
وإن ما تحقق خلال الأيام الماضية في محافظة البيضاء من هزيمة نكراء للجماعات الإجرامية من داعش والقاعدة يمثل انتصاراً ساحقاً وضربة موجعة في خاصرة أجهزة الاستخبارات الأمريكية الصهيونية وأدواتهما في المنطقة، كون هذه الجماعات كانت ولا زالت الأداة الأميز والورقة الرابحة لقوى الهيمنة الصهيونية الاستعمارية التي تمكنت من خلالها تنفيذ الكثير من أهدافها في المنطقة والعالم ابتداءً بضرب الأمة الإسلامية من الداخل وتشويه الإسلام وضرب مبادئه عبر هذه الجماعات التكفيرية التي خرج من عباءتها لحى وعمائم زائفة وتمكنت من اعتلاء المنبر الديني وبث سمومها في ذهنية المجتمعات تحت عناوين منحرفة تخدم قوى الهيمنة والاستعمار العالمي، حيث صنعت الأفكار الضالة ونسفت كل المفاهيم والأسس الدينية والموروث الإسلامي النقي وحرفت بوصلة الأمة متجهة نحو ما تمليه المصالح الأمريكية والصهيونية.
إن من يتأمل واقع المنطقة منذ مطلع القرن المنصرم وحتى الآن سيلمس بوضوح وجلاء مدى إبداع القوى الاستعمارية في صياغة هذا الفكر وكيف تفننت الاستخبارات الصهيونية في إنتاج وبلورة هذا الطابع المتأسلم وكيف جعلت منه الأداة الأمثل لمواجهة خصومها، ومطية لتنفيذ أهدافها وتمرير مشاريعها، وما حدث من تداعيات عقب أحداث الـ 11 من سبتمبر تحت شعار محاربة الإرهاب ليست إلا امتداداً لما حدث في ثمانينيات القرن الماضي أواخر الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي عندما أوعزت الولايات المتحدة لأدواتها في المنطقة من الأنظمة الدائرة في فلكها بإصدار توجيهات لدوائر الإفتاء لديها بإطلاق الفتاوى الدينية للشباب الإسلامي بوجوب الجهاد في أفغانستان ضد الشيوعية، حيث أخرجت القوات السوفيتية بعد أن تم إنهاكها واستنزافها على مدى عقدين من الصراع بعد أن تمكنت الولايات المتحدة والقوى الصهيونية من تحويل عنوان الجهاد في سبيل الله ضد “الشيوعية الكافرة” إلى أقوى سلاح تمتلكه.
كما عادت لتكرار ذات التجربة وبذات الأدوات والأصوات مطلقة أذرعها من داعش وأخواتها في وجه محور المقاومة، حيث خاضت على إثره قوى الممانعة أقسى مراحل التآمر العالمي الاستعماري التكفيري وحصدت على ضوئه نصراً ساحقاً على كل تلك الأدوات الصهيونية وقطعت أمل القوى الاستكبارية وداعميها من الأنظمة الأعرابية الخليجية التي لا تختلف عن تلك الجماعات الداعشية، وهذا ما يتضح من خلال سلوكياتها وقوانينها وإيديولوجيات أحكامها، فكلاهما تستند للفكر الوهابي، فداعش تذبح بالسكاكين وتقتل بالمفخخات وأنظمة الأعراب الخليجية تقتل بطيرانها وتدمر وتنتهك بمالها وإمكاناتها ولا يختلف هنا إلا أداة القتل ونوعها وعنوانها وكلا المجرمين أداة تشرف عليها وتوجهها كواليس الاستخبارات الأمريكية وتعمل على توزيع أدواتها ورسم مهامها حسب متطلبات ظرفي الزمان والمكان.
ويعد العدوان السعودي الأمريكي على اليمن أبرز هذه السيناريوهات التي تكشفت من خلاله الطموحات الأمريكية الصهيونية في العمل على ضرب وإحباط أي حركة تحرر أو ثورة لشعوب المنطقة ترى أنها تهدد مصالحها بكل السبل والوسائل.
ومن هنا تبرز حقيقة هذه القوى الإقليمية وأدواتها الطامعة في مصالح ومقومات الأمة العربية والإسلامية إحداها اليمن التي لا تبدأ عند مسمى شرعية ولا تنتهي عند يافطة القاعدة، وخير مثال على ذلك هذه الحرب العدوانية على بلادنا جاعلة من الشرعية غطاء لتدمير اليمن وقتل أبنائه ونهب ثرواته وتشطير أراضيه وسلب سيادته واستقلاله ومتخذة من القاعدة وسيلة ومسمار جحا لتبقى اليمن ساحة حرب وصراع دائم، بينما القوى الإقليمية والدولية تتقاسم الكعكة اليمنية ما دامت تصب في مصالحهم، وهذا ما يوجب على الشعب اليمني بكل قواه الحية مواجهة العدوان والوقوف في وجهه، وكذلك الحال لليمنيين الذين ارتضوا لأنفسهم الارتماء في أحضان قوى العدوان أن يراجعوا حساباتهم بالعودة إلى حضن الوطن قبل فوات الأوان، حيث ودلائل إخفاق العدوان وفشله تتوالى يومياً، وما حدث في البيضاء والقضاء على القاعدة وداعش دليل وخير معين لمن يريد العودة، حيث لم يأت التصريح الأخير للسفير البريطاني لدى اليمن – الذي عبر فيه عن مخاوفه من سقوط أهم معاقل العدوان وأكبر ملاجئ الارتزاق (مارب) التي يوشك الجيش اليمني واللجان الشعبية على تحريرها من دنس المحتل الغاصب – إلا تعبيراً عن واقع الهزيمة واليأس والإحباط من كسر إرادة الشعب اليمني في الدفاع عن حقه في الكرامة والوجود والاستقلال.