أمارات الإيمان الصادق
نبيل بن جبل
إنما الدين جهاد في سبيل الله، ومواقف عملية تترجم على أرض الواقع، وصرخة مدوية بوجه الطغاة الظالمين والمجرمين القتلة، فالدين ومن ثمّ بكل ما فيه لا يعرف بالصلاة والصيام والتسبيح والحج وأداء الطقوس الدينية التي تصل روح الإنسان المسلم بربه، إنما يعرف حقيقة التدين الصحيح الصادق من خلال المواقف الجهادية البطولية في وجه الطغاة والمجرمين.. بوجه الباطل وأهله.. في الخط والعمل الذي نسير عليه، وهو الشرط الأساسي لدخول الجنة والذي وجه بذلك كله هو الله رب العالمين، الذى أسلم له كل ما في الكون طوعاً وكرهاً، قال (جل في علاه): “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” بمعنى هل ظننتم “أن تدخلوا الجنة”، وتنالوا كرامة ربكم ، وشرف المنازل عنده ويعرف دينكم “ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين”، لم يقل صلوا حجوا .. زكوا …ذهبوا من المساجد إلى بيوتهم.. وحايدوا ولم يتبنوا موقفا صريحا وواضحا من الأعداء للدين والإنسانية بل قال: “جاهدوا” شرطا أساسيا لدخول الجنة وضروريا أن تثبت لله بأن صلاتك.. وتسبيحك.. وحجك.. وعمرتك.. وكل طقوس دينك هي جزء بسيط من تدينك تصل روحك بالله ويجب أن تثبت له صدقها بالجهاد في سبيله ومواجهة أعدائه، والوقوف ضد الظلم والطغيان.. ضد الباطل وأهله، ونصرة الحق وإقامة العدل والقسط، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مالم فهي طقوس كاذبة ليقال إنك مسلم فقط ولن تنجيك أبدا من سخط الله؛ لأنك لم تؤدِ الأمانة والرسالة التي خلقت من أجلها وهي: «خلافة الله في أرضه» وحمل رسالة دينه كما أراد لها أن تصل وكما أراد لك أن تكون جنديا من جنوده وفي سبيله.
ألا يجد صاحب العقل الساطع دليلاً على الدين الصحيح الذي يصل الإنسان بربه ويدخله جنته وينال مكرماته، ليس باسمه ولا بشكله، ولا برسمه أو وسمه، ولا بصلاته وتسبيحه وقيامه ببعض من طقوس الدين وترك الأهم فيه القائم على أساسه الدين الحق والحافظ له، وإنما بما فيه من إخلاص لله، وتجرد له وحده وتقرب إليه بالمواقف الجهادية العظيمة وتطبيق شعائر الدين على أرض الواقع “بالجهاد” في سبيله.. بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة الظلم والطغيان؟
ألا يمكن الوقوف على هذا المعنى في القرآن والتأمل فيه من قبل المحايدين والقابعين في بيوتهم؟
ألا يدل هذا المعنى في هذه الآية على أن هذا المبدأ هو الغاية الأسمى والهدف الأعلى وهو المبدأ الذي من خلاله يعرف صدق كل بقية العبادات والشعائر والطقوس، التي تصل الإنسان بالله (جل جلاله) الذي هو غاية الغايات، وهدف الرسالات ومنتهى الكمالات؟
أما الصلاة والصيام وبقية الطقوس فبإمكان الناس كافة القيام بها وتأديتها على أكمل وجه، لكنها ليست كل الدين لذلك وكأن الله (سبحانه وتعالى) أراد بمبدأ الجهاد في سبيل الله أن يميز بين الخبيث والطيب: “مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ”، وقد سماهم مؤمنين لكنه ما كان ليدع المؤمنين على ما هم عليه “من التباس حتى يميز الخبيث من الطيب”، فالرجل والبطل والمؤمن والإنسان المتدين الحق يُعرف بمواقفه من الحق والباطل.. بجهاده وبذل جهده ، وبهذا يكون مستحق لوسام الجنة لأنه جاهد وتبنى مواقف عظيمة وانطلق مخلفا وراءه الأهل والمال ونعيم الدنيا في سبيل الوصول إلى رضوان الله ونصرة الحق والتشبث به، مهما كلفه ذلك من تضحية، وذلك هو الدين الصحيح، والدليل على صدق العارفين، والبرهان الحق على صدق المؤمنين الصادقين، ومهما أبدى الناس من تخلقهم بأخلاق الدين والتزامهم به، ومهما خلعوا على أنفسهم من نعوت البر والتقوى بأداء بعض الطقوس، فكل دعواهم مردودة عليهم ، حتى يؤكدوا ذلك بالجهاد، ويظهر أثر الدين في مواقفهم، مصحوبا بالدليل الدامغ من جهادهم.