العرب وإهدار النِّعَم

عباس السيد

يصدّر العرب النفط الخام برخص التراب ، ثم يستوردون مشتقاته والمواد البتروكيماوية المصنعة منه بأسعار باهظة. هذه الحقيقة ، مجرد فصل في سيرة العرب وتأريخهم في إضاعة النعم وإهدار الفرص.
قبل النفط ، أنعم الله على العرب بالإسلام ، استفادوا منه وصدروه إلى الخارج . لكنهم اليوم يستوردون مشتقاته ، كما يستوردون مشتقات النفط .
كل الدول العربية أصبحت أسواقا مفتوحة للمشتقات الدينية المكررة والمعالجة في الخارج ، وعلى وجه الخصوص ، في تركيا وإيران .
هذا ليس تشكيكا بإسلام إخواننا في إيران أو تركيا ، فنحن العرب لم نقدم نموذجا أفضل منهم .
وعندما حاولت ” بلد المنشأ ” المعروفة حاليا بالسعودية ، الاستغناء عن المشتقات الدينية المستوردة وتكرير الإسلام محليا ، أنتجت السلفية الوهابية التكفيرية ، وعادت بالناس إلى ما قبل الإسلام.
بعد حوالي قرن من الإنتاج والتسويق للمنتج الإسلامي السعودي ، أتضح وجود عيوب خطيرة في المنتج السلفي الوهابي.
وعلى طريقة شركات تصنيع السيارات حين تكتشف عيبا في منتجاتها ، قام النظام السعودي بسحب منتجاته الوهابية من الأسواق المحلية والخارجية .
كبار علماء المذهب أو المنتج ، والخبراء والفنيون في هيئة الأمر بالمعروف كلهم يخضعون الآن للفحص ، ومن استعصى إصلاحه يرسل إلى سجن الحائر ، لاستبدال ” المذر بورد “أو المحرك بأكمله.
وفي حين تعمل السعودية لاستبدال المنتج الوهابي على أرضها ، تمنع اليمنيين من العودة إلى منتجاتهم المحلية – الزيدية والشافعية – وتحاول إرغامهم على استخدام المشتقات السعودية الوهابية ، ريثما توافيهم بالنسخة المعدلة.
تركيا وإيران :
وحدهم الأتراك والإيرانييون ، يعرفون أهمية الإسلام وكيفية استغلاله كمادة روحية وسياسية وثقافية واجتماعية . يعرفون كيف يصنعون منه ديناً ودولة ، يوحدون من خلاله شعوبا وأمما وأعراقاً ، يصيغون منه أيدلوجيات ، ويبنون امبراطوريات .
تخرج الأنظمة العربية عن الإسلام وتتقرب إلى النصارى واليهود ، بينما يبدي النظامان في طهران وأنقرة اهتماما كبيرا بالإسلام ، ومقدساته ، بغض النظر عن حقيقة هذا الاهتمام، الله وحده أعلم بالنوايا. وليس لنا كبشر سوى قراءة الأحداث والواقع ومقارنة المواقف.
بالإسلام ، استطاع الأتراك العثمانيون بناء إمبراطورية عظمى منافسة للإمبراطورية البريطانية ، واحتلوا أجزاء شاسعة من أوروبا . والآن يعود الأتراك إلى استثمار طاقة الدين من جديد ، ولذلك لم يأبهوا لأي انتقادات عندما حولوا كنيسة آياصوفيا في إسطنبول إلى جامع.
رمى الأتراك علمانية أتاتورك خلف ظهورهم ، ولولا مراعاة أردوغان ورفاقه لبعض الاعتبارات ، لأصدروا فرمانا بإيداع تمثال أتاتورك سجن مرمرة .
قبل تحول الأتراك وصحوتهم الإسلامية الأخيرة، خلع الإيرانيون الشاه الذي حاول تغريب إيران ، أسقطوا نظامه العلماني . وأعلنوا : الجمهورية ” الإسلامية ” في إيران. وهاهي إيران الإسلامية تفرض نفسها كقوة لا يمكن تجاوزها في المنطقة . ومن استطاعوا بناء إمبراطورية عظمى بدين ” زرادشت ” يمكنهم بناء إمبراطورية أعظم بدين محمد.
وكما يهدر العرب نعمة النفط ، يهدرون نعمة الإسلام ، ونعمة الجغرافيا ، وكل النعم التي منَّ الله بها عليهم ، مع أنها كفيلة بجعلهم الإمبراطورية الأعظم في العالم.
الصهيونية واستغلال الدين :
الكيان الصهيوني هو الآخر عرف كيف يستغل دين موسى.. أحيا اليهود دينهم، جمعوا شتاتهم ، بعثوا لغتهم بعد موتها ، وجعلوا من الدين ايدلوجية سياسية للدولة التي بدأت في جيوب وأزقة القدس ، وهاهي تتوسع غربا نحو النيل وشرقا نحو الفرات.
باليهودة ، تبدو إسرائيل الآن ثالث ثلاثة في المنطقة المعروفة بالشرق الأوسط ، وهي في حالة تنافس محموم مع تركيا وإيران للهيمنة على المنطقة.
رغم الاعتراف الدولي بكيانهم الغاصب والمحتل ، يفتش الإسرائيليون في النصوص الدينية والأساطير ، ويحفرون الأرض بحثا عن ” شرعية دينية ” . أنفقوا ملايين الدولارات وعشرات السنوات علَّهم يحصلون على حجر من هيكل سليمان المزعوم ، بينما تنشر الوهابية فرقها في كل مكان لتدمير أي معلم إسلامي ، حتى مدينة النبي لم تنج من البلدوزر الوهابي .
* آخر مقال نشرته على صفحتي بالفيسبوك قبل أن يتم تعطيل حسابي !

قد يعجبك ايضا