م. وليد أحمد الحدي*
يحتل القمح المرتبة الأولى من بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة في اليمن حيث تجاوز الطلب المحلي له ما يقارب الـ 3.5 مليون طن متري سنوياً وبتكلفة تصل إلى 700 مليون دولار حسب آخر احصائية متصدراً قائمة السلع المستنزِفة للنقد الأجنبي, وزيادة في الفجوة الغذائية تصل إلى 95%، وقد أدت جملة من العوامل إلى انخفاض إنتاج هذا المحصول بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة من أهمها العدوان والحصار وانعدام الوقود وتذبذب هطول الأمطار وعدم إعطاء أولوية من قبل الحكومات المتعاقبة لتنفيذ استراتيجية تنهض بهذا المنتج مما أدى إلى تدهور في إنتاجه بنسبة بلغت 16.6% ما بين عامي 2012و 2017م رغم الدور الحيوي الذي يساهم فيه في تحقيق الأمن الغذائي ومكافحة الفقر وتقليص فاتورة الاستيراد التي تكبد الاقتصاد الوطني خسائر فادحة . وبالاطلاع إلى تلك الأرقام المخيفة التي تنذر بكارثة اقتصادية ستكون لها آثار سلبية على المواطن والدولة وقد تتسبب بمجاعة -لا قدر الله- إذا ما استمر الوضع بتلك الحالة, لكنها في الوقت عينه تؤشر إلى وجود سوق رائجة وطلب يشجع على توظيف وجذب رؤوس الأموال في اسثمار آمن للاستفادة من هذه الفرصة اذا ما قسنا ذلك بالبعد الربحي .
نعم قد يتطلب هذا الأمر مصفوفة تحفيزية من قبل الحكومة تتضمن حزمة من الإعفاءات الضريبية والجمركية على مدخلات الإنتاج, وتوفير الإرشادات الزراعية اللازمة للتحسين من جودته، واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة, وحفر الآبار وبناء السدود وإيجاد آلية لضمان تسويق وشراء المحاصيل الأمر الذي سيدفع بالكثير من المستثمرين وحتى من المزارعين البسطاء التوجه إلى هذا النوع من الاستثمار الذي ستنعكس فوائده على الاقتصاد الوطني وسيسهم في مكافحة الفقر وتوفير منتج محلي بعملة وطنية قادرة على إيجاد فرص عمل لآلاف الشباب ممن استنزفت آلة العدوان طموحاتهم وأحلامهم، وكذلك تحقيق الأمن الغذائي وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلالية عن المساعدات المشروطة لأصناف بعضها فاسد في بعض الأحيان والبعض معالج وراثياً له آثار صحية سلبية مستقبلاً تهدد سلامة المستهلك، وهذا بحد ذاته يشكل بعداً وطنياً وإنسانيا لا يمكن تجاوزه في هذا الظرف العصيب؛ فالاستثمار في مجال كزراعة القمح لا يعد استثماراً مادياً ربحياً يعود على صاحبه بالمال بقدر ما هو استثمار وطني وقومي بامتياز في ظل ظرف يتكالب فيه الإعداء علينا من كل حدبٍ وصوب، هذا النوع من الاستثمارات هو ما نحن بأمس الحاجة إليه في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى, وبحاجة لرؤوس الأموال تلك التي تُكدس في البنوك المحلية والخارجية دون فائدة تذكر، أو تلك التي تُكرس وللأسف في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية لا تعود على البلد ولا على المواطن بفائدة, وقد تتسبب بالضرر حتى على صاحبها كالتي تحقق فوائد ربحية مرتبطة بظرف سياسي ما وفي مجالات غير مجدية على المدى البعيد, وتتسبب بالإضرار بالاقتصاد الوطني مثل محلات الصرافة المعتمدة على المضاربة بالعملة الصعبة والتي قد تتوقف بتوقف العدوان، أو تلك الأنشطة المستوردة لبعض السلع والكماليات غير المتوفرة بسبب الحصار لكنها غير دائمة لأنها أنشطة منتهية بانتهاء الظرف الذي ظهرت بسببه، أو الاستيراد الجائر لسلعة القمح على حساب العملة الوطنية والتي يحتكرها عدد من التجار لا يتجاوز عددهم الثمانية رغم ارتفاع كلفة التأمين على الشحنات المستوردة وارتفاع أسعار النقل بسبب انعدام الديزل وارتفاع الرسوم الجمركية والتي تضاف في النهاية على سعر المنتج ليتحملها المستهلك في نهاية المطاف .. !!
هذه دعوة صادقة موجَّهه للمستثمرين المحليين والذين قد يكون على أيديهم قيادة مشروع حضاري قومي يمكن أن يحقق نهضة اقتصادية شاملة وصولاً إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي, وقد نصبح بمشيئة الله رواداً في إنتاج وتصدير هذا الصنف الذي لا يستغني عنه إنسان على ظهر هذا الكوكب؛ حتى في ظل هذا الظرف الصعب لأن الحاجة كما يقال أمّ الاختراع, والإبداع لا ينبع إلا من رحم المعاناة، ولنا في دول حققت إنجازات عظيمة تحت ظروف قاهرة أحاطت بها من كل جانب أكثر مما حققته وهي في حالة الاستقرار ألف عبرة ، واستطاعت أن تصنع من الألم أملاً على ضوئِه حققت قفزات قياسية على عدة أصعدة .
ونشكر الله الذي أنعم علينا بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في مختلف الجغرافيا اليمنية شمالاً وجنوباً وشرقاً وهي ثروة قومية للبلد والمستثمر اذا ما استغلت بشكل سليم ومدروس، فالمساحات الزراعية في قاع جهران وقاع الحقل وفي تهامة وكذلك المدرجات الزراعية في محافظة المحويت وحجة وصعدة والجوف وتعز وإب وحضرموت ولحج يمكن أن تشكل سلة غذاء ليس لليمن فحسب بل و لمنطقة الجزيرة العربية بأسْرها .
ولتحقيق نتائج إيجابية مرجوَّة يمكن الاستعانة والاستفادة من التجربة الناجحة للمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب في محافظة الجوف, والتي استطاعت بجهود محلية تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى المحافظة والبناء عليها، لذا على الحكومة ممثلةً بوزارة الزراعة ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار وبنك التسليف التعاوني الزراعي والهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي والإتحاد التعاوني الزراعي واتحاد الغرف التجارية وجميع الوسائل الإعلامية كالصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعات المحلية وجميع الجهات ذات العلاقة توفير الأرضية المناسبة وحشد الجهود وتهيئة المناخات الملائمة التي تشجع رؤوس الأموال على التدفق للاستثمار في هذا المجال، ومنح القروض اللازمة للمزارعين ومدهم بالوسائل الحديثة للري لضمان إنتاج متميز بأقل التكاليف، وتكييف الإمكانيات والتقنيات على ظروفهم في الوقت الراهن من حيث البذور المحسَّنة والتسميد من المخلفات الحيوانية، واستخدام المقننات المائية للمحاصيل باستخدام شبكة الري الحديثة, والتوسع نحو الطاقة البديلة في رفع المياه للتقليل من تكاليف الإنتاج التي من شأنها تشجيع المزارع على التوسع في زراعة القمح، كما يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف الحكومية والشعبية لتحقيق الهدف المنشود، وكما قال الأديب جبران خليل جبران في إحدى تجلياته “لا خير في شعب لا يأكل مما يزرع” .
* رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي