تفريط بالحقوق الفلسطينية وخيانة للمقدسات
لم يعد يتفق العرب حتى على الثوابت القومية الإنسانية الدينية المتجذرة في ذاكرة الوطن العربي ؛ فالتطبيع الإماراتي مع إسرائيل، خيانة للقضية الفلسطينية وبيع للعروبة وتدنيس للمقدسات الإسلامية، كشف عن مواقف مخزية لبعض الدول، فمصر وصفت التطبيع بـ الثمين، ورأت فيه البحرين تعزيزاً لفرص السلام، في حين اعتبرته الأردن مرتبطاً بما تقوم به إسرائيل في المستقبل، وبينما السودان تفكر.. نددت دول وصمتت أخرى ترى التطبيع قراراً أمريكياً آت لا محالة.
فلسطينياً، لم يكن التطبيع صادمًا للشعب وكان هناك استنكار شعبي ورسمي واسعين، كما نددت فصائل بارزة في المقاومة، مثل حماس، وفتح، والجهاد الإسلامي بالإعلان، وعبر بيان وصفت القيادة الفلسطينية التطبيع بأنه ، “خيانة من الإمارات للقدس والأقصى والقضية” وطلبت المساندة من الجامعة العربية.
الثورة / سارة الصعفاني
يأتي إعلان اتفاق التطبيع بين تل أبيب وأبو ظبي تتويجاً لسنوات من الترابط وحصاد تفاهمات بعد محطات من التقارب والرغبة في توطيد العلاقات حد التماهي في المخططات.
وكالعادة اختلف العرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يقول الكاتب جلال عامر: بعض الأنظمة العربية مرتبطة بعلاقات ومعاهدات سلام مع إسرائيل(كامب ديفيد، وادي عربة )خذلت العرب مرتين في تاريخه (مصر 1979م، والأردن 1994م)، وزادت منظمة التحرير الفلسطينية الطين بلة بالاعتراف بإسرائيل في (اتفاقية أوسلو/ 1993م).
ومنذ سنوات، وسائل إعلام مرئية ومن ورائها حكومات عربية تميل في خطابها إلى صف الصهاينة، إلا أن الإمارات تجاوزت الاتفاقات والثوابت العربية بإعلانها التطبيع العلني الشامل والاحتفاء بالعلاقات العميقة مع إسرائيل- دونما الحاجة لتسوية نزاعات حدودية ولا هدنة حرب وبلا مبرر لجعل الدم أرخص من النفط.
انفردت الإمارات بقرار التطبيع مع إسرائيل ، ضاربة عرض الحائط بنضالات الآباء، وممزقة مبادئ الأمة العربية والإسلامية، فاتحة باب التطبيع العلني على مصراعيه أمام كل حاكم يتاجر بقضايا الأمة في السر بعد أن أصبحت أداة في الحروب الاستعمارية ضد اليمن وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين، ناقضة – كاليهود عبر تاريخهم – لاتفاقية مبادرة السلام العربية المعلنة في بيروت 2002م لحل القضية الفلسطينية، والمتضمنة بنوداً وصفت بالمجحفة إلا أنها منعت تطبيع العلاقات مع إسرائيل كحد أدنى قبل إعادة الحقوق الفلسطينية على أساس القرارات الدولية، وبشرط الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967م، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967م، وحل مشكلة اللاجئين لا الدفع باتجاه جعل أراضي فلسطين لإسرائيل.
وبعيداً عن المصالح الضيقة والعلاقات المتشابكة في الظلام بين إسرائيل وصهاينة العرب ، وسقوط الأنظمة العربية تباعًا كأدوات رخيصة في يد الغرب منذ دهر، إلا أن إعلان الإمارات التطبيع يعد أيضًا تمكينًا لإسرائيل في المنطقة، وبيعًا للأقطار العربية بذريعة الحماية، وخيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية بعد قطيعة في العلاقات بين رام الله وأبو ظبي منذ 2011م، ورغم ذلك سحبت السلطة الفلسطينية سفيرها من أبو ظبي بشكل فوري ، وخرجت تظاهرات غاضبة في غزة والضفة والقدس تنديداً بالاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
ورأت القيادة الفلسطينية أن التطبيع نسف للمبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية والإسلامية، والشرعية الدولية، وعدوان على الشعب الفلسطيني، وتفريط بالحقوق الفلسطينية والمقدسات، وعلى رأسها القدس والدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967م”.
وفيما قالت جماعات المقاومة الفلسطينية مثل حماس وفتح والجهاد الإسلامي عن التطبيع الإماراتي الكامل مع إسرائيل بأنه (طعنة في خاصرة الشعب الفلسطيني ونضاله وتضحياته، وإضعاف لموقفه)، معتبرة أن الاتفاقية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء الصراع العربي- الصهيوني وقطع الطريق أمام التحرير والعودة، دافعت الإمارات عن السقوط في وحل الخيانة بأن التطبيع قرار سيادي والانتقادات تدخلا في شؤونها .. ولا موقف أو رد فعل خارجي مساند للقضية الفلسطينية له صدى، فالسلام العربي الشامل مع إسرائيل كان مطلباً للمجتمع الدولي.
وتعليقاً على اتفاق الإمارات وإسرائيل برعاية أمريكية قال الخبير في قضايا الشرق الأوسط بـDW راينر زوليش: إن التقارب الدبلوماسي بين الدولتين “مؤشر جيد” للمنطقة، لكنه ” تطور مأساوي” بالنسبة للفلسطينيين، كما يرى محللون سياسيون أن التقارب العربي-الإسرائيلي، المعلن عنه وغير المعلن، لا يقوي موقع الفلسطينيين في التفاوض.
وبحسب يوئيل جوزنسكي من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والذي شغل في السابق منصب رئيس دائرة الخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إن “الإمارات تحاول الترويج لرواية مفادها أنها قامت بذلك لوقف الضم… والمساهمة في الاستقرار في الشرق الأوسط والإبقاء على قابلية حل الدولتين”.
ويرى المحلل والكاتب السياسي الفلسطيني عبد المجيد سويلم أن نقطة ضعف الفلسطينيين الرئيسية، زيادة على الانقسام الداخلي، هو هذا الانسياق العربي نحو إسرائيل، فلولاه لما تحدث نتنياهو عن الضم وغير الضم (ضم أجزاء من الضفة الغربية)، ولولاه لما قدم دونالد ترامب لإسرائيل الهدايا، وأشار إلى أن اعتراف العرب بإسرائيل أو المزيد من التطبيع يعني القفز على الحقوق الوطنية الفلسطينية.
من ناحيته، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبدالباري عطوان تعليقاً على اتفاق التطبيع: نعم هذا الاتّفاق الإماراتي الإسرائيلي سيقود إلى سلامٍ دائمٍ للقضيّة الفِلسطينيّة، أي تصفيتها بشكلٍ نهائيّ.
هذا الاتّفاق التّطبيعي الذي توصّلت إليه دولة الإمارات مع “ إسرائيل” برعايةٍ أمريكيّةٍ هو قمّة الخيانة مِثله مِثل جميع الاتّفاقات والمُعاهدات التي سبقته وأقدمت عليها كُل من مِصر والأردن ومنظّمة التحرير الفِلسطينيّة، وسينطبق التّوصيف نفسه على أيّ اتّفاقات مُستقبليّة مماثلة .. أيّ سلام عادل في اتّفاق لم يَذكُر القدس أو الدولة الفِلسطينيّة، أو حتى المُبادرة العربيّة على سُوئها ؟!
كما استنكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين اللواء قدري أبو بكر اتفاق التطبيع الكامل والعلني بين الإمارات ودولة الاحتلال وتخليهم عن أعدل قضية على وجه الأرض، وقال: ” الإمارات وحكامها اليوم ارتكبوا جريمة لا تغتفر بحق الشعب الفلسطيني ووطنه المسلوب ومقدساته، وانكروا تضحيات شهدائه وأسراه وجرحاه، وهم بذلك تخلوا عن شرفهم وقوميتهم”.
ورأى المحلل الفلسطيني الإسرائيلي في مؤسسة “مجموعة الأزمات الدولية “طارق بقعوني أن صفقة ترامب ليست اتفاقية سلام تاريخية كما يصفها لكنها إعادة تغليف للواقع الحاليّ للعلاقات بين “إسرائيل” ودول الخليج، وأضاف: ” .. قرار الإمارات التصرف بتلك الطريقة يعد سابقة خطيرة، حيث أصبح التطبيع الرسمي ممكنًا رغم استمرار القهر الفلسطيني”.
فما حدث من تطبيع علني فج أكد ضياع حلم الوحدة العربية، وأعلن طمس القضية الفلسطينية من حسابات الحكومات العربية والإسلامية، وخفض منسوب الأمل لدى الشعوب العربية المنكوبة .. حتى فلسطين لم تعد تنتظر إلا اجتماع جامعة الدول العربية للمباركة ودعم تطبيع إسرائيل والإمارات وانضمام دول التطبيع الخفي لحلف السقوط، حد تعبير عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي عبدالرحمن الشاطر: “لم تتم دعوة إسطبل العرب ومقره القاهرة لاجتماع طارئ لمباركة ودعم تطبيع إسرائيل والإمارات”.