عبدالسلام فارع
برحيل الزميل الأستاذ محمد على سعد خسر الوطن واحداً من رموزه النادرين.. إخلاص – وطنية – تضحية – إيثار- كفاءة نادرة كما خسرت الساحة الإعلامية برحيله أهم أبطالها الصناديد كقلم شجاع وكشخص وطني متميز.
ومحمد علي سعد الذي أفنى الجانب الأكبر من حياته في خدمة الإعلام كواحد من ابرز رموز الكلمة المقروءة على امتداد الوطن الحبيب وبعد أن أبلى بلاء حسناً في قيادته الفذة والحكيمة لمؤسسة أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر حينما كان رئيساً لمجلس الإدارة ورئيساً للتحرير جاء تكليفه في العام 98م لمواصلة دروب الألق الإعلامي كرئيس لتحرير صحيفة الجمهورية بتعز ثاني صحف الوطن بعد صحيفة الثورة ويومها كان معظم منتسبي الجمهورية يتوقعون بعض التراجع والانحسار للجمهورية الصحيفة بعد ذلكم التميز الذي شهدته مؤسسة الجمهورية في ظل القيادة المجربة لسلفه الرائع علي ناجي الرعوي إلا أن الرائع جداً الأستاذ الراحل محمد علي سعد أثبت للجميع بأن قرار تكليفه كان بمثابة ضربة معلم وكان متسمكاً بالحكمة والمعرفة حيث أثبت الرجل منذ الأيام الأولى لتوليه مهام رئاسة التحرير بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب وقد اتضح ذلك بجلاء من خلال أول جلسة تعارف ومقيل مع هيئة التحرير، ومع تواصل تلك اللقاءات في استراحة الجمهورية دهشت لإمكانات الرجل الهائلة ولتواضعه الجم وتشخيصه العميق لإمكانات المشتغلين معه ومنذ البدايات الأولى له بدأ بريقه يلمع ككاتب لا يشق له غبار وفي شتى المجالات ومن ضمنها الشأن الرياضي والذي كان أحد فرسانه وبلا منازع من خلال إطلالته الأولى عبر عمود خاص تحت عنوان “هامش حر” ليصبح بعد ذلك العمود كمتنفس يومي لزملاء الحرف الرياضي، ولم يكتف فقيدنا الراحل أبو عبدالرحمن وعمر وعزة وعلي بتلك الإطلالة عبر ذلك العمود بل تنوعت كتاباته الرياضية المواكبة لكل المستجدات وأهمها منافسات الدوري الممتاز لكرة القدم وفي ظل ذلك البروز والتميز، تمنى الكثيرون ممن عرفوه عن قرب لو أن قرار تعيينه كان قد جاء رئيساً للتحرير ورئيساً لمجلس الإدارة.
ومع تواصل تلك اللقاءات في استراحة الجمهورية وفي الأسبوع الأول لتعيينه حدث ذات يوم وبعد أن فرغ من كتابة يوميات الجمهورية أن ناولني الورقة “الموضوع” طالباً مني إبداء الرأي ففعلت ما أراد واكتفيت بوضع سهم صغير على بعض الكلمات فما كان منه وبتواضع إلا أن وضع كلتي يديه على رأسه كتعبير عن حالة الامتنان والشكر وتكرر ذلك الأمر أكثر من مرة وذات يوم فاض به الكيل حينما شاهد بعض الزملاء وهم منكبون على الورق يوماً بعد يوم ليصرخ في وجوههم يا جماعة لا فين تكتبوا للأهرام منتظر واحد منكم يقدم مادة دوشتونا لا فين تكتبوا.
ومع تواصل تلك اللقاءات ولقاءات أخرى جمعتني به في أكثر من منتدى رياضي في منازل نجوم الزمن الجميل عبدالمجيد ثابت المجيدي – يحيى فارع سلام محمد عبده – عبدالقادر حسن القادري – فاروق عبده قائد- وكانت تضم في الغالب نجم الجزيرة والصقر الأسبق عادل سعيد – والراحل فضل عبدالفتاح، استطعت الوصول إلى عمق أعماقه والتعرف عن كثب على قدراته وملكاته التي لم تستغل إلى قبل رحيله، ولا يمكن اختزالها إلا عبر كتاب شامل يتناول مرافقته للبعثات الرياضية والقيادة السياسية في أكثر من بلد عربي وأوروبي ناهيك عن مواكبته المتميزة لكل المحطات الوطنية وفي مقدمتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية.
بقي أن أشير إلى أنه أخذ بأيدي الكثير من الشباب في القسم الرياضي وزودهم بكثير من الإرشادات والتوجيهات الأبوية الصادقة وكنت قد سألت فقيدنا الراحل الأستاذ محمد علي سعد عن القلم الرياضي في صحيفة الجمهورية والذي يمكن أن يراهن عليه، فرد على التو “ذلك الدبه” وكان يقصد مطر الفتيح، وللتدليل على نظرته العميقة والثاقبة حول المطر بن عبدالباري الفتيح تعالوا نتابع ما قاله الرائع مطر عقب الرحيل الموجع للأستاذ محمد حيث دونت أنامله الذهبية ما يلي:
أستاذي القدير محمد علشي سعد.. رحيلك المفاجئ بهدوء أوجع الجميع، مات الكلام بعد والدي الحبيب وموجهي ومعلمي، من منحني الضوء لأكون وأرشدني الطريق لأستمر، رحيل مؤلم لقامة أثبتت الأيام شموخها وطهارتها ونقاءها، يا وجعي عليك وعلى توأم روحك التي ما جفت دموعها حزناً على فراق الشهيد ليغادرها السعد وسط زحام من رفاق الورق والحاقدين وبائعي الذات والقيم وموزعي الوطنية وشهائد حسن السيرة والسلوك، رحلت شامخاً كبيراً رغم الألم الذي تركته، ونحن عاجزون كوطننا المريض عن التواصل معك والسؤال عن حالك، استعجلت الرحيل، لا بل عرفت بأن مكانك الحقيقي هو السماء، رحمك الله وطيب ثراك والدي الحبيب وعصم قلوب أسرتك الكريمة وقلوبنا الموجوعة.
ختاماً.. لا بد لنا من الإشادة بالدور الإنساني النبيل لمعالي وزير الإعلام الأستاذ ضيف الله الشامي والذي كان خير ظهير لفقيدنا الراحل خلال معاناته المرضية.. تغمد الله فقيدنا الراحل بواسع الرحمة والمغفرة وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.. وللموضوع بقية.