ماجد محمد القوسي*
إن التسارع الكبير في التكنولوجيا والذي شهده العالم خلال العشر سنوات الماضية إضافة إلى التحول الكبير الذي شهده العالم خلال جائحة كورونا وما سيترتب عليه الوضع المالي والإداري والاقتصادي لكافة اقتصاديات العالم والتي يجب ان نسلط الضوء عليها ويتم البناء والتخطيط وفق المعطيات الجديدة التي سيفرضها علينا الواقع الجديد لاستدامة الأعمال واستمرارية الحياة.
مؤخراً أطلقت الكيانات الدولية والمهنية ناقوس الخطر حول الاستدامة المؤسسية للاقتصاد برمته ما لم تكن هناك شراكات واسعة وحقيقية بين كافة القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمعية ولن تتحقق تلك الغايات إلا بـ”رشقنة” ومواءمة الإجراءات والمفاهيم والأهداف للتعامل مع بيئة سريعة التغير وكثيرة الأزمات خلال العقود القادمة لجعل ثقافة التغيير جزءًا روتينيًا من الحياة التنظيمية لتقليل أو إزالة الصدمة التنظيمية التي تشل العديد من الشركات التي تحاول التكيف مع الأسواق والبيئات الجديدة. وعليه فإن الكيانات الخاصة أو العامة الرشيقة قادرة على التكيف مع الفرص الناشئة والاستفادة منها, كما تعتبر الكيانات الرشيقة نفسها أنها جزء لا يتجزأ من نظام أكبر ينتج عن أنشطته تأثير مضاعف للتغيير داخل الكيان نفسه والنظام الأوسع.
وبنظرة مستقبلية نستطيع تخيل أنماط العمل التي سيفرضها علينا هذا الواقع الجديد والتي تدعم الرشاقة وموائمة الإجراءات والتي من ابرز سماتها أنها منظمة وغير هرمية و بدون نقطة تحكم واحدة و يعمل الأفراد بشكل مستقل، ويتفاعلون باستمرار مع بعضهم البعض لتحديد الرؤية والأهداف، والحفاظ على فهم مشترك للمتطلبات، ومراقبة العمل الذي يتعين القيام به.
أيضا تتميز سمات عصر ما بعد كورونا بأنه لا يتم تحديد الأدوار والمسؤوليات مسبقًا بل بالأحرى تنبثق من أنشطة التنظيم الذاتي للأفراد وهي في حالة تغير مستمر وبالمثل يتم إنشاء المشاريع في كل مكان في الكيان، وأحيانًا حتى من الكيانات التابعة الخارجية حيث يتم اتخاذ القرارات الرئيسية بشكل تعاوني وفي الحال وبسبب هذا، تنتشر المعرفة والقوة والذكاء من خلال الكيان، مما يجعلها قادرة بشكل فريد على التعافي بسرعة والتكيف مع فقدان أي مكون رئيسي للكيان.
في بعض الكيانات، يمكن أن تكون طبيعة الأعمال معقدة مع نتائج وأهداف غير مؤكدة يمكن أن تتغير بمرور الوقت. سابقا كان يتم التعامل مع هذه القضايا من قبل خبراء التخطيط الذين سيحاولون التحديد المسبق لكل التفاصيل الممكنة قبل التنفيذ؛ ومع ذلك، في العديد من المواقف حتى الكيانات التي تم التفكير فيها بعناية شديدة سيكون من الصعب إدارتها. فانه سيترتب على هذا التغيير تقنيات رشيقة جديدة، نشأت من مجتمع تطوير البرمجيات تمثل نهجا بديلا لنهج التخطيط الإلزامي الكلاسيكي للإدارة حيث ينصب التركيز الرئيسي للطرق الرشيقة الجديدة على معالجة قضايا التعقيد وعدم اليقين والأهداف الديناميكية، من خلال جعل التخطيط والتنفيذ يعملان بالتوازي بدلاً من التسلسل للقضاء على نشاط التخطيط غير الضروري، وما ينتج عنه من عمل غير ضروري.
يجب أن ندرك جميعاً أهمية الأساليب الواقعية لتحقيق المرونة التنظيمية للكيانات ورسالتها ورؤيتها وقيمها واستدامة العمل فيها لمرحلة ما بعد كورونا حيث سيكون لزاماً دمج أساليب الترشيق والمؤامة في الإجراءات المتعلقة بالتخطيط مع التنفيذ مما يسمح للكيان “بالبحث” عن الترتيب الأمثل لمهام العمل والتكيف مع المتطلبات المتغيرة حيث تشمل الأسباب الرئيسية لعدم الاستدامة للمرحلة القادمة للكيانات في الفهم غير الكامل لمكونات الكيان، والفهم غير الكامل لتفاعلات المكونات، والمتطلبات المتغيرة حيث ستتغير المتطلبات بشكل جذري مع ظهور فهم أكبر لمكونات الكيان بمرور الوقت. كما ستتغير المتطلبات أيضًا بسبب الاحتياجات المتغيرة لأصحاب المصلحة. حيث سيسمح النهج الرشيق لفريق الكيان بالثقة الجماعية والكفاءة والدافع لتنفيذ المشاريع الناجحة بسرعة من خلال التركيز فقط على مجموعة صغيرة من التفاصيل في أي تكرار للتغيير.
وأخيراً فان مفهوم ترشيق وموائمة الإجراءات الجديد وبسبب ما فرضته علينا المعطيات الجديدة للتعامل لا تعني أبداً الاستغناء أو زيادة معدلات البطالة ولا تستدعي ردود فعل عكسية من الكيانات المختلفة سواء كانت خاصة أو عامة، إذ أنها تتطلب التحول من التفكير التقليدي في تنفيذ إجراءات معينة إلى تفكير أكثر سلاسة وموائمة لتحقيق تلك الأهداف من قبل نفس الكادر ولكن بأساليب مختلفة وبتقنيات مختلفة وان عدم التغيير في أنماط العمل على كافة المستويات سيكلفنا الكثير من الجهد والوقت والأموال إذا انطلقت عجلة العمل بمفهومها الجديد.
* الأمين العام لجمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين