كيف يمكننا التحكم بمسارات المستقبل؟
عبدالرحمن مراد
أتذكر أنه في الأيام العشرة الأولى من شهر يناير 2016م ظهر محمد بن سلمان يقول إن السعودية دولة مؤسسات، وإن قرار الحرب على اليمن وقَّعه الملك نفسه.
والحقيقة أنه ثمة تضاد بين تصريحات الغِر محمد بن سلمان والوقائع الثابتة، فقرار الحرب على اليمن تم إعلانه من أمريكا ولم تعلنه الرياض.. والسعودية ليست دولة مؤسسات فشكل النظام تقليدي ينتمى إلى العصور القديمة ولا جديد فيه سوى بعض التقنيات والأدوات التي يستخدمها وتربطه بمظاهر العصر..
ويبدو أمام مؤشرات ما قاله محمد بن سلمان عن أن السعودية -التي تبدو أمامنا ونراها- ليست إلا مؤسسة واحدة من منظومة مؤسسات ذات ارتباط عالمي، وأن الملوك الذين هم في قصور اليمامة والرياض مجرد ديكورات وأدوات شكلية وإلا لما أعلنت عدوانها على اليمن من واشنطن، لكن الغِر محمد بن سلمان لم يخرج عن جوهر الحقيقة حين قال “إن قرار الحرب مُقَر من قبل المؤسسات الرسمية” وتم إعلانه من العاصمة الحقيقية واشنطن، وهذا يفضى بنا إلى القول إن السعودية ليست دولة وطنية ذات سيادة لكنها ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية بدليل القول إن السعودية دولة مؤسسات، وبدليل إعلان الحرب على اليمن من العاصمة واشنطن، وتلك سابقة لم تكن لأحد إن كانت السعودية دولة وطنية مستقلة..
وفي مقابل ما قاله الغِر محمد بن سلمان شاهدنا المعتوه عبدربه منصور وهو يتحدث لإحدى القنوات العربية بأن عاصفة الحزم لم يكن يعلم بها وتفاجأ بها كما تفاجأ بها غيره، وقال إن الأمريكيين قالوا له إنه انه لن يحدث شيء، ولكنه وهو في طريقه إلى السعودية تفاجأ بإعلان عاصفة الحزم، ومثل هكذا تصريحات لعبدربه تنفي ما كان يقوله أولئك الأعراب أو يقوله إعلامهم، وتنفي طلب الحكومة الشرعية مساعدتها ضد من يصفهم الإعلام الخليجي بالانقلابيين..
ويبدو أن السعودية لا تملك قراراً سيادياً، وهذا ما تفسِّره الوقائع والتصريحات، وكذلك المعتوه عبده ربه منصور لم يكن سوى قطعة في لعبة الشطرنج تحركها اليد الخفية، وهو لا يعي ولا يدرك تموجات الأحداث ولا أثرها على النسيج الاجتماعي اليمني وعلى السيادة الوطنية اليمنية، ومازال يظن نفسه رئيساً أو يُصِّر على الشعور بذلك من خلال تدفق القرارات التي يصدرها ليشعر بوجوده باعتبار أن تلك القرارات هي النشاط الوحيد الذي أصبح هادي يمارسه بعد أن قدَّم استقالته إلى الشعب، وبالتالي انتهت ولايته القانونية والشرعية..
ما تجدر الإشارة إليه أن تصريحات محمد بن سلمان وأقوال هادي واعترافاته تجعلنا أمام سؤال جوهري حقوقي يتوجب علينا تجميع أشلائه المتناثرة لنصل إلى إجابته في المستقبل القريب في المحاكم الدولية، فالظاهر الذي عليه السعودية أنها جاءت لمساعدة شرعية هادي وبطلب منه، ويعترف محمد بن سلمان بتوقيع قرار الحرب من قبل الملك، وهادي ينفي أي طلب له وقال إنه تفاجأ بقرار الحرب..
ويبدو أن عفوية هادي وبدويته كانتا وراء اعترافه الذي أوقع السعودية في حرج أخلاقي كبير بدليل أن السعودية أخذت هادي وفرضت عليه الخطاب الذي قرأه في اجتماع الجامعة العربية الذي عقد في القاهرة عام 2016م وطلب فيه استمرار عاصفة الحزم حتى خروج الانقلابيين، وهو أول طلب معلن، والملاحظ قوله “استمرار عاصفة الحزم” وهذا يعني أن هادي لم يطلب من السعودية قبل ذلك أية مساعدة، وقد لاحظ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يومها أن هادي كان كالأسير في يد جهاز الأمني السعودي وفي يد سلمان الذي جاء به إلى القاعة ليلقي خطابه ثم غادرها سلمان وهادي قبل انتهاء الجلسة، وقد قال هيكل يومها “كيف لهادي مغادرة قاعة الاجتماعات مع الملك سلمان قبل نهاية الجلسة خاصة أن الاجتماع كان مخصصاً لمناقشة القضية اليمنية”؟!
في ظني أن ثمة معطيات في مسار الأحداث، وثمة فلتات قد تفيد حركة التقاضي الدولية ضد آل سعود والأمريكيين في المستقبل، وتكثيف الجهد في التأمل والتوثيق يساعدنا في السيطرة على مجريات الأحداث في المستقبل وقد يساهم في تعزيز قوتنا في التحكم بمسارات المستقبل وتفاعلاته..
ومع تكرار الجرائم التي تمعن السعودية في ارتكابها بحق اليمن واليمنيين تصبح القضية الوطنية اليمنية أكثر تشعبا، ولا أظن السعودية ومن ورائها أمريكا ستفلت من العقاب ولو بعد حين، فقد تواتر في واقع النظام الدولي إحياء قضايا كانت في عداد المؤجل بسبب ظرف سياسي ما، وعندما برزت الضرورة السياسية عادت القضايا المؤجلة إلى الواجهة..
ومع تجدد الدعوة للمملكة للحوار المباشر مع اليمنيين تكون المملكة أمام فرصة قد لا تتكرر لها في المستقبل إن لم تقتنصها اليوم، فهي لا تتعظ من الوقائع والأحداث ومن مفردات الوهم التي وقعت فيها.. لا خيار لليمن أمام هذا العدوان إلا الانتصار، ولا خيار للمملكة للخروج من مأزقها سوى الحوار المباشر مع اليمنيين ونبذ مرتزقتها، فقد تجاوزتهم الأحداث..
وفي ظني أن استمرار الحصار على اليمنيين ليس في مصلحة السعودية لا اليوم ولا غدا , فالإنسان في اليمن يدرك تمام الإدراك أن قطع المرتبات وراءه السعودية بشكل مباشر، ومنع المشتقات النفطية من الوصول إلى اليمن وراءه السعودية، فالسفن تحتجز قبالة ميناء جيزان، وهذا في حد ذاته يترك أثرا في نفوس الناس وفي وجدانهم وفي العلاقات المستقبلية بين اليمن والسعودية , فالقضية تتجاوز العدوان في الحاضر وتمتد إلى المستقبل , ومن الغباء أن تكون علاقة المملكة باليمن غير سوية , فالقادم هو صراع إقليمي بدأت مؤشراته تبرز على السطح، فتركيا سوف تتواجد في البحر الأحمر ولها وجود في قطر وفي السودان وفي القرن الافريقي , الأمن القومي المصري والسعودي سيكون مهددا , كما أن تواجد تركيا في العراق وفي سوريا وليبيا له أثره على السعودية، حينها ستكون اليمن أمام خيارات متعددة، وسوف تكون السعودية محشورة في زاوية ضيقة إن لم تتدارك نفسها وتعيد ترتيب أوراقها وتعتذر لليمن وتدخل معها في حوار مباشر كي تتمكن من التحرك في مساحات أكثر اتساعا تضمن لها ولو الحد الأدنى من الوجود والتأثير.