تصاعد القدرات الجوية والصاروخية اليمنية يحاصر العدوان
شارل ابي نادر*
ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مطار أبها في محافظة عسير أو غيره من مطارات جنوب غرب السعودية، من قبل وحدات الطيران المسيّر أو القوة الصاروخية في الجيش واللجان الشعبية اليمنية. والضربة الأخيرة جاءت بالأمس بواسطة مجموعة غير محددة من طائرات صماد 3 المسيّرة، والتي أثبتت فعاليتها في اختيار أهداف نقطية ودقيقة، ولتكون النتيجة من جديد، توقف الحركة الجوية في المطار لعدة ساعات، مع استهداف وتعطيل أكثر من مرفق داخل المطار، من تلك الأساسية في إدارة حركتي الطيران المدنية والعسكرية في المطار الأهم في جنوب غرب المملكة (مطار أبها).
فمنذ بداية العدوان على اليمن (حوالي ست سنوات)، تتابع وحدات الجيش واللجان الشعبية ووحدات أنصار الله وبشكل متدرج ومتصاعد، استهداف تلك المواقع الجوية والمنشآت العسكرية والمدنية الحيوية في جنوب غرب المملكة، وذلك من ضمن مناورة مركبة، ميدانية عسكرية واستراتيجية، هدفت إلى التالي:
بالأساس، كانت هذه المناورة من الاستهداف بالطيران المسير والقوة الصاروخية لتلك القواعد الجوية، لخدمة معركة الدفاع عن اليمن، أولًا لناحية استهداف وعرقلة المناورة الجوية والتي كانت تدعم العدوان في محاولاته الهجومية، على كامل الحدود الشمالية – اليمنية بين نجران وجازان وعسير، أو في محاولاته اليائسة في ميدي وحرض على الحدود الشمالية الغربية مع السعودية، أو في محاولاته العقيمة والفاشلة في الساحل الغربي وبالتحديد في الحديدة، أو على مداخل صنعاء انطلاقا من فرضة نهم ومن مفرق الجوف، وحيث أصبحت الآن تلك المحاولات الهجومية للتحالف من الماضي، بعد أن ابتعدت وحداته ومرتزقته شرقًا إلى حدود مأرب الضيقة، حيث يجهد التحالف للدفاع عن تلك المنطقة الأخيرة من الوسط الشرقي اليمني، أو ابتعدت شمالًا إلى الحدود مع المحافظات السعودية الثلاث (نجران وعسير وجازان).
بعد ذلك، تطورت معركة الجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات أنصار الله بالطيران المسير والقوة الصاروخية، من داعمة للمعركة الدفاعية في الداخل، إلى داعمة للمعركة الهجومية، لتحرير ما أمكن من الجغرافيا اليمنية، والتي رأينا أكثر من نموذج هجومي لافت فيها، في عمليات: «نصر من الله»، و”البنيان المرصوص”، و”فأمكن منهم”، حيث تكفلت تلك القدرات المسيرة والصاروخية، بإعاقة فعالية تلك المطارات السعودية الجنوبية، والتي كانت تدعم مناورة تحالف العدوان ومرتزقته الدفاعية، ورأينا نتيجة ذلك من خلال التقدم اللافت لوحدات الجيش واللجان و”أنصار الله” في تلك العمليات أو الملاحم الثلاث، والتي أمّنت تحرير قسم كبير وضخم من المناطق الشمالية الشرقية والوسطى الشرقية، واليوم تتحضر تلك الوحدات لتنفيذ الوثبة الأخيرة على مارب، وإنهاء آخر نقطة ارتكاز برية للعدوان ومرتزقته في وسط اليمن الشرقي.
لاحقًا، وبعد أن تطورت تلك القدرات في الطيران المسير وفي القوة الصاروخية، بالمدى البعيد أو بالمميزات التقنية في التوجيه أو بالقدرات التقنية في الإفلات من منظومات الدفاع الجوي الأكثر تطورًا عالميًا (باتريوت وثاد وغيرها)، انتقلت تلك المناورة إلى استراتيجية، ووصلت خلالها الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية إلى مسافات بعيدة داخل السعودية والإمارات العربية المتحدة، تجاوزت 700 كلم في محيط الرياض، و800 كلم في يبنع على البحر الأحمر، والف كلم في بقيق وخريص شرق المملكة، وأكثر من ألف كلم في أبو ظبي، وكانت رسائلها الاستراتيجية لتلك القدرات النوعية، أبعد من دول العدوان في الإقليم، ووصلت إلى الدول الغربية الداعمة للعدوان، مُشَّكِلَةً جرس إنذار على كامل حركة الملاحة والتجارة النفطية في الخليج، وامتدادًا على تلك الحركة عالميًا.
من مسار تطور تلك القدرات الجوية والصاروخية لوحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات انصار الله، والذي أثبت فعالية ونجاحًا وثباتًا بشكل متصاعد، بالرغم من الحصار البري والبحري والجوي، وبالرغم من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على بيئة تلك الوحدات، وعلى مدى ست سنوات من أصعب ما يمكن أن يمر على شعب وجيش ودولة، لم يعد من مجال لأي قوة عدوان، مهما كانت متمكنة عسكريًا أو مدعومة خارجيًا، أن تحقق أي هدف بمواجهة تلك القوة التي صانت وطورت وأدارت هذه القدرات النوعية، وفي هذه الظروف الصعبة التي ذكرناها، وبالتالي، أصبح إنهاء هذا العدوان أمرًا مفروضًا ومنطقيًا وواقعيًا، ومتابعته جنون وغباء وإنكار للواقع وللحقيقة.
*عميد متقاعد في الجيش اللبناني