الأهداف الاستراتيجية للتطبيع بين الإمارات والکيان الصهيوني؟

عواصم/ وكالات
الإعلان عن اتفاق شامل بين الکيان الصهيوني والإمارات عبر بيان ثلاثي من قبل ترامب، كان نبأً واجه في الأيام الأخيرة، ولأهميته، ردود فعل رسمية من الحكومات، فضلاً عن کونه موضعاً للنقاش والتحليل الإعلامي.
في الأسابيع المقبلة، سيلتقي ممثلو الکيان الصهيوني والإمارات لتوقيع اتفاقيات ثنائية. وستشمل هذه الاتفاقيات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة بين الطرفين، والقضايا الأمنية والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والصحة والثقافة والبيئة وفتح السفارة.
وبهذا الاتفاق، تعد الإمارات ثالث دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الکيان الإسرائيلي بعد مصر (1979) والأردن (1994م)، وأول دولة في منطقة الخليج الفارسي، رغم أن العلاقات السرية قد استمرت لسنوات.
ولذلك، يمكن تحديد أهداف مختلفة في هذه الاتفاقية، ويمکن أيضاً مناقشة أنه ما مدى واقعية هذه الأهداف بالنسبة لحكّام الإمارات الذين أقدموا علی هذه المخاطرة؟
تفعيل مشروع التطبيع بمحفزات جيوسياسية
من المؤكد أن أحد الأهداف المهمة والاستراتيجية في الاتفاق بين تل أبيب وأبوظبي، هو التنفيذ الكامل لمشروع التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية، باعتبارها السبب الرئيس للنزاع العربي الإسرائيلي، وذلك كأحد أسس استراتيجية البيت الأبيض الإقليمية في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا منذ عقود.
وقد تم وضع هذا المشروع على جدول أعمال إدارة ترامب وتعزيز اللوبي الصهيوني في نظام الحكم الأمريكي، مع ضغوط جادة وغير مسبوقة على الدول العربية لمواكبة خطة صفقة القرن.
لم يمنع الفشل في تنفيذ صفقة القرن حتى واشنطن من دفع عجلة التطبيع إلى الأمام، واتخذت الإمارات والسعودية والبحرين إجراءات مختلفة خلال العامين الماضيين لإعداد الرأي العام للكشف عن علاقتهم بالصهاينة.
في غضون ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن التطورات الجيوسياسية کان لها دورها في دفع حكام الإمارات نحو تسريع عملية التطبيع. ومن جملة هذه التطورات، وجهات النظر المشتركة حول بعض القضايا الإقليمية مثل الحرب في اليمن والمواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، وعلى وجه الخصوص طموحات تركيا في البحر المتوسط ​​وليبيا، والتعاون الاستخباراتي والأمني ​​لمواجهة إيران وفصائل المقاومة، والتعاون الأمني ​​للتعامل مع الحركات الثورية والمؤيدة للديمقراطية في الداخل والخارج.
محاولة إخراج الکيان الإسرائيلي من العزلة السياسية والجيوسياسية
لا شك أن الهدف الأساسي الآخر للاتفاق بين الإمارات والکيان الصهيوني، هو جهود قادة هذا الکيان، وكذلك القادة الغربيين بقيادة الولايات المتحدة، لإخراج تل أبيب من العزلة السياسية والجيوسياسية في المنطقة.
وكما ذكرنا سابقاً، لم يعترف بوجود هذا الکيان سوى الأردن ومصر، بل هدد الأردن بقطع هذه العلاقة الدبلوماسية، بل بدء مواجهة عسكرية بعد محاولات نتنياهو الاستيلاء على الأراضي الأردنية والضفة الغربية.
لقد حافظ الکيان على علاقاته التجارية مع العالم الخارجي عن طريق البحر فقط، ولذلك كانت العزلة السياسية والجيوسياسية دائمًا أحد أكبر التحديات الأمنية للکيان الصهيوني. وبطبيعة الحال، تحاول تل أبيب والغرب إنهاء أو تخفيف هذه العزلة الإقليمية عبر هکذا اتفاقات.
طموح الإمارات لقيادة العرب
من الأهداف الرئيسة للحكام الإماراتيين عبر اتخاذ هذه الخطوة المثيرة للجدل وتطبيع العلاقات مع تل أبيب، يمكن اعتبارها محاولة أبو ظبي انتزاع قيادة المنطقة العربية من السعودية، عبر قرار يکون له دوي صاخب ويعتبر نقطة تحول في المنطقة.
خلال السنوات الماضية وأثناء دور محمد بن زايد على رأس الهرم السياسي لهذا الاتحاد، حاولت الإمارات، بسبب قوتها الاقتصادية المتنامية ومشترياتها العسكرية الكبيرة، فتح باب التأثير والنفود في القضايا الإقليمية المهمة وحتى عبر الإقليمية، بهدف رفع مستوى موقعها.
ولکن في هذا الصدد، فإن أبو ظبي، إلى جانب التعاون الثنائي مع السعودية، تشعر دائمًا بظلال هذا البلد الثقيلة علی نفسها، والذي يريد الحفاظ على دور الأخ الأكبر في مجلس التعاون والدور القيادي للجامعة العربية. لذلك، من أجل الإطاحة بالسعودية، کان محمد بن زايد يشعر بالحاجة إلى قرار کبير وتحويل بمرکزية أبو ظبي.
وفي غضون ذلك، كان من الواضح لهم أن السعودية ستعمل عاجلاً أم آجلاً على تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني في عهد بن سلمان. ولذلك، من المهم للإمارات التوصل إلى اتفاق مع الصهاينة حتى لا تسبقها السعودية في هذا الحدث المهم.
والنقطة المهمة التي تنتقد صحة حسابات حكام الإمارات، هي أن هذه الاتفاقية ليست بأي حال من الأحوال خطوةً تحوليةً في مجال العلاقات الإقليمية، لأن الحكومات والرأي العام في المنطقة کانا علی علم بالعلاقات السرية الماضية، وحتى علی مستوی مجلس التعاون، فإن هذا يعد إنجازاً للکيان الإسرائيلي أكثر منه للإمارات، لأن دولًا أخرى في مجلس التعاون مثل قطر والسعودية وسلطنة عمان، جعلت علاقاتها الخفية مع الکيان الإسرائيلي علنيةً لسنوات، بينما أصبحت الإمارات الآن هدفًا لسهام المنتقدين.
بناء التحالف العربي-الصهيوني
الهدف المهم الآخر للاتفاق بين الکيان الصهيوني والإمارات، هو محاولة تشكيل تحالف بين مجلس التعاون والکيان الإسرائيلي ضد إيران، الأمر الذي أملاه قادة الکيان والولايات المتحدة على حكام السعودية والإمارات منذ سنوات. وبحسب البيان الثلاثي المشترك، ستنضم الدولتان إلى الولايات المتحدة في إطلاق “الخطة الاستراتيجية للشرق الأوسط”.
کما أن اعتبار نفوذ إيران الإقليمي وقوتها تهديداً لأمن الدول الخليجية، کان ذريعةً لتجارة الأسلحة الضخمة ونهب الدولارات النفطية لهذه البلدان، وكذلك غطاء لإخفاء الدور المدمر للولايات المتحدة والکيان الصهيوني في زعزعة استقرار المنطقة.
وفي هذا الصدد أيضاً، تجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية لا تعتبر سوى إنجاز دعائي ضد إيران فحسب.
أولاً، ليست الإمارات لاعباً رئيسياً في التطورات الإقليمية والدولية، وفي جميع الملفات التي کان لها دور فيها، مثل اليمن أو ليبيا أو سوريا، إما فشلت عملياً أمام اللاعبين الرئيسيين أو اضطرت إلى تغيير مواقفها الأولية، ومن الأمثلة على ذلك إرسالها عدداً من الممثلين إلى إيران بعد انفجار ناقلات النفط في ميناء “الفجيرة”، أو تهديد أنصار الله باستهداف المراكز الاقتصادية في هذا البلد.
ومن ناحية أخرى، تحاول الولايات المتحدة التستر على الخلافات بين مجلس التعاون، من خلال إثارة التهديد الإيراني الموهوم. وهي القضية التي فقدت وظيفتها منذ سنوات عديدة، کما أن مجلس التعاون بات شبه معدوم، ولذلك فإن فكرة تحالف الدول التي لديها مزيج من الخلافات السياسية والحدودية والأيديولوجية والاقتصادية، ستكون بعيدةً عن الواقع.
الأهداف الاقتصادية
كما أن جهود الإمارات لجذب رؤوس أموال اليهود الضخمة، هي أيضًا بطبيعة الحال جزء من توجه حكام الإمارات الاقتصاديين. ومن المتصور أن الصهاينة جروا أبو ظبي إلی مثل هذه الدوامة، من خلال تقديم مثل هذه الوعود.
لأنه بقدر ما يمكن للصهاينة أن يجذبوا استثمارات للإمارات، فإن التهديدات التي يمثلها هذا الإجراء لدول الجوار، فضلاً عن النظرة السلبية إلی التطبيع بين الرأي العام العربي والإسلامي، يمكن أن تقللا من أمن الاستثمار والرغبة فيه.
ولا ينبغي أن ننسی أن السعودية قد حاولت في زمن بن سلمان، ومن خلال مؤتمر “دافوس الصحراء”، دعوة رجال الأعمال اليهود وأصحاب الشركات والبنوك الأمريكية وغير الأمريكية الكبيرة للاستثمار، ولكن دون جدوى.

قد يعجبك ايضا